نحاول هنا أن نقدّم رؤية جديدة لكيفية فهم القرآن، سواء من حيث ماهيته، هل هو معجزة حقيقة أم لا؟ أو من حيث السبيل لفهم مقولاته، وما يريده وما يرفضه.
1
يقال إن الفرسان في أوروبا كانوا يلقون قفازهم لخصمهم إذا أرادوا النزال، ومن هنا نستعير المفهوم فنقول: هل ألقى القرآن قفازه متحديًّا مشركي قريش، ليأتوا بمثله؟ ولمَّا أُثر عند المتأخرين أن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان، ولم يؤثر عنهم أن أحدهم التقط القفاز قابلا “التحدي”، فذهبوا يطلقون على هذا التحدي وما فهموا منه عن القرآن، أسماءَ تبدو في ركاكتها وكأنها ترجمات حديثة من النوع الرديء، فقالوا عنه “معجزة”، وانسحب هذا على كل آيات الأنبياء، ليتحول اسمها إلى معجزات أيضاً، ثم انطلقوا يبينون “إعجاز القرآن”، ويخترعون نظريات تفسِّر “الإعجاز” فيه، فأتوا بالعجائب! وحول المفاهيم المحيطة بقفاز القرآن المفترض، من شرعية اسم المعجزة، وفي أي إطار يقبل، وأين يردُّ، وما أفرزه الفهم المغلوط، وما ينبني على الفهم السليم، ومحور الهراء في ثقافة الإعجاز، سندور في هذه المقالة.
لابدَّ قبل كل شيء أن يوضح الفرق في معنى الكلمة، بين المعنى المعجمي، والمعنى الدلالي، والمعنى الاصطلاحي، والمعنى الاستعمالي؛ في هذه المقالة: المعنى المعجمي، هو المعنى الأصيل المنسحب على اشتقاقات جذر الاسم في اللغة، حتى وإن لم يرد في المعجم. والمعنى الدلالي، هو المعنى الذي اكتسبته الكلمة في زمكان (زمان ومكان) وقد لا يكون منسحبا على سائر اشتقاقات الجذر، وهذا ما تجده في المعاجم على الأغلب، فتراه متناثرا مترامي الأطراف بسبب أن معاجم العربية لا تختص بزمان ومكان محددين. والمعنى الاصطلاحي، هو المعنى الذي يتفق عليه جمع، أو يورده الكاتب للكلمة، كما نرى في كتب القانون، _وكما أؤسس هنا للتفريق بين المعاني_ فيقول: أيان وردت هذه الكلمة فمعناها كذا. أما المعنى الاستعمالي فهو المعنى الذي يفرضه سياق الكلام للكلمة الواحدة، وقد نسميه بالمعنى السياقي، وهذا يدخل في التشبيه ويخرج منه ليستحضر معنى التشبيه دون أن يعيده، وهو أساس البيان والاتصال البشري، وهو الأكثر توظيفا في حقل الأدب والفكر.
وهكذا فلنتناول معنى كل من الآية والمعجزة من حيث أشهر دلالاتهما، من حيث المعنى المعجمي والاستعمالي، في القرآن، مهملين المعاني الدلالية التي يسهل على الجميع الوصول لها، عدا عن كونها معروفة، ونقول هي التصقت بها بسبب تراث طويل من المراكمة دون تمحيص، أما عن الجمع بين المعجمي والاستعمالي، فهو لأن القرآن عربي مبين لا يغرب في استعمال كلمة بعيدا عن معناها المعجمي، في رأينا، وهكذا سنعرض لمعنى الآية والمعجزة، ثم نفرق بينها وبين البرهان والدليل والشاهد، لأن هذا مما يتطلبه مقالنا.
الآية في اللغة معناها العلامة وتستخدم للكذب والصدق، ولكن إن جاءت مفردة فهي للصدق أو للتنبيه، وهذا يصح على كل معانيها، الدلالي والمعجمي والاستعمالي، وفي المعجمي هي مشتقة من آي وأي، بمعنى التأييد والتنبيه، يقول العربي: أي أخي… بمعنى التنبيه، ويسأل فيجيب بأي بمعنى التأييد لجملة السؤال، وبها قد ينجد أيضا، وهي اصطلاحا الجملة من القرآن بين علامتين، وقيل بل هي العلامة، وهنا ندور حول المعنى ليتضح لنا: إن الآية علامة الصدق التي يؤيد بها الله تعالى نبيا أو قرارا أو ينبه بها الغافلين.
أما المعجزة، في اللغة وهي تبدو لي من الألفاظ المولدة صرفا، فلم أجدها في شعر العرب القديم، ولا في أمثالهم، ولا في خطبهم، فهي مشتقة من العجز، وبصرفها يكون معناها ما يتسبب بالعجز، أو ما يُغرق فيه، وبهذا استعملها القرآن (والذين سعوا في آياتنا معاجزين) في ثلاثة مواضع، وفيها كلها كان المعنى الذين يحاولون تعجيز النبي أو الأنبياء بطلبهم آياتِ الصدق، وهم يحاولون ولا يقدرون، ولهذا كانت الصيغة معاجزين وليست معجزين، وفي القرآن أيضا (اؤلائك لم يكونوا معجزين في الأرض) و (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) بمعنى ألا تظن يا محمد أن الله غير قادر عليهم، ولكنه نفى عنهم القدرة على التعجيز بالمطلق، بدل أن يثبت لنفسه القدرة عليهم، إمعانا منه في إظهار ضعة شأنهم أمامه، مع أن المعنى المخصص هو عدم قدرتهم على تعجيز الله، وهذا ظاهر في مواضع أخرى، إذ يقول (واعلمو أنكم غير معجزي الله) أي هو قادر عليكم، و يقول ( فإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله) بالمعنى نفسه.
ولنلاحظ هنا، إن القرآن بكل أسمائه لفظ مذكر فإن قلنا هو آية أو علامة صدق، فهذا مبرر لأنها ألفاظ أصيلة، جاز أن نعبُر فيها من التذكير للتأنيث، أما فيما يشتق من الجذر (عجز) فهو لا يبرر تأنيثه فيقال (معجزة) فهو وإن سلما بسلامة المعنى الاصطلاحي، و”الاستعمالي” عند الناس له، وهذا مما لا نسلم به، لا يقال عنه إلا :معجز، أما التاء المربوطة فليس لها مكان هنا عند من يعرب قولا، ويبقى المعنى الاصطلاحي الذي قالوا به لهذه اللفظة: إنه خارق للطبيعة. وهذا المعنى بعيد، ولكن في نشأة المصطلح كان حول الإعجاز أي أنه تحدى فأعجز، والتعجيز لابد أن يكون لقادر، والله لا يقر بالقدرة لهم على الإتيان بمثله، حتى يعجزهم، ولكن من قالوا به كانوا يريدون _فيما يغلب على ظني_ من سياق كلامهم، إنه أظهر عجزهم، وهذا جيد ولكن يلحقه سؤال: أظهر عجزهم لمن؟ فإن قيل لهم حصرا، فالقرآن إذاً كما يسمي نفسه (آية وآيات) وليس (معجزة ومعجز)، فهو شيء عرفوه هم في أنفسهم، وإن قيل أنه أظهر عجزهم لنا، فهذا يشترط قبولهم هم للتحدي، وهذا ما لم ينقله التراثيون لنا، وحتى بما بلغنا يبقى آيةً عجز غير النبي عن الإتيان بمثله (في كونه آية) ولا يشترط أن يكون كلاما، فلو أوتي مسلمة الحنفي (مسيلمة الكذاب) ما أوتيه السيد المسيح من آيات؛ يشفي الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويخلق الطير من الطين، لكان جاء بمثل القرآن آية، ولكن الفهم المسطح لآيات التحدي أبقى الناس أسرى نظرة خاطئة لفكرة أن القرآن آية محمد ولمعنى كلمة آية، ومن هنا بدأ الشطط الذي بلغ بهم حد الحمق أحيانا كثيرة، وتجاوزه أيضاً، والذي سنبيِّنه لاحقا.
