مثلّث الخرافة – الحسن السقّاف

مثلث الخرافــة 

الدجال, نزول عيسى بن مريم, المهدي!

هذا البحث منقول عن كاتبه وهو الحسن السقاف:

من العقائد المترسخة عند عامة المسلمين وعلمائهم عقيدة المهدي المنتظر أو مخلص آخر الزمان الذي يأتي فيقاتل الأعداء ويهزمهم, ويصلح في أيام معدودات ما أفسده الدهر في قرون طوال. وتصور أهل السنة للمهدي المنتظر ليس هو تصور الشيعة فكلاهما مغاير للآخر تماما, إلا أنهم يشتركون من حيث المبدأ في قبول الفكرة, على الرغم من أن كل فريق ينكر كل الأحاديث الواردة في هذا الباب ويعدها من الموضوعات التي لا جدال في وضعها! ويرتبط تصور المهدي بظهور دجال يفسد في الأرض فسادا كبيرا ويسلطه الله على خلقه ليختبرهم, فيعطيه من الآيات الحسية ما لم يعط نبي من قبل, حتى يختبر الناس. وعندما تبلغ الحلقة أقصى الضيق ينزل المخلص من السماء – مع ملاحظة أن هناك مهدي على الأرض حارب الأعداء وهزمهم – تبعا لتصور أهل السنة وهو عيسى بن مريم فيقتل الدجال لأن الدجال كائن استثنائي يحتاج قتله إلى بطل استثنائي وليس أي شخص عادي ولو كان حتى مهديا, ثم تعيش الأرض في مدينة فاضلة لم يحلم بها أشد الفلاسفة إغراقا في التفاؤل. وبعد سنوات معدودات مختلف في عددها تقوم الساعة! وقبل أن نخوض في هذا الموضوع الشائك الذي يدافع عنه كثير من الناس كأنه من أسس الدين التي لو أخلت لانهار الدين! قد يقول قائل: ولم تتكلم فيها من المبدأ إن لم تكن من أسس الدين؟ نقول: لأسباب عدة, منها: إخراج الخرافة من دين الله عزوجل وإثبات أن ما لا أصل له في كتاب الله من العقائد هو زخرف باطل, كذلك إلغاء سبب من أهم أسباب التكاسل والتقاعس عند المسلمين , فهم مسلمون بأن المهدي والمسيح سيأتيان في آخر الزمان ليصلحا الأمة, فالأمر مقدر ومكتوب فلم الحركة, فلن نفعل شيئا! أما إذا اقتنع المسلم أنه لا مهدي إلا النبي (ص) ومن هداه الله فسيصير كل واحد منا مهديا يخرج أمته من ظلمات التخلف إلى نور الهداية والتقدم. وتبعا لترتيب أعضاء المثلث سيكون الحديث عنهم, فسنبدأ الحديث عن الدجال ثم نزول عيسى بن مريم ثم المهدي, ونبدأ بالدجال:

أول أضلاع المثلث: الدجال 

قبل الخوض في مسألة الدجال لا بد من العروج أولا على الجانب اللغوي , لنعرف هل الدجال استعمل في اللغة العربية بالمعنى الوارد في الروايات , أم أنه معنى دخيل ؟ ورد في المقاييس: “الدال والجيم واللام أصلٌ واحد منقاسٌ، يدلُّ على التغطية والسَّتْر. قال أهلُ اللغة: الدَّجْل: تموِيهُ الشَّيء، وسُمّي الكذّابُ دجّالاً. وسمِعت عليَّ بن إبراهيمَ القَطَّان يقول: سمِعت ثعلباً يقول: الدَّجّال المموِّه. يقال سيفٌ مُدَجّل، إذا كان قد طُلِيَ بذهبٍ. قال: فقِيل له: فيجوز أن يكون الذّهب يسمَّى دَجَّالاً؟ فقال: لا أعرِفُه. ومن الباب الدّجّالة: الجماعة العظيمة تحمل المتاع للتجارة. ويقال دَجَّلْتُ البعير، إذا طلَيته بالقَطِران؛ والبعير مدجَّلٌ.” اهـ
إذا يظهر لنا أن الدجل في اللغة مبني على الكذب والخداع والتمويه , ويعلق الأستاذ أمين نايف ذياب حول هذه الكلمة فيقول: ” معنى كلمة الدجل عند العرب هو شدة طلي الجمال الجُرْب بالقطران، وانتقل المعنى إلى الكذب الذي يتعمد طمس الحقيقة الظاهرة البينة، فالدجل ليس تمويها ولا خداعاً ولا تلبيساً وليس تدليساً، فالدجال هو المدعي خلاف ظاهره وخلاف ما هو واضح من حالته، مثل إدعاء النبوة مع عدم وجود المعجزة، ومثل ادعاء الألوهية مع أنه جسم يعتريه النقص وفي العلم الجهالات، أو أنه قادر مع ظهور عجزه وضعفه، فالدجال معلوم دجله حتى لضعفاء العقول ولأبسط الناس، بل أيضاً للأطفال الصغار فالدجال دجال ولا يحتاج لبرهان .” اهـ
أما إذا نظرنا إلى التصور الأسطوري الوارد في روايات أهل السنة – الشيعة دجالهم بسيط مختلف عن دجالنا الجبار !- فنجد أنه لا يمكن أن يكون دجالا وإنما هو فتان جبار, أما دجال ضعيف فلا ينطبق عليه الوصف بأي حال . ونظرا لأن كلمة الدجل أو أيا من مشتقاتها لم ترد في القرآن, – وهو مما يعني انهيار العقيدة من مبدأها لأنها عقيدة دخيلة على الإسلام – ,فإننا سنناقش الأحاديث الواردة فيها من باب إظهار تعارضها وتناقضها البينين والذين لا يمكن رأبهما , لأن أي صنعة بشرية لا بد أن يظهر فيها الاختلاف , وصدق الله: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وبالفعل وجدنا اختلافا كثيرا يدل على أنه من عند غير الله . والآن إلى التعريف بالدجال , فما هي صفته ؟
