لعلّك مثلي، سمعت معلّم الأحياء عندما كنت طالبا، يقول عن “نظرية التطوّر” كلاما من قبيل: “هي مجرّد نظرية”، “مقولات داورين تجاوزها العلم”، “تشارلز داروين يقول إن أصل الإنسان قرد”، “ما زال العلماء المصدّقون بالتطوّر يبحثون عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد”، “تشارلز داورين يهوديّ أراد هدم الأديان، وتكذيب وجود الخالق، وهذا هو سبب خروجه بهذه الادّعاءات”… إلى آخر المعتقدات الشعبية عن فكرة التطوّر.
وما زلنا حتى اليوم نجد المحتوى العربيّ على الإنترنت مليئا بالجدل بين (التطوّريين و الخلقيّين)، وكثيرا ما نتعثر بمنشورات على شبكة التواصل حول الشأن نفسه، وتنفجر التعليقات التي تغصّ بتحويل الجدل من طبيعته العلمية، إلى جدل دينيّ قد تكثر فيه الاتهامات.
في الحقيقة هذه المقالة ليست للدفاع عن نظرية التطوّر، وليست للدفاع عن الأديان، ولا لمهاجمة أيّ من التصوّرين، ولكن هي فقط لتوضيح بعض النقاط التي من المهمّ توضيحها.
- كلمة نظرية تستخدم شعبيا بمعنى فرضية، كقولهم: نظرية المؤامرة! لكن في العلوم الاستخدام مغاير تماما، فالنظرية العلمية هي أعلى مفهوم علمي، لا تستحقّ فكرة هذه التسمية إلاّ بعد أن تكون تعرضت للفحص وأنتجت الكثير من القوانين، وفسّرت العديد من الظواهر، وتمّ تجريبها مرارا، وأثبتت في كلّ مرة صدقها.
- نظرية التطوّر نظرية راسخة جدّا، وتكاد تكون أكثر نظرية علمية تستحقّ منزلتها العالية كنظرية.
- نظرية التطوّر نفسها تعرّضت للتعديل والتطوير مرات كثيرة جدا منذ داروين، ولم تبق على حالها.
- نظرية التطوّر لا تقول بأن أصل الإنسان قرد، ولكنها تقول بأن القرود والبشر يمكن ردّهم لأسلاف مشتركة، ولهذا ليس ثمة بحث عن “حلقة مفقودة” بين القرد والإنسان من الأصل.
- بعض الملاحظات التي بنى عليها داورين النسخة الأولى من نظرية التطوّر لاحظها آخرون، ومنهم علماء عرب في العصور الإسلامية، ولم يروا فيها تهديدا لتصوّرهم الدينيّ الذي يقتضي وجود خالق لهذا الكون.
- عكف باحث إسلاميّ اسمه د. عبد الصبور شاهين 25 سنة على النصوص الإسلامية وفي مقدّمتها القرآن، فلم يجد أي تعارض بين نظرية التطوّر، وبين التصور الذي يقدّمه الإسلام عن نشأة الخلق، وقد نشر نتائج بحثه في كتابه (أبي آدم)، وهو موجود على الإنترنت.
- ثمة بالفعل أنواع حية جديدة ظهرت وأمكن دراستها وتوثيقها، وقد تناسلت من أنواع أخرى سبقتها، والتغيرات التي طرأت عليها كانت واضحة، والعلاقة بين هذه التغيرات وبين نظرية التطوّر كانت وثيقة جدّا.
- اكتشفت بالفعل أحافير لعدد من أسلاف البشر المعاصرين، الذين ينتمون للرأسيّات التي ننتمي لها نحن والقردة، وعندما تنظر لها تحار في تصنيفها هل هي نوع من القردة أم نوع من البشر.
- النصوص الدينية التي تتحدّث عن نشأة المخلوقات كقصة ما حدث فوق سفينة نوح، من أن القط نشأ من عطاس الأسد، والخنزير نشأ من براز الفيل، كلها نصوص مرفوضة من باب دينيّ قبل رفضها من باب علميّ، والتصورات التي تقدّمها مضحكة جدّا، وهي التي تتعارض مع فكرة وجود خالق.
- ليس من فكرة علمية أخرى يمكنها أن تفسّر اشتراك جميع الكائنات الحية بمكوّنات الشيفرة الوراثية، غير نظرية التطوّر.
- تطوّر علم الجينات إلى الحدّ الذي مكّن الإنسان من نقل الصفات الوراثية بين الأنواع المختلفة عن طريق تعديل جيناتها.
- الخصومة بين نظرية التطوّر والأديان تعود إلى تراث كنسيّ متصل بالعصور الوسطى، حيث لم تكن نظرية التطوّر بالشكل الذي هي عليه الآن، ولم تكن الكنيسة بالشكل الذي هي عليه الآن.
- الرافضون لنظرية التطور في الغرب اليوم ليسوا سوى مجموعات شعبوية، تشبه القائلين بما يسمّى نظرية المؤامرة، والقائلين بما يسمّى نظرية الإيثر، وما إلى ذلك من أساطير شعبية حديثة، سبب بقائها هو حرية التعبير، وحريّة اعتناق الأديان في الغرب، ولهذا فهي يجب أن تشكر الليبرالية المقيتة لأنها وفّرت لها أسباب البقاء، فهي لم تكن لتصمد أمام المحاججة العلمية.
- التصورات الغيبية لها كل احترام ما دامت تتناول الغيب، أما إذا ورّطها أصحابها في تكذيب العلم، والواقع المشهود، فهم يضعونها في مأزق حقيقيّ، وعليهم تقع اللائمة لأنهم لم يطوّروا خطابهم الدينيّ.
سأترك للقارئ الكريم التحقق من النقاط في الأعلى، فالشبكة المعلوماتية فيها مصادر كافية عن هذا الأمر، وكثير منها مكتوب باللغة العربية، وموثق بالمراجع.