تُرجمت العبارة الإنجليزية “آي بيليف إن ساينس” إلى العربية، لتصبح “أنا أؤمن بالعلم” أو أنا أصدّق العلم. وإنشئ تحت هذا العنوان مبادرات وصفحات على مواقع التواصل وأوسمة للمنشورات، لكن هل علينا فعلا أن نؤمن بالعلم أو نصدّق به؟ وماذا عن الجملة الإنجليزية الأصلية؟ هل يجوز أن نقولها أصلا؟
لنتناول الكلمات العربية أولًا: أؤمن وأصدّق، باحثين في الجذر والاستعمال قديما وحديثا، لنصل إلى فهم يخوّلنا الحكم على الجملة.
أؤمن
كلمة أؤمن من يؤمن وآمن وجذرها أمن، وهي في كل استخدامها القديم تعني عكس الخوف، ومنها الآية (وآمنهم من خوف)، واسم الله المؤمن الذي يترجم إلى ” سكيورر” لا إلى “بليفر”، وتعني يوفّر الحماية والاطمئنان، وهي ذاتها اللفظة الإسلامية التي تطلق على الشخص الذي يعاهد الناس على الأمن، معلّقا عهده هذا بالله، أي مقسما به، وقد سحبت أولا إلى أن يطمئن لصدق الرسال، ثم تحوّلت ترجمة لكلمة “بليف”.
ضمن هذا الفهم، لا يجوز أن تقول: أنا أؤمن بالعلم.
أصدّق
صدّق الكلام أي اعتنقه رأيا، وصدّق الشخص أي أنّه اعتقد بعدم كذبه، والصدق المطابقة والموافقة. أمّا صدّق بالشيء أي أنّه اعتقد بوجوده، لذلك يجوز أن تقول: أصدّق فلانا، أو أصدّق كلامه، أو أصدّق بالله، فتعني الأولى أنك تصدّق أنّ باطن الشخص كظاهره، فقد تصدّقني وتخالف كلامي، وتعني الثانية أنّك توافق كلام فلان وتعتقد بكونه مطابقا للواقع. أمّا الأخيرة، فالتصديق بالله يعني التصديق بوجوده.
فقد تقول أصدّق بالعلم، لكنّ هذه الجملة لن تعني أكثر من مجرّد اعترافك بوجود العلم.
الكلمة الإنجليزية
“بليف” هو تصديق غيبيّ لا دليل عليه، أي أنّه أقرب للثقة العمياء، بكلام أو شخص أو مفهوم. لذلك، فالتعبير الإنجليزي “آي بليف إن ساينس” لا يصحّ أصلًا، لأنّ الثقة العمياء هي نقيض العلم المبني على الشك.
أما المفهوم من واقع حال من يكتب هذه التعبيرات، فهو أنّه يثق بصوابية المنهجيّة العلميّة، وبنزاهة الأكاديميا. وهذا أمر هو حرّ به، لكن التعبيرات التي يستخدمها لا تتوافق مع ما يريد من معنى.
المنهجية العلمية قائمة على الملاحظة والتفسير والتجريب والتحكّم، وهي في أساسها الفلسفيّ قائمة على الشكّ في كلّ خطوة من الخطوات، لذلك فإنّ هذا التعبير بأصله وترجماته مجافٍ لها، ولأنّه يزعم موافقتها فهو تعبير متناقض تناقضا داخليّا.