وأنا صغير سمعت حوارًا بين رجلين من قرابتي، أحدهما مصلّح راديو وتلفزيون، والثاني تاجر شنطة. كان التاجر يسأل: حواليك تلفزيون يكون رخيّص وكويّس وابن حلال؟ فقال له المصلّح: الثلاثة هذه لا تجتمع؛ إمّا أن يكون رخيصا وجيّد النوعيّة، فهذا مسروق، وإمّا أن يكون جيّد النوعيّة وشرعيّ، فهذا له ثمنه المرتفع، وإمّا أن يكون رخيصًا وشرعيًّا، وهذا ذو نوعيّة سيئة.
كبرت ودرست الرياضيّات، فعرفت أنّ هذا النمط موجود في الحياة والفكر، فبعض المعادلات ليس لها حلّ بعدد موجب، أو ليس لها حلّ بعدد صحيح… إلخ، لكنّ بعض الناس يصرّ على ليّ الحقائق ليحصل على تلفزيون تاجر الشنطة.
مسكين شيخ الأزهر، فهو يُسأل عن حكم الشرع كما درسه، فيجيب. ما ذنب الرجل أنّ القرآن صريح في ضرب المرأة؟ ليس في يده إلّا أن يخرجه من الوجوب الذي يظنّه الناس في كلّ فعل أمر قرآنيّ، وهو زاد على ذلك بأن أعاد الأمر لوليّ الأمر والقانون وأنّ الدولة يمكنها منعه.
لو نظرت حركة تحرير العبيد في الدين نظرة كثير من دعاة النسويّة الذين يصرّون على مقولة “الإسلام كرّم المرأة”، لكنّا اليوم نتاجر بالعبيد أو نباع في سوق النخاسة.
سألتم عن حكم الدين (قانون وأعراف دولة يثرب) وجاءكم الجواب الصريح. ليس ثمّة تلفزيون رخيّص وكويّس وابن حلال. القصّة ليست “خاوة”! الآن دور القانون ليجرّم هذا الفعل وإن كان حلالًا في الديانة، هل تعلمون أنّ “التهريب” حلال؟ وهو جريمة يعاقب عليها القانون.
نعم، واجهوا الحقيقة: الديانة الإسلاميّة والأعراف العربية والقضاء العشائري والقوانين في الدول الأخرى وما يتّفق عليه الناس اليوم كلّها مصادر يستند إليها القانون، لكن القانون شيء آخر، كيان مستقلّ عن مصادره.
أمّا معضلة كيف نبقي على تكريم الإسلام للمرأة، فهي كمسألة العبودية، كلّ تخريجاتها توفيقية أو تلفيقية، ولا تمرّ على حاذق، فإمّا أن تتبّع المسألة إلى جذرها، فتكون باحثا في التاريخ العربيّ قبل الدعوة وبعدها، وحينها ستنهار كثير من الصور المتوهّمة لديك، لأنّ مدرّس الدين في الصفّ الثاني ب كان يتجمّل ويقارب، وإمّا أن تعرف حدود القانون في دولتك وتلتزم بها.
أنصحك بتلفزيون ضمن ميزانيّتك!