الاحتلال والبيئة| موجز تاريخي

جمعة الكاوتشوك أو الكوشوك، التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت جدلا حول البيئة، لم يختلف الجدال حولها عنه حول محطات أخرى من تاريخ الاحتلال والبيئة، فقد اعتدنا سماع أصوات تشكك في كل فعل يقوم به الفلسطينيّ، أو اللبنانيّ المقاوم، وهي ذاتها الأصوات التي تحوّر الحدث عن فكرته الرئيسة، حتى عندما يخيّل لأصحابها أنها تنتصر للفلسطينيّ.

دعونا نأخذ جولة سريعة على أحداث جرت في فلسطين، كان من الممكن مهاجمتها بالمنطق نفسه، الذي تهاجم جمعة الكاوتشوك به، وهو على سبيل الاختصار: الأرض لمن يعمرها. وبما أن الفلسطينيّ يدمّر البيئة فهو ليس جديرا بها، وهذا سنأتي للردّ عليه عقب جولتنا السريعة جدّا:

  • أحرق المقاومون الفلسطينيون أحراجا قريبة من مدينة نابلس، بأمر من محمد عثمان شبيطة العدوان، الذي قاد المعركة ضد حملة نابليون البريّة، وكان هذا بصعود عدد قليل من المقاومين إلى أعلى السفح وصب مواد سريعة الاشتعال على الحرش الذي يتمترس فيه جيش نابلوين بقيادة (ديماس)، وتربّص أبناء القرى المحيطة بعزون (بني صعب، جيوس، كفر زباد، كفر جمّال… إلخ) بجيش الغزاة أن ينزلوا السفح، فمن الطبيعي أن يهربوا من النار إلى أسفل السفح، وهكذا قضي على أحلام نابلوين على أيدي هؤلاء الفلاحين والرعاة، ولقي قائد الحملة (ديماس) حتفه على يد ابن قرية عزون عابد المريحة.
    وبسبب هذه الحادثة سمّيت نابلس (جبل النار)، وإذا أضفنا لها صمود الجزّار وقوّته في عكّا فنعرف أنه بسببهما أعفيت فلسطين من احتلال فرنسيّ، قتل في الجزائر ما يجاوز 6 ملايين إنسان.
  • أثّرت شجرة الكينا – الأكاليبتوس على البيئة أثرا سلبيا، إذ نقلت من موطنها الأصليّ أستراليا على أيدي المحتلين الإنجليز والصهاينة إلى فلسطين، لإقامة غابات استعمارية، تتجلى أغراضها في السيطرة على الأراضي المخصصة للفلاحة وزراعة الأشجار الفلسطينية، بوصفها أماكن حرجية عامة، وليست أرضا يملكها فلاحون ورعاة، يستغلونها في مناحي حياتهم المختلفة.
    يذكر أن موطن الكينا الأصلي، أستراليا، فيها نظام بيئي مختلف، يضمن عدم تغوّل هذه الشجرة على غيرها من الأشجار.
  • قام الصهاينة بالتخلص من نفاياتهم الصناعية والنووية عن طريق عملاء متربّحين من أصول فلسطينية، فدفنوها في أراضي الضفة الغربية، مما لوّث مياه القرى، وأضرّ بالبيئة ضررا عظيما.
    وهذا كان وما زال يحدث تحت حماية العملاء بموجب اتفاقيات السلام المزعوم، وبموجب أدوات الحرب الصهيونية.
  • لعبت الغابات الاستعمارية الصهيونية دورا في توفير الوقود ومواد البناء اللازمة لاحتلال الأرض الفلسطينية، بل وتجاوز ذلك إلى تجفيف الأراضي الرطبة، التي تعدّ كنزا بيئيا لكوكب الأرض كله، لأنها تشكل محطّات على طريق هجرة عدد كبير من الطيور التي تجوب الكوكب.
    كان تجفيف الأراضي الرطبة بغاية محددة وهي الحصول على مزيد من الأرض الفلسطينية لاحتلالها.
  • مُنِع الفلسطينيون من الوصل لكثير من أراضيهم للعناية بها، وتقويصها (إزالة القوص والنتش وسواهما من الشجيرات الشوكية)، مما تسبب بحرائق كثيرة في أراضيهم، فالشجيرات اليابسة تتحول لوقود سريع الاشتعال، تكفيه أشعة الشمس، وقليل من الريح، ليجعل الأرض قاعا صفصفا.
    سبب المنع هو التضييق وإزالة أي أرباح ممكنة، للضغط على الفلسطيني باتجاه بيع أرضه للصهيوني.
  • انتهج الصهاينة الأساليب الإشكالية في زراعة الأرض، تلك التي تأسست بسبب تقدّم العلوم، من بذور معدّلة جينيا، وسواها، مما أدى إلى اضمحلال سلالات البذور التي نتجت عن تاريخ طويل من التكيّف مع بيئة البلاد وحاجات الفلّاحين.
    البذور المعدّلة جينيا تضع القوة كلها في يد الشركة المنتجة، فهذه البذور وحدها لا تنتج (تقاوٍ)، أي أنها لا تنتج جيلا ثانيا من البذور، أنت تحتاج دائما أن تشتري البذور الصالحة للزراعة من الشركة المعدّلة للجينات.
  • يسعى المحتل الصهيوني بالاتفاق مع الأنظمة التي وقعت على اتفاقات سلام معه، لإنشاء قناة “ناقل البحرين” والتي من شأنها أن تملّح التربة، وتقضي على التنوّع البيئي فيها، لأطماع اقتصادية.
  • جفف المحتل من خلال سيطرته على مياه نهر الأردن البحر الميّت، وتسبب بكارثة بيئية يدّعي أنه سيحلها من خلال “ناقل البحرين” وهو بحد ذاته كارثة أكبر.

سأتجاوز عن ذكر ما هو معروف من أثر الفسفور الأبيض على البيئة، وتحويل الصهاينة غزة والضفة الغربية لمختبر لتجريب الأسلحة، وتحويل الغرب الاستعماري فلسطين كلها إلى مختبر لتجريب الاستعمار الحديث، وأثر مفاعل ديمونا على البيئة في فلسطين.

لكننا نمرّ في هذه الجولة السريعة جدا من تاريخ الاحتلال والبيئة، لنقول شيئا مهمّا:

منظورك للعمار والدمار، منظور منبثق عن رؤيتك للعالم، فإذا كنت تعرف أن هذه الأرض للعرب الفلسطينيين، وأن الصهيوني بوصفه غريبا عنها، وبوصفه رأس حربة للإمبريالية الرأسمالية، هو دمار للبيئة بحد ذاته، فأنت لن تجد غضاضة في أن تعترف أن ما يقوم به أهل غزة لحماية أرواحهم، من إشعال لإطارات الكاتشوك، هو عمل صائب، وهو في خدمة البيئة لا ضدّها.

أقول لك شيئا آخر:

ألا تستطيع أن تعدّ الفلسطينيّ كائنا من كائنات هذه البيئة، يحارب من أجل بقائه فيها!

ألا تستطيع أن ترى أن الفلسطينيّ هو رأس حربة العالم الثالث في الدفاع عن بيئته في وجه الأطلنطيين الذين دمّروا البيئة في الكوكب كله!

إن كنت لا تستطيع، ولا أحسب أنك تفعل، فقل ما شئت، فكلامك لن ينقص في عزيمة من يدافع عن حياته، ولن يزيد في أثر الرصاص الصهيونيّ، لكنه يجفّف ماء وجهك!