يبقى أن نؤكد على أن القرآن سواء كان بمعانيه أو بألفاظه أو بطباعته بين دفتي مصحف، يقدر المشرك على أن يقول إنه (لم يعجزه) حسب المعنى القرآني لكلمة الإعجاز، لأنه غير ذي قدرة في ذاته، فقد يمسكه المشرك ويمزقه، أو يحرقه، أو يسخفه، أو يحرِّف فهمه، فهو قد يقدر عليه (والمعنى هنا ليس القدرة على الإتيان بمثله) فهو لم يجعلهم عاجزين، بل إن القرآن يستعظم كيدهم، ويقر لهم بالقدرة، لكنه يذكرهم أنهم غير قادرين على الله، ولا حتى معجزين له، ولو سعوا في آياته معاجزين (لاحظ أنهم يسعون في آيات الله معاجزين وليسوا عاجزين!)، ولهذا فقد استقر لنا أن نتابع القرآن على ما سمى به نفسه، فقال آية وآيات، ونتجنب استعمال كلمة (معجزة) فهي غير دقيقة وتدخلنا في فهم خاطئ، بل قد تلتبس لتعني أن القرآن يتسبب في عجز البشرية! وهل على العاجز من حرج! أو حساب!
واستقرّ عندنا أن نتجنّب فكرة التحدّي، لأن التحدّي عرفا يكون من الأدنى للأعلى، ولذا فلا يجوز أن يكون مصدر التحدي هو الأعلى، فاستخدمنا كناية القفاز، لتوضيح المفهوم بأقل لفظة موحية، فهو في الأصل محض طلب، لكننا نسميه “إلقاء قفّاز” لكي نقارب المعنى الذي نريد الرد عليه، دون التورط في مصطلحات القوم، التي نراها مسيئة.
2
بيَّنا من قبلُ في الجزء الأول لماذا وجب علينا الاقتصار على تسمية القرآن آية وآيات، كما سمّى نفسه، وألا ندعوه معجزة ولا نصفه بالمعجز، وسنمر هنا، على التفريق بين البرهان والدليل والشاهد من جهة، والآية من الجهة الأخرى، لنرى: ماذا يلزم عن كون القرآن آية؟
كل هذه الألفاظ ألفاظ عربية قح، ليس فيها المولد، لكننا نتناولها من جهة المعنى الذي يخصنا في فرقها عن آية، مستأنسين بما رأيناها تستعمل به في النصوص العربية القديمة من شعر وخطب وأمثال وقرآن، وإن كنا سنقتصد في الاستشهاد بالنصوص، لأننا لا نتوقع التكذيب في هذه، بل إن الشك يطال ما ينبني على كلامنا هنا، أكثر من كلامنا حول المعاني.
نبدأ بالبرهان، وهي كلمة ليس لها جذر في ما وصلنا من العربية الجزيرية القرشية، إما أن يكون كان لها جذر وأهمل حتى نسي، أو أنها منقولة عن لغات عربية أخرى، ولكن معناها الاستعمالي، هو: الحجة القاطعة البينة، وهي حجة طلب لا دفاع، أي حجة يأتي بها المدعي، أو من يزعم شيئا، وردت في أربعة مواضع في القرآن بهذا المعنى، ووردت بمعنى استشكل على الشارحين في موضع واحد (لولا أن رأى برهان ربه) وهو في رأيي أحد ظلال المعنى الأول، وسأتجنب الخوض فيه لبعد شقته، كي لا نتشعب، وللتأكيد البرهان هو حجة قاطعة يأتي بها من يدعي أمرا ويلزم عليها تصديق العاقل له إن صحت.
أما الدليل، فهو من يدل القافلة في رحلتها، وفي الحِجاج والجدال هو أمر يرجح الحجة ترجيحا، لكنه لا يبت فيها، فهو أعم من البرهان، والدليل البرهاني حالة خاصة منه، لذلك نقول دليل قاطع، فنتبعه بوصف القطعية لأن القطعية غير لازمة على كل دليل، ودعك من قطعية ثبوته ودلالته المسألة في قطعية لزوم الادعاء عنه، أي أنه قد يكون قائما ومع ذلك قد يكون الادعاء خاطئا، ثم يأتي الدفع بسياق آخر للدليل، فيحسب دليلا للمدافع لا للمدعي، ومن هنا قيل في المحاكم (عدم كفاية الأدلة) هي موجودة ولكنها غير كافية.
أما الشاهد من الشهادة والمشاهدة، أي أنه إما أن يكون ذاتا عاقلة شاهدت الأمر، وأدلت بشهادتها، أو يكون شاهدا نحويا أو قرآنيا أو علميا، ترى فيه مثالا على ما يدعى فتشهده وتشاهده، والشاهد قد يقبل وقد يرد، فإن كان ذاتا قد تقبل شهادتها فتسمع وتحظى بالتصديق، وإن كان مثالا فقد يرده فهم آخر له، أو يخرجه من دائرة الاستشهاد.
وهنا نرى أن الله أرسل آية من السماء ولم يرسل برهانا أو دليلا أو شاهدا، فماذا يعني هذا؟ وهنا مربط الفرس، فلو أرسل الله برهانا لما وسع أي عاقل أن ينكره، لكنه أرسل آية (تنبيها، تأييداً، نداءً، نجدةً) قابلة للقبول أو للردِّ، ويبقى أمر قبولها أو ردها أمرا متعلقا بمشيئة من تهدى له، فإن قبلها استحق الثواب، وإن رفضها فعند الله أمره، أما لو كانت برهانا بكل ما في الكلمة من قطعية، لما كان تصديقها منقبةً للمصدّق بها، فهو حينئذ برهان لا يحتمل التكذيب، فالقرآن يقر لعدد من منكري القرآن بالعقل، ويطلبه حّكّما بينه وبين دعواهم، ويستشهد بعقولهم، بل ويقر للمنكرين من عدة ديانات بكونهم “مؤمنين” لهم جزاؤهم عند ربهم، ولا يظلمون، وبهذا فقد فهمنا أمرا جديداً قديماً، ولكن ألم “يتحدى” القرآن المشركين على الإتيان بمثله، ألا يكون بهذا برهانا؟! هذا ما سنتناوله لاحقا.