تناقضات صفة الدجال :
الدجال رجل عادي و فتى صغير و كائن خرافي , وهو ابن صياد وليس ابن صياد ولا تعارض . وهو في المدينة المنورة وفي البحر وسيخرج من خراسان ! و من الممكن أن يخرج في زمن الرسول أو في آخر الزمان بعد فتح القسطنطينية عندما يكون هناك واحد من نسل الرسول يشبه اسمه اسم الرسول , وينزل المسيح بن مريم ! والرسول يعرفه ولا يعرفه , وهو أعور العين اليمني واليسرى في آن واحد ومكتوب بينهما كفر يقرأه كل قارئ وغير قارئ ولا تعارض ! وما يميزه عن الله عزوجل أن ربنا ليس بأعور , يعني لو كان الدجال ذا عينين خضرواتين كحيلهما , هل كنا سنُعذر إذا قبلناه كإله ؟!! إن التصور الأسطوري المتناقض الموجود في الروايات يدل على وجود فكرة معينة وتصور أساسي , وقام عدد غفير بالتأليف حول هذه الفكرة فظهر التناقض الذي سنراه :
الدجال أعور العين اليمنى واليسرى ! : من المعلوم بداهة أن الأعور لا يكون إلا من فقد إحدى عينيه , ولكن الروايات هنا قالت أنه أعور العينين الإثنين, فجاء في البخاري : ” وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال : ” إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ .. ” , أما عند مسلم : عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، جُفَالُ الشَّعَرِ – كَثِيرُهُ – مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ ” . وبداهة هذا تناقض لا يمكن توفيقه , فهو إما أعور اليمنى أو اليسرى , فإحدى الروايتين لا محالة باطلة , أو كلاهما . ولكن انتبه : أنت تتكلم عن البخاري ومسلم , وكل ما فيهما صحيح لا محالة كما قال أهل الحديث ! فلا بد من التوفيق ولا بد أن تقبل توفيقنا , أما إذا تمسكت بمنطوق النص فأنت فاسق ضال مضل ! ما هو توفيق أهل الحديث ؟ يقولون : الملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور وفي بعضها وصف عينه اليسرى بالعور ، وكل الروايات صحيحة ، وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الروايات ، فقال القاضي عياض : ” أن عيني الدجال كلتيهما معيبة ، لأن الروايات كلها صحيحة ، وتكون العين اليمنى هي العين المطموسة والممسوحة ، العوراء الطافئة – بالهمز- التي ذهب نورها كما في حديث ابن عمر . وتكون العين اليسرى : التي عليها ظفرة غليظة وطافية – بلا همز – معيبة أيضاً ” . فهو أعور العين اليمنى واليسرى معاً ، فكل واحدة منها عوراء أي معيبة ، فإن الأعور من كل شيء المعيب ، لا سيما ما يختص بالعين ، فكلتا عيني الدجال معيبة عوراء ، إحداهما بذهابهما والأخرى بعيبها . ووافق القاضي عياض على هذا الجمع النووي ، ورجحه القرطبي . ” . فإذا نحن قلنا أن هذا اجتهاد من العلماء من أجل التوفيق بين الأحاديث المتعارضة ومنطوق الأحاديث يخالفكم , ولا دليل على ما تقولون به , سيرموننا بالفسق والضلال وأننا نريد أن نضلل الأمة عن العقيدة الصحيحة التي تنير القلوب والعقل وتعلي الإسلام على غيره من الأديان بالمنطق الخرافاتي !!
المسيح الدجال قصير وجسيم وأعظم إنسان خلقا ! : وهذا بداهة مما لا تناقض فيه ولا تعارض إلا عند ضيقي الأفق , فما الذي يمنع اجتماع هذه الصفات في إنسان واحد ؟!! : ” روى الإمام أبوداود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا ، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ” ( ونعم الحرز والتمييز !) , ولا مانع من أن يكون جسيما كما عند البخاري : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ . فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ” . ولا يوجد مانع من أن يكون أكبر من ذلك بكثير كما عند مسلم : ” أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً ” . وهذا كله بداهة مما لا تعارض فيه.
