الدين والإسلام والإيمان والشريعة والحنفية والشرك والكفر
هي أسماء مختلفة يظن الناس أنها ترمز لأشياء مشتركة، فبالنسبة للجاهل اليوم وإن كان يسمى “علامة” و”إماما” فالكفر والشرك شيء واحد، والإسلام والإيمان شيء واحد، والحنفية هي دين إبراهيم والذي هو ذاته الإسلام، لكن هذا اعتباط لغوي هائل، وقصيدة لطالب في الصف الثاني ب ستخلو من عيوب مماثلة في القول فكيف يقبلونها من القرآن!
سنشرح معى كل مفردة تباعا، ثم نقدم تصورا في الختام يعنى بفهم آخر للقرآن كله، لأن هذه الكلمات المحورية إذا اختلف معناها اختلف معنى القرآن كله، نحن لن نفسر القرآن بل سنترك للقارئ حرية أن يعيد قراءته في ضوء معاني هذه الكلمات على الحقيقة لا بهرطقات الكهنة، ويجب أولا وآخرا أن نقر أن القرآن إذا كان مستقلا عن كلام الكهنة المسلمين فإنه كان بالفعل يخاطب أبا جهل كما يخاطب أبا بكر، لذلك فالمرجع في فهمه هو اللغة العربية لا كلام الكهنة، ولنبدأ على بركة الله:
الدين:
الدين هو ما تدين له وتدين به أي ما له عليك سلطان، وهو من دان يدين، وهذا يضم العقوبة والجائزة والقرض أيضا لما فيها من سلطان علينا، أي أنه يشتمل على العادات الشخصية والأعراف المجتمعية والعقائد التي تضم تصورا عن الكون يؤثر في تصرفاتك، فهو كل ما يملي عليك تصرفاتك، وهو بالنسبة للصحابة مثلا أعراف العرب التي أقرها الرسول، والتصرفات الفردية التي طلبها القرآن والرسول، والعقيدة التي تفرض كل ما سبق وتعطيه البعد الفكري.
الشريعة:
ومنها مشروع أي مسموح، وشرع وتشريع أي قانون، والفعل شرع بعمل ما أي هم به، أو بدأ به، وهي تخص الأعمال دون التصورات والعقائد التي تفرضها، وبذلك فالشريعة هي القانون الذي ينظم علاقة الفرد بغيره في المجتمع، وهي غير الشعائر وإن كانت الأخرى تختص بالأفعال إلا أنها تلك الأفعال التي يقوم بها الناس من باب الطقس الذي يفرضه اعتقاد، ويبقى فيه. والشريعة بالنسبة للصحابة هي مثلا هي مجمل الأعراف والقوانين التي تظم علاقتهم ببعضهم البعض، وجلها مما قضى به قضاة العرب واتفق عليه وجهاؤهم قبل الرسول، كالميراث والعقوبات وغيرها، وجاء الرسول فأقر الأعراف الصالحة لزمانه وقومه منها ورفض ما سواها، وذلك مما نطق به القرآن.
الإسلام:
من الجذر سلم، وفيه معنى السلامة والسلام، أي أن المسلم بالفعل هو من سلم الناس من لسانه ويده، لكن لكون ذلك التعبير يدخله في سلبية تجعله لا يهاجم حتى من اعتدى عليه، فالمسلم إذن من سلم المسلمون من لسانه ويده، أي أنه لا يعتدي على من لم يعتد عليه، وهذا يشمل من يصدق بالمنظومة العقدية، ومن لا يصدق لكنه يسلم ويكف أذاه، ولذلك فبالنسبة للصحابة مثلا كان المسلم هو كل من لم يقاتلهم، ومنهم أيضا من دخل في حلفهم، ومن انضوى تحت شريعتهم، سواء صدق بالقرآن أم لم يصدق.
الإيمان:
من الجذر أمن، والأمن والأمانة فوق السلامة والسلام، أي أنه يزيد على ذلك أن يكون المؤمن آمنا مأمونا مؤتمنا أمينا يأمن المؤمنين ويأتمنهم، ولا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه كما في الأثر، ويطلق على حلف الرسول كله، بمن كان مصدقا له أو غير مصدق، لذلك نرى في القرآن (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله و رسوله…) أي أن القرآن يطلب ممن كان في الجماعة التي يأمن بعضها بعضا “المؤمنين” أن يكون ما أدوه من أمن وأمانة مقرونا بتصديقهم بالقرآن والله والرسول وسائر المنظومة العقدية، فهو بذلك بالنسبة للصحابة مثلا، كل من دخل في حلفهم وآمنهم مهما يكن اعتقاده، لكن القرآن يطالبهم بالتصديق، وأن يجعلوا تلك العقيدة وراء الأمن الذي يؤدونه، ويقر القرآن بأن غير المصدقين بالقرآن ممن يعملون صالحا وهم مؤمنين فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
الحنفية:
الحنف هو الاستقامة ويستخدم على أنه الاتجاه للداخل ويطلق على من اتجهت أقدامه للداخل أحنف وحنفاء، ويبرر هذا بعض اللغويين بأنها تسمية فأل، أي أنهم يقولون هذا على سبيل طلب الصحة له، كما يسمي العرب من عضته الأفعى سليما تسمية فأل، وكيفما أديرت فكلمة الحنفية تعني الاستقامة الخلقية والحنو على الجماعة من أهل وقوم، والتوجه لرعاية مصالحهم، باستقامة أخلاقية، وعقلية لا تقبل العوج، ولا يميل عنها الحنيف، فهذا وصف يطلق على الفكرة والديانة والإنسان متى ما حقق الشرط، ولذلك فبالنسبة للصحابة فالحنيف هو من كان مستقيم الأخلاق، حانيا على أهله، ناصحا لهم، مهما يكن اعتقاده.