لكن الملاحظ يرى أنه ومع وجود هذا الطلب، فهو لم يدع كونه برهانا لا يقبل الرد، وترك أمر تصديقه لمشيئة الناس الذين يخاطبهم، ورغبهم ورهبهم، وإلا لكان أنزل لهم ملاكاً يسدُّ الأفق بأجنحته فلا يجدون من التصديق بدًّا!
3
مررنا من قبل على فكرة استعرناها من طريقة تحدي الفرسان في أوروبا، برمي القفاز، وضمّناها في اسم هذه المقالة، ومررنا على المعاني الممكنة للكلمة، وفرقنا بينها، ثم سلطنا الضوء على لفظتي الآية والمعجزة، وانتخبنا للقرآن ما انتخب لنفسه، وأقررنا اسمه كآية، ورفضا اسم معجزة، ورأينا ما يترتب على ذلك من امكانية تصديق العاقل به، وإمكانية تكذيب العاقل له، دون أن يغادر عقله، فهو لم يقدم برهانا، وإنما ترك الأمر للمشيئة الإنسانية، ليستحق بذلك الإنسان الثواب والعقاب من وجهة نظر القرآن، وفي هذا الجزء سنعود لطلب القرآن الذي ألقاه على مشركي قريش، أن يأتوا بمثله، والفهم الشائع له، وما حول ذلك من مسائل.
يبدأ الفهم الخاطئ لماهية الآية على أنها (معجزة)، برأيي، من فهم الناس لعصا موسى، فهو حسب القرآن أرسل إلى فرعون، بقول ليِّن، في تسع آيات، منها العصا، التي ظهرت في موقف استعلاء مرة واحدة فقط، وسوى ذلك كانت وظيفية بالمطلق، وأعني بذلك لحظة تحدي السحرة لها، والتي أعقبت هجوم فرعون لها بأنها سحر، أي يوم الزينة، ولنلاحظ هنا: إنها كانت آية لقيت التقدير من فئة محددة قدرتها حقّ قدرها، ولم يكن لها صالح بالإنكار، ففرعون سيقتلهم إن عجزوا أن يظهروا عليها، أي يغلبوها، وسيقتلهم إن صدقوا بها! لكن اقتطعت الأفهام هذه الحادثة، دون كل المواقف الأخرى، لتكون هي العيار في فهم ماهية الآية، لكن لو قابلنا بين القرآن كآية وبين عصا موسى كآية، فقد يتوضح لنا فهم آخر جديد لفكرة “التحدي”، عدا عن فهمنا لفكرة الآية.
فنقول: حسب النص القرآني، فآية العصا وآية القرآن، كلاهما كان لهما فوائد وظيفية، أفادت في الحياة، ففي شِقّ العصا كان ضرب البحر (البحر في العربية تقال للماء العظيم وأظنه هنا النهر) للنجاة، وضرب الصخر للماء، وفي شِقّ القرآن كان الإخبار، وإقرار نظام أخلاقي، وتقديم حل جمعي للمشاكل، فالآيتان في أصلهما كان لهما وظائف تمكينية وليس تعجيزية.
وحسب النص القرآني أيضا، لم يأت موسى بموقف استعلائي إلى فرعون، ولكنه انتصر لنفسه وانتصرت له آية العصا، لما استعلى عليه فرعون، وكذلك أرى القرآن لم يطلب ظهور المصدقين على المكذبين، إلا عندما استعلى عليهم كفار قريش، فنزلت آيات القتال وبشاراته.
والأهم أن الآيتين كليهما، لقيتا التكذيب ممن لم يقدرْهما حق قدرهما، ففرعون ورغم كل شيء بقي يصدق أن العصا سحر، وكذلك مشركو قريش، بقوا على رأيهم بأن هذا سحر أو شعر أو أساطير، وهذا لا يجعل أيا منهما (فرعون، والمشركين) مجنونا، بالنسبة للقرآن وإلا لما استحق العقوبة منهم أحد، ولكنه ببساطة لم يشأ أن يقبل (الآية) ولم يرَ حجة برهانية غير قابلة للدحض، فكما أن فرعون ليس ساحرا، فكذلك ليس كل المشركين فصحاء، وشعراء، وسحرة.
الفقرة السابقة تقول شيئا مهما، لو تناولنا المضمون من طرفه الآخر، فالسحرة كانوا هم الأقدر على منح الآية اعتبارها، لأنهم يحاكونها، ويعرفون الفرق بين فعلهم وفعلها، وما نريده من هذا الجزء هو انتزاع التصديق بهذه الفكرة، والتي إن قابلنا العصا بالقرآن من قِبَلها، تبيَّن لنا أمرٌ خطير، سنستنطق القرآن حوله ونسائله لاحقًا فيجيب، ولكننا هنا سنذكره ذكرا، ونستأنس بشيء للتدليل عليه:
يقول القرآن لمن كذبوه من مشركي قريش: إذا شككتم بصدقه، واتهمتوه بأنه سحر أو شعر أو أساطير، فهاتوا سحرتكم وكهنتكم وشعراءكم وحكّائيكم، واطلبوا منهم أن ينسجوا على منواله، لتدركوا أنه آية، وبعد ذلك صدقوها أو كذبوها، وهذا كان ردا لاستعلائهم ولم يكن خطابا استعلائيا، دون سياق، وبهذا فهو ينتصر للدعوة الجديدة، بهذا الطلب، ولكن على من استعلى واتّهم القرآن بكونه كذا وكذا، وليس على من يُدعى ليصدق بالقرآن بالمطلق. وأن إدراك كونه آية أمام التشكيك محتاج لحكم من هم في حقله عند العرب، من أهل البيان والقضاء، حصرا، وإن قبله من هم أقلّ منهم فصاحة آيةً دون تشكيك، لكن عجائبه لا تتبدى هكذا دون من يتقنون الفنّ الذي يتفوق فيه (حسب ما يقول القرآن)، وهذا الأمر يضعنا أمام تساؤل مهم، بعد أن ينسف فكرة كونه “معجزة” لكل الناس، والتساؤل هو:
هل كان هذا الطلب دعوة للبحث والتفكر، أكثر من كونه استعلاءً مرتدًّا على من استعلوا عليه؟
4
الآن وبعد تبيان ماهيّة (الآية) ولماذا تحدّث القرآن عن ذاته بما هو آية، وأنه لم يكن للإفحام وإنّما للبيان، وأنه كسائر الآيات لا يجوز أن يحمل محمل الاستعلاء، وأن الطعن في كل عقل لا يصدّقه مخالفٌ لما جاء فيه من القبول للاحتكام لذلك العقل، والتوصّل له، ناهيك عن الاعتراف بوجود ذلك العقل، وأنّه من المخالفة له اعتبار القرآن برهانا قاطعا، إذ هذا ينفي التفاضل في قبوله وردّه، فعلينا تناول التحدّي الذي قال به القرآن، من طلبه أن يأتي من سعوا فيه معاجزين، بمثله أو بعشر سور من مثله، أو بحديث من مثله.