وهو ابن صياد وقد لا يكنه , فالرسول غير متأكد من هذه المسألة , وخاصة أن ابن صياد كان يأتي بأشياء غريبة مريبة ولديه قدرات فائقة , فهو يعلم الغيب إلى حد ما : كما روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاماً ممسوحة عينه طالعة ناتئة فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء فاخرج إليه. فخرج من القطيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين”. ثم قال: “يا ابن صياد ما ترى؟”. قال: أرى حقاً وأرى باطلاً وأرى عرشاً على الماء فلبس عليه فقال: “أتشهد أني رسول الله؟”. فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “آمنت بالله ورسله”. ثم خرج وتركه. ثم أتاه مرة أخرى فوجده في نخل له يهمهم فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين”. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع من كلامه شيئاً فيعلم أهو هو أم لا قال: “يا ابن صياد ما ترى؟”. قال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “آمنت بالله ورسله”. فلبس عليه فخرج وتركه. ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه قال: فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ورجا أن يسمع من كلامه شيئاً فسبقته أمه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين”. فقال: “يا ابن صياد ما ترى؟”. فقال: أرى حقاً وأرى باطلاً وأرى عرشاً على الماء قال: “أتشهد أني رسول الله؟”. قال هو: أتشهد أنت أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “آمنت بالله ورسله”. فلبس عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا ابن صياد إني قد خبأت لك خبيئاً فقال: هو الدخ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اخسأ”. فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم، وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد”. قال: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مستيقناً أنه الدجال. ” . فالرسول مستيقن أنه الدجال , ولكن سنجد عند مسلم أنه متيقن أنه ليس الدجال , وأنه حدث المسلمين بذلك . ومن الأشياء الغريبة التي كان يأتي بها ابن صياد أنه كان ينتفخ حتى يملأ الطريق ! ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم : عن نافع قال: لقي ابنُ عمر ابنَ صائد في بعض طرق المدينة، فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السِّكَّة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بَلَغَها، فقالت له: رحمك الله ما أردتَ من ابن صائد ؟ أما علمت أن رسول الله ( ص ) قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها ” . ويبدو على الرغم من أن الرسول أكد للمسلمين أن الدجال ليس ابن صياد كما سنرى من الحديث القادم , إلا أن المسلمين لا يزالون في شك مريب من ابن صياد هذا , فنجد في الحديث الذي رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : ” قَالَ لِي ابْنُ صَائِدٍ وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ مَا لِي وَلَكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ يَهُودِيٌّ وَقَدْ أَسْلَمْتُ قَالَ وَلَا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ وُلِدَ لِي وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَقَدْ حَجَجْتُ قَالَ فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ وَقِيلَ لَهُ أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ قَالَ فَقَالَ لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ ” , فلا يزال المسلمون في شك من ابن صياد , وابن صياد يلاحظ هذا فيخبرهم بعلامات براءته , ويعلمهم أنه يعلم مكان الدجال ويعرف أهله كذلك! ولكن لو عرض عليه الدور فلن يرفض . فهذا دور بطولة مفردة في فيلم من أقوى أفلام الكوميديا الإلهية التراجيدية والتي لايمكن للمرء أن يتنازل عن دور البطولة فيها , لأن هذا الفرصة لا تأتي مرتين ! لست أدري حقا كيف يعرض عليه أن يكون هو والدجال موجود فعلا , هل سيأخذون العطاء من الدجال ويرسونه على ابن صياد ؟!!!

أما عند الإمام مسلم فالرسول يجزم للمسلمين أنه ليس ابن صياد بل ذلك الكائن الخرافي المقيد في الدير في جزيرة في البحر وأن عليهم أن ينسوا موضوع ابن صياد هذا , فيبدو أن شك الرسول لم يكن في محله, فيروي لنا الإمام مسلم في صحيحهالحديث العجيب التالي: جاء في الحديث الذي رواه تميم الداري النصراني الأصل عن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس ـ وكانت من المهاجرات الأُول ـ : سمعت نداء المنادي ينادي : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصلّيت مع رسول اللّه ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول اللّه صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : ليلزم كلّ إنسان مصلاّه. ثمّ قال : أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم. قال : إنّي واللّه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأنّ تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدّثني حديثاً وافق الذي كنت أُحدثكم عن مسيح الدجال ، حدّثني أنّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر ، ثمّ أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت؟ فقالت : أنا الجسّاسة. قالوا : وما الجسّاسة؟ قالت : أيّها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق.
قال : لما سمّت لنا رجلاً فزعنا منها أن تكون شيطانة. قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ما أنت؟
قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟
قالوا : نحن أُناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ثمّ أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا : ويلك ما أنت؟ قالت : أنا الجسّاسة. قلنا : وما الجسّاسة؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة.
