في المنصّات يستخدم جلّ العوامّ الحركات للزركشة والتزيين، وقد يكرّر الواحد منهم الحرف من الباب نفسه، وعلامات الترقيم لا تعود للترقيم. هذا النوع من الناس إذا تعلّم الكتابة وظّف أدوات اللغة الأخرى بالطريقة نفسها. البهار عندهم يغطّى نكهة الزمن الذي مرّ على اللحم حتّى شارف على الفساد.
نحن الآن في وقت آخر، لقد تعلّم كثير من هؤلاء الكتابة بالفعل، وزادت الرطانة على حساب المعنى، نصوصهم كجسم راقصة سمينة يترجرج من كثرة الشحم، ويؤدّي حركات بهلوانيّة، فماذا تفعل النصوص الحقيقيّة هنا؟ الأنثى الرشيقة القوام الرصينة الحركة ذات المزاج الحادّ.
يدخل نصّ الواحد منهم ذهن المتلقّي كما تدخل قبّة العصّارة نصف ليمونة، فتمتزّ منها كلّ ما فيها، مع أنّ القبّة في ذاتها فارغة من الجهة المقابلة. أسمع لدى قراءة أحد النصوص عُرَب “أصالة” المجّانيّة، التي لا تلاحق معنًى، ولا تعمّق شعورًا، لا يفضل ابنُ اللغة لدى سماعها الغريبَ بشيء، فكلاهما يسمع محض زقزقة.
مرضى بالرطانة هم، مفتونون بالتقديم والتأخير بلا طائل، يحشدون الكلمات المتباعدة حتّى يفقد القارئ اتّزانه، كأنّها كرات مدفع برنامج الحصن تقذف على فريق المهاجمين وهم يحاولون التوازن على درب ضيق زلق.
مشكلتي ليست في وجود هذا النوع من الكتابة، فهو تمرين جيّد نعرفه، إذ نعتمد التداعي الحرّ، أو موسيقا الكلمات، أو بعض الصور الذهنيّة لنقيم علاقات غير واضحة، ونعتاد التأشير بديلا عن القبض على المعاني. مشكلتي قد تكون متوهّمة، لكنّني أحبّ الغناء الهادئ، وأقدّس العُربة الوحيدة في مقطع رصين، ولي أذن مدرّبة على التقاط النشاز. أرى البهار مساعدًا على إظهار لذّة الطعم الأصيل، أخاف أن يخدعني الطاهي فأشكره على طعم بهارات لحم فاسد. لا أهتزّ طربًا من الرطانة، وليمونة عقلي عجراء لا تدخلها قباب عصّاراتهم. أطرب للفكرة، وأهشّ للطعم الأساسيّ، وأضع الحركة لاستبعاد اللبس، فأجد من يتّهم لغتي بأنّها أقرب للترجمة. يا لها من تهمة رائقة، فأنا أسعى للإفهام، لا الإدهاش. فإذا كان المفهوم مدهشًا، فإنّها لحظة طرب حقيقيّ، بعيدة عن استمناء الصوت عُربًا، تحمل الرطوبة إلى الثمار كأنّها المطر بعد الجفاف.
نعم، أنا صوت النحنحة المتململة في جلسة الطرب الرديء.