وفي هذا الجزء سنقرأ مواضع الطلب، في سياقها، باحثين عن افتراضنا بأن الطلب، على وجه ما، دعوةٌ لقراءته والتبحّر فيه، وليس استعلاءً أو إفحاماً، وسنرى هل يوجد ما يدعم زعمنا هذا؟ ولندخل فوراً في أكثر الآيات من هذا النمط ولننظر في سياقها وفي لغتها:
نبدأ بسورة يونس: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 38) ونرى بعدها مباشرة (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ…) وهذه على وجه واضح دعوة للبحث فيه ولفهمه، لمن استعلوا عليه، وليست خطابا استعلائيّا إفحاميا.
أما في سورة هود فالفكرة أكثر تباعداً، وهنا وجب أن نستحضر السياق كلّه؛ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 13) وإن كانت الإشارة إلى أن الفرق الذي منعهم هو (علم الله) تتلوها مباشرة (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ 14) ولكن يعود ليؤكد في الآية 17 أنّ الفرق في البيّنة وتأييده لما قبله من الكتب، وفي عموم السورة نَجِدُ (وما أسألكم عليه من أجر) تتكرر كثيرا، وأنّه تذكرة وحسب، مما يدلّ على أنه ليس إفحاماً لأحد!
في سورة البقرة الموضوع أوضح لأنه يسبق التحدّي: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 23)، إن كنتم في ريب، وكأنه أضمر “فأعمِلوا أذهانكم فيه سعيًا لكتابة مثله لتعرفوا لماذا عليكم قبوله”، وهذه تخبرنا بها كلمة (ريب)، وتقول: إنّ الخطاب موجّه للناس، المصدّق والمكذّب، ممن يخامرهم الشك.
في سورة الطور تمرّ الفكرة ذاتها في سياق المقابلات بين ما يسوّغ فعلهم وبين ما هو واقع، ثمّ تأتي هذه المقابلة: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ 33 فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ 34) كإحدى المقابلات العديدة المقتضبة، فالسياق هنا غير السياق المعتاد، ولهذا فلا يستطرد القرآن في هذه الفكرة أكثر، ولكنّ لأن هذه الآية من المتشابهات (أي التي يتكرر ما يشبهها، وقيل يشتبه معناه) فهي مما يشرح بسائر القرآن، وهذا مما يقرّه الجميع ويقرّه القرآن ذاته، كما سيأتي في النقطة القادمة.
أمّا في سورة القصص فالكلام يأخذ منحًى مختلفا وهو: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِين 49) وهي آية يهملها القائلون بفكرة (التحدّي والإعجاز والتعجيز والإفحام) لأنها تفحمهم، فها هو القرآن يتحدّى بالتوراة ذاتها (العهد القديم)، قارناً القرآنَ بالتوراة إذ يقول (منهما) وراجع السياق لتتأكّد، والتوراة لم يكن في ذاته _ حسب زعم أصحاب فكرة الإعجاز_ “معجزةً” بيانية ولا علمية، ولو أعادوا القراءة بهذا المعنى لكل الآيات، لاختلف فهمهم لهنّ، فالقرآن _كما يقولون_ “يفسّر” بالقرآن، والقرآن ذاته يحرّم التعضية والتجزئة ويذمهما (الذين جعلوا القرآن عضين 91)- سورة الحجر، أي قطعوه أعضاء متفرقة يستدلون بها، وورد هذا في سياق تجريمهم، يليها مباشرة (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ92)!
ولكن أساء الناس فهم هذه الآيات فعدّوه خطابا استعلائياً، ولو كان كذلك لوجب أن تحدد العيارات التي سيحكم بين الكتب الأخرى والقرآن من خلالها، وإلاّ فكما يقول المعتزليّ ناجح سلهب: “لو جاء رجل صينيّ لك بكتاب من الصين يقول لك: إنّك يجب أن تصدّق به لأنّك لا تستطيع الإتيان بمثله، فماذا سيعني هذا لك؟!” وهنا نتبيّن أمرين مهمّين هما من جملة ما يجب تثبيته في العقول لتختفي النسخة المتعصّبة المشوّهة من الإسلام:
- إنّ القول بالإعجاز والتعجيز ما هو إلّا نوع من (مغالطة الاحتكام للجهل)، يجب أن ينزّه الناسُ القرآنَ عنها، ويفهموا هذه الآيات بعيدا عنها، أي على أنّها دعوة لتدبّره والنظر فيه، وليس تعجيزا، فلا يعني أنّني لا أستطيع قول شعر أجود من شعر المتنبّي أن أقتنع بنبوّته!
- إنّ القرآن والإسلام في عمومه عربيّ، لا نقولها عنصريّة، ولكن هو لا يفهم بعيدا عن العروبة، والعروبة هي حاضنته، وليس العكس، فالنصرانيّ العربيّ، والملحد العربيّ أقدر على فهمه، من حيث هو خطاب موجّه له، من الإرهابي المصدّق بالقرآن المحارب للمسلمين العرب من جميع الطوائف والمذاهب (والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده) القادم من أعالي البحار.
5
لمّا اختلط على بعض العرب المتأخرين فهم الطلب القرآني بغرضه البلاغيّ، الذي تعرّضنا للتفكّر فيه في الجزء السابق، قاموا يسمّون الآية “معجزةً”، ولو وقف الأمر على ذلك لاستقام الفهم فبعض نظريات شرح وجه “الإعجاز” لا تتصادم مع كونه آية وكونه غيرَ منزل للإفحام، وكما رأينا في المقال الطويل هذا، نستطيع أن نصطلح على الطلب بأي اسم شئنا، فها هو من قرأ الأجزاء يفهم كلمة “قفاز القرآن”، على وجه لا يتأتى لمن يقرأ جملة مقتطعة، (معضّاة- حسب اللفظ القرآني)، فالأمر ليس بالتسمية وإنّما العبرة في المفهوم الذي تصدق عليه التسمية (المصداق)، لكن هي الطبيعة التي نعرفها بالنسبة للجماعات من انزياح الفهم، وتبدّل المعنى التاريخيّ للكلمة، وكلّما تقدّم الزمن، وازداد البعد عن زمن نزول القرآن، رأينا الشطط يزيد، حتى تعرّضت بعض النظريّات لفهم أعوج بدورها، وما زالت كرة ثلج الفهم المسيء تنحدر على سفح الزمن حتى كادت أن تبتلعنا، بأناس يظنون كلَّ أمرِهم حقّاً، وكلّ أمر سواهم باطلاً، فلا يفقهون حديثا!