فقال : أخبروني عن نخل بيسان. قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له : نعم. قال : أمّا إنّه يوشك أن لا يثمر. قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : هل فيها ماء؟ قالوا : هي كثيرة الماء. قال : أما إنّ ماءها يوشك أن يذهب. قال : أخبروني عن عين زغر. قالوا : عن أي شأنه تستخبر؟ قال : هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له : نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال : أخبروني عن نبي الأُميّين ما فعل؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال : أقاتله العرب؟ قلنا : نعم. قال : كيف صنع بهم؟فأخبرناه أنّه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم : قد كان ذلك؟ قلنا : نعم. أما إنّ ذاك خير لهم أن يطيعوه وإنّي مخبركم عنّي إنّي أنا المسيح وإنّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض ، فلا أدع قرية إلاّ هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرّمتان عليّ كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإنّ على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة ، يعني : المدينة ، ألا هل كنت حدّثتكم ذلك؟
فقال الناس : نعم ، فإنّه أعجبني حديث تميم إنّه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنّه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ، ما هو. وأومأ بيده إلى المشرق. قالت : فحفظت هذا من رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
والعجيب أن الميزا غلام أحمد القادياني كان قد علق على هذا الحديث قائلا :
“هذه الأخبار الغيبية تدل على أن هذا الحديث ليس من رسول الله r لأنها يُعارض القرآن ويُخالف محكماته، وكيف يمكن أن يقدر الدجّال الخبيث على بيان الأنباء المستقبلة؟ وقال الله تعالى في كتابه المحكم: ]فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ اَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ[ (الجن:27-28)، فكيف أخبر الدجال عن الغيب خبرا واضحًا صحيحًا مطابقا للواقع؟ وكيف قال الدجّال أن الخير للناس أن يُطيعوا هذا النبي الأمي العربي فإنه صادق، مع أن الدجّال كافر لا يطيع الله، فكيف يأمر بإطاعة نبيه r؟ ومع ذلك هو ليس بقائل بزعم القوم بإله من دون نفسه، فكيف قال: وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، بل إن هذا اللفظ يدل على أنه لا يخرج من الدير إلاّ بإلهام الله تعالى ووحيه، فيلزم من هذا أن يكون الدجّال أحدًا من الأنبياء، وقد تقرر عندهم أنه من أكابر المفسدين فتفكر ولا تكن من الغافلين. منه. ”
وهنا يجب علينا أن نتوقف لنسأل : ما هو فعلا هذا المسيح الدجال ؟ كيف يعلم الغيب ؟ ولماذا خلقه الله عزوجل ؟ ألكي يختبر الناس ؟ الاختبار الذي أراده الله عزوجل من الناس هو الاختبار الطبيعي الحياتي الذي يفرق فيه الإنسان بين الحق والباطل , فإما أن يتبع الحق وإما أن يتبع الباطل , أما أن يخلق الله إنسانا ! ويبقيه حيا هذه السنين الطوال – ونعيب على الشيعة قولهم بحياة مهديهم إلى الآن , الخرافة متوحدة أيها السادة ! – ثم يعطيه قدرات إلهيه وآيات تفوق كل الأنبياء لكي يختبر الناس ! الناس لا يحتاجون إلى الدجال ليسقطوا , هم براقصة وكأس ساقطون ! ولم لا نفرض أن الناس سيظهرون للدجال الإيمان ! , ألا يمكن أن يتبعه كثير من الناس من أجل أن ينجوا ويعيشوا , ويظهروا له أنهم مؤمنون به وهم في الواقع كافرون به مؤمنون بالله , ألا يدخل هذا تحت قول الله عزوجل : ” إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ” , لست أدري كيف لم يخطر ببال المدافعين عن هذه الخرافة أن هذه الخرافة مجتثة من فوق الأرض لهذا السبب ! فعندما يظهر للناس من يريد أن يفتنهم عن دينهم ليس بالحجة ولا البرهان وإنما بمنع الطعام والشراب , ما هو التصرف الطبيعي الذي سيظهره أي أحمق غبي ؟ بداهة سيقول له : أنا مؤمن بك وأنت إلهي وكل ما تشاء فهو أنت , وأنت أنت … إلخ قصائد المدح والعشق المنافق , المهم أن يعطيه الطعام ولا يؤذيه , أم أن الدجال سيطلع على قلوب الناس ؟ وإذا قال أحد المدافعين بهذه الفرضية فعليه أن يأتي بالدليل عليها من الروايات, وأنا أتحداه أن يأتي بدليل واحد , لأن المؤسسين لهذه الخرافة ما جال بخاطرهم هذا الخاطر قط! فهم يؤلفون خرافة يرهبون بها الناس ولا بد أن تفوتهم الحبكة الدرامية في بعض أجزائها فيتصوروا الناس فريقين إثنين ليس فيهما هذا الفريق , مع أن الطبيعي أن يصير الناس فريقين, أحدهما المظهر للإيمان به والآخر الكافر به علنا ويحتسبوا أجرهم عند الله , أما أن يؤمن أناس بشخص لأنه يعطيهم الطعام فهذا خبل ما بعده خبل ! . كذلك يحق لنا أن نسأل : ما ذنب الدجال , إنه شخص مخلوق من أجل مهمة محددة يؤديها بدقة , وما أن حان الوقت حتى خرج ليؤديها, فهل يكون عاقبته ونهايته أن يصير إلى النار بعد أن ذاب كما يذوب الملح ؟ إن الدجال مسير أيها السادة وليس مخير , وهذا يعني أنه أداة في يد الله عزوجل وأن الله هو الذي يختبر الناس بالقوة في مسألة الإيمان به !