الشرك:
من الشراكة والاشتراك، أي أن يكون في الشيء عدة أسهم تعود لاعتبارات مختلفة، ويستخدم على أنه الاعتقاد بآلهة مع الله، وأن يختلط ولاء الإنسان، فتكون أفعاله لأغراض في نفسه وليس متوجها للعظيم بها، وأن يعتقد بآلهة تشارك العظيم فيه، ويذكر أن وهو بالنسبة للصحابة مثلا من أشرك بعبادة الله صنما، والصنم هنا رمز القبيلة، أي من يقدم قبيلته على سائر المؤمنين فيقاتلهم، ولا يكون ولاؤه لله، مع أنه مصدق به، وهذا بالضرورة ممن لم يصدقوا بالنبي عند الصحابة.
الكفر:
من الجذر كفر أي غطى، فيقال كفر البذرة أي غطاها بالتراب، ومنها تسمية الحقول كفر الشيخ وكفر قاسم وسواها، كفران النعمة جحودها أي التغطية عليها بإنكار وجودها أو فضل منعمها، والكافر عند الجماعة هو من يحاول الظهور عليهم، والتجبر بهم، والكافر بالنسبة لملك هو من قام ضد سلطة ما يحاول أن يظهر عليها، أو يعلو أو يتفوق أو يغلب، وكلها مشتقة من طبيعة العالم بأن الشيء إذا علا على شيء آخر فقد غطاه، وكفره، وبهذا فالكافر بالنسبة للصحابة هو من حاربهم، سواء بالسلاح أو بالقول، يقصد الانتصار عليهم، ومن هذا نقول كفر بالتقاليد مثلا.
وهكذا فإنه أخيرا يصبح منطقيا لماذا يكون التناقض بين المؤمنين والكفار في القرآن مع أن جذري الكلمتين لا يشيران لمعنى متقابل، فالمؤمنون هم هذا الحلف مع جماعة المصدقين بالرسالة، ممن يأمنون المصدقين ويأمنهم المصدقون، ويطالبهم القرآن أن يكون إيمانهم بدافع التصديق لا محض تعامل بشري وفقط مع أنه يقرأن هذا إيمان، ضد مجموعة تريد الظهور على المؤمنين وكفرهم، وكفر رسالتهم، والسيطرة عليهم، بقتالهم بالسلاح والطعن في رسالتهم، لكن القرآن يأمر بقتال من قاتل، ومجادلة من طعن في الرسالة، سواء كان طعنه هذا بدافع الكفر أي نقضها سياسيا، أم بدافع قراع الفكرة بالفكرة للتوصل لحل.
لهذا فأدبيات حقبة الصحابة تسمي من صدق بالرسالة ولم يدفع هجوم الكفار على المؤمنين بأنه مسلم وفقط، وتسمي الذي لا يتخلق بأخلاق قويمة حسب عرفهم بأنه يكذب بالدين، وتسمي المصدق بالرسالة ممن ظاهر على الجماعة بأنه مرتد، أو خارج أومحارب، أو حتى كافر مع أنه مصدق بالقرآن. وهنا أنا لا أتحدث عن شعر تلك الفترة وآثارها وخطبها فحسب، بل وعن القرآن ذاته! وقد تركت كعادتي مسألة الاستشهاد بالآيات، ليعود القارئ للقرآن فيقرأه على ضوء هذا التعبير اللغوي، الذي يراعي شرط العربية ولا يخرج عليها، مذيلا قولي بضرورة الانتباه لحركة المفردة في المعاني خلال الزمن، بسبب اختلاف شرط الحياة، فالمؤمن كانت لفترة طويلة تنطبق على المصدق، حتى انزاحت لغة إلى ذلك المعنى، ولولا آيات لا يمكن أن تفهم سوى بهذا التعبير لبقي هذا اللبس صعبا، وبقي فك شيفرته بعيدا عن الفهم.