وعلى أساس أنّه “معجزة”، حسب التسمية الجديدة الظالمة للآية، (بمعنى الخارقة للطبيعة) انطلق المسلمون على مرّ الزمن في تبيان ماهيّة “إعجازه”، ولو قنعوا بكونه آية لقالوا بمنطق (للبيت ربّ يحميه): هو آية من الله يدركها من وقعت في نفسه آيةً! واكتفوا بذلك، فمنهم من أصاب فهماً أتاح له فتوحاً لغوية، وبيانية، وهو يتفكّر في هذه الآية، ومنهم من أصاب حماقات عجيبة ما أنزل الله بها من سلطان، وبينهما ما بينهما! واتّفق أن كل نظريات “الإعجاز” التي تناولته من جهة البلاغة والبيان، يحسن فيها أنّ تعدّ نظريات في التأمل في بلاغة (الآية)، وهذا الاتفاق ليس صدفةً، فكل ما تجاوز هذا، إلى أفكار أخرى عانى من شطط وشطن، حتى بات مطعنا على الآية بدل أن يدعمها.
قطبا النظرياتِ التي تناولت القرآن من جهة البلاغة والبيان، هما نظريتا (النّظم) و (الصّرفة)، الأولى قدّمها الجرجاني، والثانية قدّمها النظّام، تقول نظرية النظم: إنّ القرآن يستحيل الأتيان بمثله لصفة في ذاته وهي نظمه، بمعنى (تنسيق دلالة الألفاظ وتلاقي معانيها بما تقوم عليه من معاني النحو والموضوعة في أماكنها على الوضع الذي يقتضيه العقل)، فيقول صاحبها: “واعلم أنْ ليس النظمُ إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله،وتعرف مناهجه التي نهجت، فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت فلا تبخل بشيء منها”، ودلّل الجرجاني ومن تابعه عليها بما دلّل، وجاؤوا بعلم جميل طريف، لا يسعُ المشتغل باللغة إلا أن يوصي بقراءته، ولكنّه لا يتصادم على أي وجهٍ مع كونه آية ًحسْبُ، دون التعدّي بتسميته “معجزة”، وعورضت طروحاتهم بما يدعم فكرة الآية، ويسقط فكرة المعجزة، ولا يسمح المجال لاستعراض الجدل حولها، لكن جذر الخلاف بين الجهتين هو وصف القرآن بكونه خارقاً للطبيعة! فهذا لم يلزم بشكل حتميّ على قول الجرجانيّ، في دلائله.
أمّا الصرفة، فهي في تضادّ مع القول بأنّ القرآن “معجز” في ذاته، وتقول بأنّه “معجز” بسبب فعل الله، خارجه، أي فعله في النفوس، وأن الله صرف العرب الأوائل عن الإتيان بمثله (لاحظ أنّه وكما أسلفنا ثمة بالفعل ما يمكن أن يُحمل على أنّه معارضات للقرآن لم تعدَّ كذلك، كمسلمة الحنفي- مسيلمة الكذّاب، وسواه)، ولكنّ الانحراف _برأيي_ جاء من فهم أنّ الصرفة تدخّل آنيّ وقت نزول القرآن، أو فهمه على أنّه أمر الله السابق على هذا في خلقة العرب، وعدم استجابتهم للطلب لأسباب لم تبدُ لهم على أنها “عَجْزٌ” عن الإتيان بمثله، بل بسبب سياقه التاريخي وأشياء حول ذلك!
وفي التراث العربيّ نجد قصصا عن رجال من المتأخرين كتبوا أو حاولوا كتابة ما يضاهون به القرآن، ولكن واجهتهم فكرة أن المماثلة تستحيل في أي شيء، وأن القرآن كثير الترداد، ملتصق بمشروع سياسي اجتماعي، وبذلك فالمسألة تعدو المماثلة المستحيلة على أي نص، لتصل لاستحالة المضاهاة، ومن هذا ما روي عن إبي العلاء في قصته الشهيرة عن كتابه الفصول والغايات(…حتى يردّد في المحاريب ثلاثمئة عام…)، لكن حتّى المضاهاة تحتاج لمقاييس موحّدة نفاضل فيها بين القول والقول، أما المماثلة فتلك مستحيلة بلا شك، ولو كانت لقيل: فلان نقل القرآن!
هنا وأمام النظريتين القطبين في مسألة التحدّي، يسيطر على المشهد فكرة مهمة جداً سنعود لها، وهي إن الأمر في النظريتين كليهما مؤدّاه واحد في مسألة فهم القرآن، فهو إما أن يكون عربيا في نظمه أو عربيا صُرفَ العرب عن الإتيان بمثله، وفي الحالين فوجود ما يسمّى “التفسير” على تضاد مع النظريتين! ومع القرآن ذاته! فالأصل أن العيب في الأفهام ولذلك فالواجب هو الإفهام والتفهيم وليس التفسير الذي يلقي مصطلحه الغموض على النص، أو لنسمّه الترجمة التزمينية (أي الترجمة للغة أهل الزمان عن لغة أهل زمان ماض). فهذا مؤدّى النظريّتين من ناحية الفحوى، أمّا من ناحية الاسم فالجرجاني فتح الباب على فكرة “المعجزة” التي دخلت منها شرور كثيرة، حتّى بلغ بنا الزمان أن نرى هؤلاء المصدّقين بشكل أعمى والذين يظنون الله أفحمَ خصومَهم وبقي عليهم أن يقتلوهم! بل ويظنون أنّ الله طلب ذلك إليهم!
ثمّ جاءت النظريّات العجيبة الغريبة المعاصرة والتي لها أقطاب عديدة، وسنتناولها ونتناول الخطل فيها وسنردّ على فكرة ما يسمى “بالإعجاز العلمي” ردّا مجملاً يصلح تعميمه على سائر النظريات، وسنوضّح سبب هذا التعدد ومدخل الدجل فيه، ولماذا نزعم أنّ هذه النظريّات تؤذي القرآن وتطعن فيه من حيث يظنّ أصحابها أنّهم يخدمون القرآن.
6
ما هو أثر النظر للقرآن على أنّه مادة للإفحام؟
هل يقتنع الإنسان إذا أفحمته أم يتخندق؟
وإذا قبل منك مجبرا هل يمكن ألا يبقى في نفسه شيءٌ ضدّك؟
يبدأ الخلل بالنظر أصلا للإسلام على أنه منظومة عقدية، بينما هو قرآنيا منظومة سلوكية مجتمعية، واللغة العربية واضحة، والحديث واضح في شرح من هو المسلم (من سلم الناس من لسانه ويده) ومن هو المؤمن (من أمنه الناس) وما هو القرآن (أيات بينات) لكن أتباع فكرة الإفحام وإقحام الادّعاءات غير الصادقة على القرآن مصرّون على فكرة التعجيز، وعلى أن الإسلام والإيمان أشياء قلبية! بل ويريدون فرضها على الناس! ولا أعلم كيف يمكن فرض تصديق شيء على أحد!