والعجيب أن الإمام مسلم روى حديثا آخر عن النواس بن سمعان يجزم فيه الرسول أن الدجال ليس الكائن الخرافي ولا ابن صياد ولكنه شاب يظهر في آخر الزمان وقد يكون في زمن الرسول , حيث قال فيه : ” ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجالَ ذاتَ غداةٍ ، فَخفَّضَ فيه ورَفَّعَ ، حتى ظنناهُ في طائفةِ النخلِ . فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رُحْنَا إليه ، فَعَرفَ ذلك فينا . فقال ما شأنكم “؟ فقلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداة ، فخفضَّت فيه ورفعَّت ، حتى ظنناه في طائفة النخل . فقال : ” غير الدجال أخوفني عليكم ، إنْ يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم . وإن يخرج ولست فيكم ، فامرؤ حجيج نفسه . والله خليفتي على كل مسلم . إنَّهُ شاب قطط ، عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن . فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف . إنَّهُ خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا . يا عباد الله فاثبتوا “! قلنا يا رسول الله : وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم” . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ” . قلنا يا رسول الله : وما إسراعه في الأرض ؟ قال : ” كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ؛ ويستجيبون له ، فيأمرُ السماء فتمطر . والأرض فتنبت . فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرَىً واسبغه ضروعا وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شيء من أموالهم . ويمر بالخَرِبةِ فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزُها كيعاسيب النحل . ثم يدعو رجلاً شابَّا ممتلئاً شبابا فيضربه بالسيف ، فيقطعهُ جِزْلَتَيْن رَمْيَةَ الغَرض . ثم يدعوه فَيُقبل وَيَتَهلَّل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعثَ اللهُ المسيح بن مريم ، فينـزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ـ بين مهْرُوذَتَيْن ـ واضعاً كفيه على أجنحة مَلَكَيْن ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدّرَ منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات . وَنَفَسُه ينتهي حيثُ ينتهي طرفهُ ، فيطلبه حيث يدركه بباب لُدَّ فيقتله ُ. ثم يأتي عيسى قوم قد عَصَمَهُم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ، ويحدثهم بدرجاتـهم في الجنة ، فبينما هو كذلك ، إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجتُ عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرّر عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طَبَريّة ، فيشربون ما فيها ، ويمرُّ آخرهم فيقولون : لقد كان بـهذه مرةً ماء . ويُحْصَرُ نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى ، فيرسل الله عليهم النّغَفَ من رقابهـم ، فيصبحون فرسى ، كموت نفسٍ واحدة . ثم يهبط نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زَهَمُهُم ونتنهُم ، فيرغب نبيُّ الله عليه السلام وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيراً كأعناق البُخُت ، فتحملهم فتطرحهم حيثُ شاء الله . ثم يرسل الله مطراً لا يكُنُّ منه بيتُ مدَرٍ ولا وَبَر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقَة . ثم يقال للأرض : انبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرّمانة ؛ ويستظلُّون بِقْحِفِها ، ويبارك في الرِّسْل حتى أنَّ الّلقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس.
فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طَيِّبَة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبضُ روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ؛ يتهارجون فيها تـهارج الحُمُر ، فعليهم تقوم الساعة.” اهــ بغض النظر عن الشك في سند الحديث والذي يبدأ الشك فيه مع الصحابي ذاته , فنواس بن سمعان هذا مختلف في تاريخه و في نشأته فلم يجزم له بنسب وليس هناك تاريخ حياة ظاهرة قبل الإسلام أو بعده , وهذا في الصحابي نفسه , وباقي رجال السند فيهم أقوال , فكيف انفرد هذا الصحابي بهذا الحديث الخطير , مع وجود جمع من الصحابة مع الرسول ص يسمعون مثله ؟ وبغض النظر عن أن للحديث أكثر من طريق عن كعب الأحبار موقوفا عليه فيه نفس المضمون , و هذا يرجح أن الحديث نفسه مأخوذ عن أهل الكتاب , نقول : الملاحظ في هذا الحديث أن الرسول يقول أنه من الممكن أن يخرج الدجال والرسول في الصحابة , و لنا هنا وقفة فالروايات الأخرى تقول أنه سيكون في آخر الزمان وسيكون هناك عيسى عليه السلام وسيكون هناك مهديا من نسل النبي ( ص) يوافق اسمه اسم النبي ص , فكيف يمكن التوفيق بين الروايات ؟ هل سيجتمع نبيان ومهدي في زمان واحد , فما أسعد هذا الزمان الذي اجتمع فيه هؤلاء , ثم كيف يجتمع هؤلاء , والأحداث كلها ستحدث في آخر الزمان وبعد ظهور الفتن ؟ ثم إن السادة علماء الحديث يقولون أن النبي أخبر بالوقائع التي حدثت بعده , فحدد مدة الخلافة الراشدة وبداية الملك وتحدث عن الفتن التي ستحدث , فلم الخلاف هذه المرة , فلا يعرف متى سيخرج هذا الدجال ؟ هذا لربي دليل واضح على التدليس والتخبط في هذه الروايات , كما أن الرسول قبل في الحديث المروي عن تميم الداري أن يكون الدجال أعظم شيئا خلقا رأوه وهو مربوط في البحر , أما هنا فهو شاب قطط ! ألا يعرف الرسول تحديدا ما هو الدجال ؟ ثم هذا الشاب الذي يقتله الدجال وهو الوحيد الذي يسلط عليه هل يضربه بالسيف كما في الرواية هنا أم أنه سينشره بالمنشار كما جاء في الرواية الأخرى : ” إن من عظيم فتنته أن يسلط على رجل واحد فيقول له : أتشهد أني ربك فيقول له الرجل : أنت الأعور الدجال الذي أنذرناه نبينا صلى الله عليه وسلم. فيقول : أوما تؤمن بي ؟ فينشره بالمنشار نصفين ويمر بين جنبيه ” فهو يسلط على رجل شاب واحد فقط باتفاق علماء الحديث , فهل يضربه بالسيف أم ينشره بالمنشار؟ أم أن السيف هو منشار ؟ وإذا كان لا يحل لكافر يجد نقسه إلا مات ,فكيف يدعوهم عيسى عليه السلام إلى الدخول في الإسلام ؟ ولماذا لا يموت الدجال بنفس المسيح ؟ وهل نَفَس المسيح يقتل فقط أم أنه يذيب كذلك ؟ كما جاء في رواية أخرى عند مسلم وابن حبان وغيرهما عن أبي هريرة في حديث قال: فإذا جاؤوا ـ أي المؤمنون ـ الشام خرج، فبينما هم يُعِدُّون للقتال يُسوُّون الصفوف إذ أُقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم ( ع ) فأمَّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيُريهم دمه في حربته ” , والعجيب أن سيدنا عيسى الوديع الذي لم يفعل أي شيء من هذه الأشياء طيلة حياته وقال : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر! هو من يفعل هذا ! ولماذا يأجوج ومأجوج لا يدان لأحد بقتالهم , لم لا يكونون ممن يموتون بنفس المسيح ؟! وما دورهم في هذه المهزلة الكوميدية ؟ فقد افترضنا جدلا أن الدجال سيخرج ليفتن الناس عن دينهم بالقوة , وهذا ما وضحنا خباله ! لماذا يخرج يأجوج ومأجوج بهذه الصورة , ألكي تكتمل الملحمة وتزداد الإثارة أم ماذا ؟ الملاحظ أن لا دور لهم سوى أنهم سيخرجوا ليفسدوا في الأرض ولا يقدر عليهم حتى النبي الجبار عيسى الذي لا يجد كافر نفسه إلا مات , ثم يموتون , ما هذا الدور الرائع ؟! ثم كيف يكون هؤلاء عبادا لله عزوجل , إن هؤلاء بوصفهم هذا لا يمكن إلا أن يكونوا عبيدا لله ولا يمكن أن يكونوا عبادا بأي حال , ومن يقرأ القرآن بعرف الفرق بين الإثنين ! وبغض النظر عن التعارض بين وصف عيسى في أحاديث الإسراء ووصفه في أحاديث الدجال , نسأل : هل سنرى الملائكة التي سينزل عليها عيسى ؟ طبعا لن نراها , فالقرآن ينفى هذا تماما فقال ” وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [الأنعام : 9] ” , فما الغرض من هذا التحديد مادمنا لن نراهما ؟ ولنا أيضا أن نسأل : هل تعبير ” كجمعة ” موجود في لغة العرب الفصيحة ؟ نعم نحن نستعمل هذا التعبير الآن للدلالة على الأسبوع , ولكن هل كان العرب الخلص يستعملونه أيضا ؟
أما صفات هذا الدجال فله كل صفات الله عزوجل ومعه كل معجزات الأنبياء , إلا أنه أعور وهذا ما يميزه عن الله – سبحان الله عما يصفون – , ولست أدري ما الذي يمنع الدجال من أن يجري جراحة تجميل مع كل هذا السلطان فتعطيه عيني زبيدة ثروت مثلا !! , وتأمل معي في صفات هذا الدجال : يخرج من جهة المشرق من خراسان ، من يهودية أصبهان ، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله ، إلا مكة والمدينة ، فلا يستطيع دخولهما لأن الملائكة تحرسهما . وعلى الرغم من ذلك فهو أعور ! و ” يأتي على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت … ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: ” أخرجي كنوزك” , فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رَمْيَةَ الغَرَض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ” , وعلى الرغم من ذلك فهو أعور ! و يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، كما أخرج أحمد عن سمرة بن جندب أن رسول الله ( ص ) قال: “إن الدجَّال خارج، وهو أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة، وإنه يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ” وعلى الرغم من ذلك فهو أعور !
وله حمار يركبه، عَرْض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً , ولست أدري هل الحمار أعور هو الآخر أم أنه حمار طبيعي ؟! و لست أدري بعد ذلك لم يظل هذا الدجال أعورا ؟ ولم يعطى هذه الصفات الإلهية والقدرات التي لم تعط لأي نبي قبله ؟
كما أن معه جنة وناراً ، جنته ناره وناره جنته ، وأن معه أنهار الماء وجبال الخبز ، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض ، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث استدبرته الريح ، إلى غير ذلك من الخوارق , ولست أدري لم هذه السرعة, هل يريد أن ينهي مهمته قبل نزول المسيح ؟ .جاء عند الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، جُفَالُ الشَّعَرِ – كَثِيرُهُ – مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ “. , وروى الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لأنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ : مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ “. وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن هذا الرجل الذي يقتله الدجال من خيار الناس أو خير الناس ، يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول للدجال : ” أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ لا . فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ”
والملاحظ في أحاديث الدجال أنه كان هناك فريقان واتجاهان في التأليف, فريق مضخم للأمور وفريق يلطف ويقلل منها , ففريق قال أن معه جبل من خبز وجنة ونار وأنهار , فأراد الفريق الآخر أن يلغي هذا الغلو والشطط فوضع الحديث الذي يرويه البخاري : حدثني قيس قال : قال لي المغيرة بن شعبة : ما سأل أحد النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الدجَّال ما سألته , وإنه قال لي : ما يضرك منه ، قلت :لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء . قال : هو أهون على الله من ذلك !!” . وهنا يطرح سؤال هام نفسه على طاولة النقاش : من هم الذين يقولون أنه معه جبل خبز ونهر ماء , ألا يفترض أن رسول الله هو من قال هذا وأن هذه العقائد ! تؤخذ منه فقط , أم أن القصص كانت مصدرا من مصادر الإيمان والتشريع عند المسلمين ؟!
نهاية الدجال :
أما بخصوص نهاية الدجال فتقول روايات أهل السنة أن عيسى بن مريم الذي مات ينزل فيقتل الدجال , ولست أدري من أين ينزل إذا كان ميتا ؟ ويعلق الأستاذ خالد الوهيبي على نهاية الدجال قائلا : ” أما نهاية الدجال فهو سيناريو توزع على منظومتين روائيتين:
روايات المحدثين السنيين التي تنص على أن الدجال يقتل على يد المسيح عليه السلام، ونبؤات بولس في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي، الإصحاح الثاني تؤيد هذا السيناريو: (أما تذكرون أني وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا، والآن تعلمون ما يحجز حتى يستعلن في وقته، لأن سر الإثم الآن يعمل فقط إلى أن يرفع من الوسط الذي يحجز الآن، وحينئذ سيستعلن الأثيم، الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه).