ولأن موضوعنا في هذا المقال الطلب القرآني، فإنه وفي هذا الجزء قبل الأخير سنتناول نظريات حديثة عن ما يسمى بالإعجاز، ومنها:
- الإعجاز العلمي، وهو قولهم: إن القرآن فيه إشارات علمية لم تكتشف إلا حديثا ولم يكن بمقدور العرب أن يعرفوها، وسنردّ عليه كمثال بعد قليل.
- الإعجاز العددي أو الرقمي، وهو قولهم بوجود نظام رقمي عجيب في القرآن، عدد آيات كذا وعدد آيات كذا ناقص كذا تساوي كذا وهو تاريخ كذا … إلخ…(وليس ثمة نظام محدد لكشف هذه الأشياء عندهم، وظهر قصور المنهج مع فشل تنبؤاتهم كلّها)
- الإعجاز الوجداني، وهو مجرد تسمية أخرى لمصداق البلاغة.
- الإعجاز الترجماني، وهو مجرد تسمية أخرى لفكرة في حقل الترجمة وإحدى نظرياتها بأنه لا يمكن ترجمة أي نص ترجمة مكافئة تماما للأصل، وهذا منطبق على كل نص، فهل كل نصّ “معجز”!
وعلى هذا المنوال، تأتي عجائب ليس لها منهج واضح، أقواها حجة وأكثرُها أتباعا هي فكرة “الإعجاز العلمي”، وقد بدأت مع د.مصطفى محمود، ومع أنه لم يكن ذا شطن بعيد، فقد ردّت عليه بنت الشاطئ ردودًا علمية واضحة، وجاء بعده د.زغلول النجار، وردّ عليه خلق كثير منهم الدكتور خالد منتصر، وعلى سوء لغة كتابه فهو مسح فكرة الإعجاز العلميّ مسحا، وضرب أمثلة كثيرة لفشل هذا المنهج، وجرّب تطبيقه على الشعر فخرج بأن الشعر أيضا “معجز علميا” لو افترضنا صحة المنهج.
ذلك عدا عن رأي كثير من تيارات السلفية وأبرزها “السلفية العلمية” التي رفضت الفكرة إجمالا وتفصيلا، من باب خطأ، وهو أن الدين يقين والعلم ظنّي، وعدم جواز بناء اليقين على الظن، مع أن هذا مخالف لمنطوق القرآن الذي ومع تحقيره للظن في مواضع، فهو يقول (إني ظننت أني ملاق حسابي)، ونحن نعرف مبدأ (هامش اللايقين) الذي يتحلّى به كل باحث عن الحقيقة بموضوعية، بالمقابل قد ردّده بعضُ نجوم الدعاة من باب أنه دارج وأنهم لا يريدون التضحية بزبائنهم.
أما الباب الذي أراه أبسط الطرق لرفضه وهو فكرة أن القرآن (آيات بيّنات) و(كتاب مبين) و(قرآنا عربيّاً) فيشترط فيه لكي يحقق هذه المزاعم _والتي أراها أنا حقًّا_ أن يحقق شرط البيان، فتكون للكلمات معانيها المعروفة عند العرب، ويكون الكلام موافقا لشرط البلاغة والإبانة والعروبة، وبهذا فإن مصداق الكلمة المستخدمة في القرآن لابدّ أن يكون معروفا عيانا عند العرب، بل وكذلك المعنى كله في الجملة المركبة، وذاك أن القرآن كتب بدون تنقيط، وكان من الممكن أن يتعرض للتصحيف (اختلاف ترجمة الرسم لقراءة) ويعرف المشتغلون بالقراءات أن هذا واقع حاصل، فالعربي يقرأ المعنى الذي يعرف، وإلا فلا سبيل للفهم، ولكن تترتب المعاني الجزئية المعروفة لتكون معنىً كليًّا جديدا، وهنا ينتفي أن تكون كلمة (الجواري الكنّس) تتحدث عن الثقوب السوداء، و(علقة) تتحدث عن الزايجوت، وما إلى ذلك من أوهام، تجعل القرآن غير مفهوم، وبالتالي تطعن فيه وتسقطه.
بل إنهم بالفعل يعتقدون بأن القرآن فيه ما لا يفهم، إذ يحملون الآية (لا يعلم تأويله إلا الله) محملا عجيبا، والتأويل في الحقيقة هو تبليغ المآل لا الفهم، أي أن يكون المعنى واضحا ثم نرى مآله عيانا فنعرفه، أو نتخرّص مآله، أو نجرّه للمآل الذي نبتغيه، لكن هذا لا يعني عدم الفهم أبداً، أما القول بمعان متعددة للقرآن (بعد وضع الآية في سياقها) فهذا يطعن في فصاحته أيضاً، فالفكرة ذاتها تعاني عدم الاتساق مع المنظومة القرآنية أصلاً، وبهذا فهي إما أن تسقط عن القرآن فيبقى عاليا، أو تسقط بأنها أسقطت القرآن معها، وما نريده هو تنزيه القرآن عن هذا الهراء، وهذا باب لرد الفكرة ردًّا بليغا واضحا قاطعا.
ولكن يجب علينا التساؤل عن سبب شيوع هذه الفكرة، وهو باختصار _في رأيي_ يعود لعاملين اثنين كلاهما وجه للتخلّف المجتمعي الذي نعاني منه، أي تخلف الأمة علمياً، وشعورها بالتقصير دينيّا، وهنا يأتي دعاة الإعجاز العلمي ليملأوا فراغين اثنين عند الناس دفعة واحدة، (أنت تتفكر في القرآن وتشاهد درس دين وبذلك تحل مشكلة عقدة الذنب لقاء التديّن) و(الأمة متفوقة علميّا بقرآنها) وللحق فالأمة وإن كان فيها بقع ضوء من الأمل في بعض الطفرات من الأفراد المتقنين للعلوم، فهي في أقصى درجات التخلف والاستهلاك، ودائما يأتي الاكتشاف العلمي من الغرب، ثم دعوى الإعجاز من لدنّ دعاته.
أمّا عن كيف نفهم القرآن وكيف كان أداة وحدة قبل أن يتحوّل بأفهامهم أداة تفرقة وطائفية وبلطجة؟ وكيف نعيده لما كان عليه؟ وأين تأتي العروبة كعامل حاسم في ذلك؟ فهذا موضوع الجزء الأخير من المقال.
7
لأنّ هذا هو الجزء الأخير، من هذه المقالة، التي تتطرّق للأصل الذي ينطلق منه المسلمون جميعا، وبالتحديد لما خرجوا به عن غايته ككتاب سماوي، فلنستعدّ لبعض الإطالة في الكتابة، على أنها اقتضاب في الموضوع، ولنحاول أن نُجمِل قدر استطاعتنا، نُجمل ما مرّ معنا من قبل، وما نحن بصدد قوله، عن التعامل السليم مع القرآن، أمّا ما مرننا عليه وخلصنا إليه من قبل فهو (مع التجديد في الأمثلة والصياغة):
- القرآن آية وليس معجزة، ولا وجاهة في دعوته معجزة، والآية يقرّها من عرفها، وينكرها من لم يعرفها، دون أن يؤثر ذلك على كونه عاقلا.
- الطلب القرآنيّ (ما أسميناه قفّاز القرآن) كان دعوة للتدبّر وليس للإفحام، ولم يكن مقصورا على القرآن وإنما شمل الكتب السماوية السابقة، واستجاب له العرب من معاصريه على هذا الأساس.
- القرآن خطاب للمنكرين وللمصدقين على حدّ سواء، وليس فهمه حكرا على المصدّقين به، بل إنّ العرب الأقحاح من خلصاء اللسان ولو كانوا منكرين له، أخلق بفهمه من المصدقين المتأخرين الذين تبدلوا لسانا آخر بلسانه، فلم يعودوا قادرين على فهمه تماما.
- النظريات المعتبرة التي تطرقت لشرح هذا الطلب (النظم والصرفة)، تؤيّد فكرة (التعبير العربي لللقرآن) التي سنتوسع فيها هنا، وهي فهمه ضمن شروط لسان أهل زمانه، دون أن نحمّله ما لا يحتمل، من تخاريف المحدثين من نظريات إعجاز شاطنة تطعن فيه أكثر مما تزكّيه.
- القرآن كتاب زمكانيّ أي أنه لا يفهم دون الاستعانة بفهم زمان نزوله ومكانه وظرفه الاجتماعي والسياسي، وهو بالنسبة لمن لا يعرفه مجرد ورقات عليها خطوط، وهكذا يبدو لشخص من الأسكيمو مثلا، وتجاهل هذه الحقيقة يجعله عرضة لمناصرة أهواء من يريدون استغلاله في هواهم، فيحمّلونه ما أرادوا من المعاني.
- لا يمكن للإنسان تصديق ما لا يفهم، ففهم القرآن شرط أساسيٌّ في تصديقه أو إنكاره، وبما أنه نزل بلسان عربيّ فالخطاب القرآني موجود في وعاء اللغة العربية حسب شرطها، وشرطها التاريخيّ أيضا، وكل محاولة لجعله عابرا للزمان والمكان لا تجنح للمقاصد دون التفاصيل تخيب أيّما خيبة، وتجعله آلة زمن تعيد العرب للعصور القديمة في شأنهم كله.
- لا يجوز في حق القرآن عند المصدق به أن يفهم كلمةً فيه بغير ما تعني بالنسبة للعربيّ من عصر نزوله، فمعنى الكلمة لنا يجب أن ينطبق على مصداقها الموجود في تلك الأيام في ذلك المكان.
- تعضية القرآن وتجزئته لآيات مفردة مبتورة عن سياقها، هو تحريف له، وعصيان لطلبه، ومن ذلك ما يتخذه الإخونجة شعارا (وأعدّوا)، وكثير من الأحكام الفقهية التي لم تراع سياق الآيات، فاستشهدوا على وجوب اِتّباع البخاري ومسلم بآيات تخصّ الفيء (ما آتاكم الرسول فخذوه)، وسوى ذلك مما كان سببا في لاعقلانية الأمّة.
وهاهنا وجب علينا أن ندلّ الناس على سبيل ادّعينا وجوده وهو (التعبير العربي للقرآن)، ونفكّر فيما يترتّب على دروس هذه السبيل، واختفائها، ونرى كيف يتصل ذلك بظاهرة ما يسمّى بالإسلام السياسيّ، وكيف يحوّل الإنسان الذي نعرفه جارا وشريكا في الوطن لعدوّ لا إنسانيّ، يبيح لنفسه قتلنا ودمنا ويرمينا بما فيه من سقوط أخلاقيّ وعقليّ، مستعينا بكتاب يدّعيه له، وهو عليه، في محاولة لإعادة القرآن لصفّنا نحن العرب، بعد أن اختطفته ممالك النفظ المحترق! ولم تكن هذه أوّل الاختطافات فهو ينتقل من يد ظالمة ليد ظالمة منذ مدّة طويلة، ولا يجد سوى القلة المنصفة التي نأمل أن نكون منها، وأن نطيق تحريره من براثن مستخدميه ممن ينطقونه ما أرادوا، لا ما أراد.
ومن ضلال المتقوّلين على القرآن أنّهم لمّا أراداوا أن ينطق القرآن بما عرفوا، وهم ليسوا من أهل زمانه، باتوا يأخذون الكلمة والجملة من القرآن، كجيب صوتي متداخل، كأنها (اسم فعل) ويلصقون بها المعنى الذي يعرفون، وهذا ما أسمّيه (الهتملة)، فبات الصراط حبلَ سيرك فوق جهنّم، وهو في الأصل الطريق المعنويّ القويم في الأصل، وباتت البسملة جملة تقال للبركة وكأنها اسم فعل بمعنى (هممتُ)، وهي في الأصل بمعنى أنّ ما ستقوله هو من الله فقد وردت مرتين في القرآن كآية مرقومة، مرة في سورة النمل، يستفتح بها كتاب سليمان لبلقيس، ومرة في الفاتحة يستفتح بها كتاب محمّد للعرب!
وباتت الصلاة على الرسول تعني ترديد تعويذة الصلعمة، وهي في الأصل تكريم الرسول، وتسليم الأعراب بأمر الله لهم بتكريمه عن رفع صوتهم في حضرته، تسليمهم بهذا تسليما، وليس السلام عليه سلاما كما يقولون اليوم، وبات المسلم هو الممارس لشعائر العرب التي أقرّها القرآن، وإنما هو الذي يؤدّي السَلَم للناس فلا يعتدي، وبات المؤمن هو المعتقد بعقيدة ما، وهو في الأصل الذي يؤدّي الأمن، فيتجاوز كفّ أذاه هو لكفّ أذى الآخرين، والمحسن من لا يكتفي بكفّ الأذى بل يزيد عليه طلب الخير للآخرين!
وبات الكافر هو المنكر، وما الكافر إلا من قام يطغى على الناس يريدهم لونا واحداً، والكافر بالشيء هو المتظاهر عليه، وطلبُ الظهور هو طلب النصر ولذلك جاء في القرآن (ومن يكفر بالطاغوت) في وصف المؤمن، وباتت العصمة هي عدم جواز وقوع الرسول في الخطأ، وما هي إلا حماية الله له من الناس، وبات الحدّ هو العقوبة، وما إقامة الحدود إلا لزوم العدل كطريق سويّ هو الصراط، إلى ذلك من المعاني العجيبة الملصقة بالقرآن والتي لم تُكرَّس إلا بسبب العهد العباسي الثاني الذي عرف العرب فيه التراجع، وبدأت محاكم التفتيش ضدّ العقلانية، ثم جاءت مدارس نظام الملك لتنصر هذه النسخة المشوّهة من الفهم، وينطبع الفكر الداعشي في سائر بلاد المسلمين، لينتظر أي خلخلة في أمن بلد عربيّ، لتراه يصول ويجول وأنت تتساءل: أين كان هذا من قبل؟! قل: كان في الأفهام المريضة الجبانة التي تنتظر ضعفا لتنقضّ.