روايات الشيعة التي تنص على أن الدجال يُقتَل على يد المهدي المنتظر. فعن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: ” إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين، ومنا رسول الله، ووصيه، وسيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، وسبطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال” ، ويرى المعلقون على معجم أحاديث الإمام المهدي أن التصوير الذي تقدمه الأحاديث الواردة في مصادرنا الشيعية عن الدجال وحركته؛ يختلف عن التصوير الذي تقدمه الأحاديث الواردة في المصادر السنية ببعض الأمور، منها:
خلو أحاديثنا من أكثر العناصر التصويرية المتقدمة.
أن حركة الدجال فيها ليست حادثاً ابتدائياً، بل هي حركة مضادة لثورة الإمام المهدي الشاملة، وقوام هذه الحركة المضادة اليهود والمنافقون من الداخل الذين يتصفون بدرجة خاصة من العداء للإمام المهدي وأهل البيت عليهم السلام.
أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي وليس عيسى عليهما السلام . ” اهـ
هذه أهم الأحاديث الواردة عن الدجال , ولم نكثر من الحديث حولها فعرضها مع بعض التعليقات عليها أكثر من كاف لكل ذي عقل يقبل النقد , أما ذلك العقل الذي يقبل أن تساوي الستة السبعة فلن يجدي معه أي قول. و يكفي قولهم السمج الذي ورد في أكثر الروايات : إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ! إن هذه المقولة وحدها أكثر من كافية لرد الروايات الواردة في الباب . ونعود فنقول : الإبتلاء في الدين يكون بأن يوضع الإنسان في مواقف يقدر فيها على المعصية ليظهر مسلكه , أما أن يأتي من يفتن الناس بالقوة فهو تصرف أحمق لا يصدر إلا من شخص أحمق لا يفقه ما يقوم به ! لأن الناس ليسوا بحمقى فيؤمنوا بالإكراه . والملاحظ أن الجماعة الأحمدية أقرت بوجود التناقضات في أحاديث الدجال , وبدلا من أن تردها , سلكت مسلك أهل الكتاب , فقبلت المتناقضات وأولتها واستندوا في فعلهم هذا إلى الحديث الذي جاء فيه : ” إنما أحدثكم هذا لتعقلوه وتفهموه وتفقهوه وتعوه فاعملوا عليه وحدثو به من خلفكم فإنه فتنة من أشد الفتن” , فأولوا الأحاديث لكي تسقط على الاختراعات الحديثة وأولوا الروايات لكي تنطبق على الإنسان الغربي والحضارة الغربية المسيحية . ويكفينا إقرارهم بوجود التناقضات , أما مسلكهم في التوفيق بينها فلا يعنينا في شيء . وقبل أن نختم هذا الجزء عن الدجال , نذكر للقارئ بعض الروايات الواردة عن أهم مسلمة أهل الكتاب وهما : كعب الأحبار ووهب بن منبه – وهما من هما في رواية الخرافات والأساطير الموجودة عند أهل الكتاب – التي ورد فيها ذكر هذه الخرافات , والتي تُعلم القارئ الأصل الحقيقي لهذه الروايات وهي خرافات أهل الكتاب والتي نسبت لاحقا بطريق الخطأ أو العمد إلى رسول الله المصطفى وإلى السنة : روى الإمام ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم ونعيم بن حماد في الفتن عن كعب الأحبار قال: ” إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا نحن غداً نفتح ونخرج، فيعيده الله كما كان، فيحفرون حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا نحن غدا نفتح ونخرج، فيعيده الله كما كان. فيحفرون حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم في الثالثة فيقول نحن غداً نخرج إن شاء الله، فيحفرون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون، ثم يخرجون فتمر الزمرة الأولى منهم بالبحيرية الطبرية فيشربون ماءها، ثم الزمرة الثانية فيلحسون طينها، ثم الزمرة الثالثة فيقولون قد كان هاهنا مرة ماء، ويفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء، قال ثم يرمون نشابهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون قد قتلنا أهل الأرض وأهل السماء، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم فيقول اللهم لا طاقة لنا بهم ولا يدين فاكفناهم بما شئت، فيسلط الله عليهم دواباً يقال لها النغف فتفرس رقابهم، ويبعث الله طيراً تأخذهم بمناقيرها فترميهم في البحر ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة فتطهر الأرض وتنبتها حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن”. قال كعب: والسكن أهل البيت. ” روى الداني في السنن الواردة في الفتن ونعيم بن حماد في الفتن عن كعب الأحبار قال: ” يمكث الناس بعد يأجوج ومأجوج في الرخاء والخصب والدعة عشر سنين، حتى إن الرجلين يحملان الرمانة الواحدة ويحملان بينهما العنقود الواحد من العنب فيمكثون على ذلك عشر سنين، ثم بعث الله عز وجل ريحاً طيبة فلا تذر مؤمناً إلا قبضت روحه، ثم يبقى الناس بعد ذلك يتهارجون كما تتهارج الحمر في المروج، فيأتيهم أمر الله والساعة وهم على ذلك ” . روى الإمام نعيم بن حماد في الفتن عن كعب الأحبار قال: ” معاقل المسلمين ثلاثة، فمعاقلهم من الروم دمشق، ومعاقلهم من الدجال الأردن ، ومعاقلهم من يأجوج ومأجوج الطور “. روى الداني في السنن الواردة في الفتن عن كعب الأحبار قال : ” إن يأجوج ومأجوج ينقرون كل يوم بمناقيرهم في السد فيسرعون فيه، فإذا أمسوا قالوا نرجع غداً فنفرغ منه، فيصبحون وقد عاد كما كان، فإذا أراد الله عز وجل خروجهم قذف على ألسن بعضهم الاستثناء، فقال نرجع غداً إن شاء الله فنفرغ منه، فيصبحون وهو كما تركوه فينقبونه ويخرجون على الناس، فلا يأتون على شيء إلا أفسدوه، فيمر أولهم على البحيرة ويشربون ماءها، ويمر أوسطهم فيلحسون طينها، ويمر آخرهم فيقولون قد كان ها هنا مرة ماء، فيقهرون الناس ويفر الناس منهم في البرية والجبال، فيقولون قد قهرنا أهل الأض فهلموا إلى أهل السماء، فيرمون نبالهم إلى السماء فترجع تقطر دماً، فيقولون قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السماء، فيبعث الله عز وجل عليهم أضعف خلقه النغف دودة تأخذهم في رقابهم فتقتلهم.