وبعد، فإنّ التعبير العربي للقرآن، يبدأ من اللغة، وبما أن اللغة كائن زمانيّ مكانيّ، فهو معنيّ بإعادة قول ما قاله القرآن ضمن شرط زمانيّ مكانيّ مختلف، يمثل فهما متحرّكا غير جامد، عرضة للتصويب إن أخطأ وللتصحيح إن اعوجّ، ويضطرنا هذا لكتب العرب التي بحثت في المعاني (أهمّها كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيديّ)، ولنظريات بناء الدلالة الحديثة منها والقديمة، فإن كنّا سنضع دربا مختصرة للفهم، فإننا لن نزيد على ما طالب القرآن قارئيه به:
- فهم الكلام فهما عربيا بموافقة اللفظ للمعنى بعيدا عن اصطلاحات الفقهاء التي جاءت بعد مئات السنين من نزول القرآن.
- فهم الكلام كاملا دفعة واحدة وليس تعضيته وتجزئته في ثقافة الاقتباسات المريضة، والقول بفكرة عموم اللفظ الآثمة.
- التفريق بين محكمه ومتشابهه، فالمحكم ما كان مغلقا على معنى واحد، والمتشابه ما تكرر من أخبار الغيب الذاهب أو القادم، مما لا نعرف مصاديقه الكلية (تأويله أو ما يؤول له على الحقيقة) ولكننا نفهم معناه، بمصاديق كلماته وبشرط البلاغة العربية، تلك التي نعرفها في الشعر العربي الأصيل.
- قراءته قراءة طالب المعنى وليس طالب البركة، حيث باتت كثرة الترديد تحول دون فهمه، لاسيّما في صورته الصوتية التي لا يمكن للسامع ترجّعها ليتجنّب ضلاله عن القصد.
- اتخاذ العقل مرجعا، فبدون عقل فلا تكليف، والعقل ارتضاه القرآن حكما في عدّة مواضع، فلماذا يصرّ أصحاب الهتملة على استبعاده!
- وضعه ضمن سياقه التاريخيّ في أجزائه وفي كليّته.
وهكذا فإن من لم ينتهجوا هذا النهج وذهبوا يقوّلون القرآن ما يريدون، وجدوه محتاجا للتفسير وكأنه الطلاسم، والتفسير في الأصل من قول العرب (فسر الطبيب البول) أي اكتشف حالة المريض من خلاله! ويطالبون الناس بتصديق شيء يدّعون أنه لا يفهمه أحدٌ، شارحين قوله (لا يعلم تأويله إلا الله) على أنه لا يفهمه أحد! قائلين بأنه خارق للطبيعة، عابر للزمان والمكان، متسبب في العجز، محتاج لنصوص المرويّات الحديثية، أو محتاج للأئمة “المعصومين” وما إلى ذلك من إلصاق العجز بالقرآن، في أهمّ ما يميزه ألا وهو كونه بيانا للناس!
وعلى طريقتهم بات في الإسلام “شيوخ” مهنتهم الدين، ونحن نعرف أن الرسول بذاته _وهذا منطبق على صحابته_ كان صاحب حرفة ولم يعتش من تعليم الناس دينهم! وما الدين إلا نظام المجتمع وقانونه، ولا “رجال دين” في الإسلام، بل إن قطاعات واسعة من العرب القدامى في ما يسمى اليوم دولة إسلامية لم تكن تعتنق القرآن عقيدة، وكان العرب النصارى من أهل القبائل أو من أهل الشعوب (جمع شِعب) عماد الحاضرة العربية، ولم يكن الإسلام سوى المسالمة، ولم يكن الإيمان سوى العقد الاجتماعي بالدفاع عن الأرض العربية، ولكن لما أعوَزهم الدليل على ما يدّعون جعلوا الرسول بلطجيا يقول إن رزقه تحت ظل رمحه! واقتدوا بالصورة المشوّة التي يعتقدونها عن الرسول! فرأينا جحافل البلطجية تعبر الأرض لتغزونا في عقر دارنا، وما أظنها إلا (العاقبة- كارما) على سكوتنا على هذا التحريف عندما كان في صالح العرب، لنذوق من كأس كان منّا من سقاه للناس يوما!
ونقول لهؤلاء “الشيوخ” : بل إن أبا الحكم عمرو بن هشام (أبا جهل) كان أكثر فهما لكتاب الله منكم مع أنه رفضه! ونحن أكثر فهما له منكم ونحن نقبله، لكنكم طبقة كهنة تحفظون مقولات بائدة، وتبيدون الناس من الجهلة بإلقائهم لأتون الفتنة، وتبيدون أهلنا بهم كمفخخات بشرية، وتدّعون الإسلام وأنتم رؤوس الكفر، بالمعنى القرآني، وهذه البلاد ستبقى عربية الهوية، تفهم قرآنها بلسانها، كما تفهم كتبها القديمة بألسنتها القديمة أيضا! العروبة هي هويتنا، والتعارف على أداء السلم للأهل، وأداء الأمن للناس هو ديننا، أمّا أنتم فلا عقل لكم ليكون لكم دين!
وهذا يظهر كيف أن الضباع القادمة من وراء البحار لتغزو بلادنا العربية تحت راية القرآن، هم أعداؤنا، كما أن الضباع التي قدمت واستوطنت في بلادنا من وراء البحار تحت راية التوراة هم أعداؤنا أيضاً! كلاهما صهاينة يؤمنون بالرواية ذاتها عن المستقبل، مقوّلين نصوصنا العربية القديمة ما لم تقله، ولحسن حظنا ما تزال عربية القرآن حيّة، يستنطق بها القرآن، فلا تستقرّ الرواية السلفية للتاريخ استقرار الرواية الصهيونية عند أهلها!
ونقضنا لفهمهم لكتابنا له مكانه في حربنا ضدّهم، كما لرصاصنا مكان، فكم من محارب نستطيع حمايته من نفسه ومن رصاصنا وحماية أنفسنا منه قبل أن يغدو محاربا، وكان على الدول العَلمانية العربية، أن تثبت التعبير العربيّ للقرآن لتستعين به على النهضة والوحدة (التوحيد) وأن يكون سلاحا في يدها لا سلاحا في يد أعدائها ضدّها، وقد تركته لفقهاء يسالمونها حينا من الزمن، لكنهم في دواخلهم وفي أفكارهم أصلٌ نرى داعش وإخوتها فرعاً عنه، والوقت لم يفت ولهذا نرى جلّ “التنويريين” مما عدا الليبراليين في عهد كتابة هذه السطور، يصطفون مع الدول القومية العربية في حربها ضد التنظيمات الإسلاموية! فهل سيبقى هذا السلاح على الرفوف طويلا!؟