روى نعيم بن حماد في الفتن عن وهب بن منبه قال: ” الروم ثم الدجال ثم يأجوج ومأجوج ثم عيسى ثم الدخان” .
بهذا العرض للروايات الواردة عن كعب الأحبار ووهب بن منبه يتضح لك جليا عزيزي القارئ , ما هو مصدر هذه الروايات ومن أصحابها , و كيف ألصقت بالرسول وبالإسلام زورا وبهتانا , وهما منها براء , وبعد أن أنهينا الحديث عن الدحال , ننتقل للحديث عن الضلع الثاني وهو نزول المسيح .

الضلع الثاني: نزول المسيح

لا يمكن في الواقع فصل هذا الضلع عن سابقه , فهما متداخلان أشد التداخل , فعيسى عند أهل السنة هو من سيقتل الدجال ! ومن أجل هذه المهمة العزيزة الخطيرة والتي ستحدث بأن يبدأ الدجال بالذوبان بمجرد أن يرى عيسى , ولكن عيسى يقتله بالحربة قبل أن يذوب تماما , ولست أدري لم يقتله بالحربة ولا يتركه يذوب ! المهم لأجل هذه المهمة الغالية أبقى الله عزوجل المسيح حيا إلى وقت نزوله في آخر الزمان ! ولكن مهلا عزيزي القارئ من قال أن عيسى بن مريم لا يزال حيا حتى الآن ؟ إن القرآن يؤكد ويشدد أن عيسى مات وخلا كما خلت من قبله الرسل , والسنة لم يأتي فيها حديث واحد أن عيسى لم يمت وأنه رفع إلى السماء , نعم هناك أحاديث تقول أنه سينزل ولكن لا توجد أحاديث تقول أنه في السماء , كل ما قيل أنه سينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ولكن لا يوجد حديث واحد أنه رفع إلى السماء ! هناك أقوال رويت عن مسلمة أهل الكتاب وعن بعض الصحابة ولكنها مأخوذة من أهل الكتاب . لذا سيكون تركيزنا هنا على إثبات موت عيسى بن مريم من الكتاب والسنة , ثم نناقش بعد ذلك مسألة النزول المزعومة هذه :
إذا نحن نظرنا في القرآن وجدنا أنه أكثر من الحديث عن وفاة عيسى بن مريم , ولولا وجود أحاديث النزول هذه لما تجرأ أحد من العلماء على تأويل كلمة واحدة منها , ولو أولها أحدهم لاتهم بموالاة النصرانية وتصحيح عقائدها , ولكن لما كانت هناك روايات تؤيد عقائد النصارى قُبل التوجه وأولت الآيات وأصبح من يأخذ الآيات بظاهرها – كما يجب مع كل القرآن – لا يفقه شيئا في اللغة ومكابر ومعاند إلخ الأوصاف . وقبل أن نبدأ عرض الأدلة على وفاة المسيح نعرض معنى كلمة ” وفاة ” في اللغة , والكلمة واضحة المعنى ولكن السادة العلماء أنزلوا معاول التأويل على الكلمة حتى تخرج عن معناها وتحتمل أي معنى آخر :
تعريف الوفاة : جاء في المقاييس لابن فارس : الواو والفاء والحرف المعتلّ: كلمةٌ تدلُّ على إكمالٍ وإتمام. منه الوَفاء: إتمام العَهْد وإكمال الشَّرط . ووَفَى أوْفَى، فهو وفِيٌّ. ويقولون: أوْفَيْتُكَ الشَّيءَ، إذا قَضَيْتَه إيّاهُ وافياً. وتوفَّيْتُ الشَّيءَ واستَوْفَيْته؛ [إذا أخذتَه كُلّه] حتَّى لم تتركْ منه شيئاً. ومنه يقال للميِّت: تَوفَّاه الله. ” اهـ . وجاء في اللسان : …… والوَفاةُ: المَنِيَّةُ. والوفاةُ: الموت. وتُوُفِّيَ فلان وتَوَفَّاه الله إذا قَبَضَ نَفْسَه، وفي الصحاح: إذا قَبَضَ رُوحَه، وقال غيره: تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه في الدنيا. وتَوَفَّيْتُ المالَ منه واسْتوْفَيته إذا أَخذته كله. ” اهـ . و كلمة ” الوفاة ” ﺇذا كانت من باب التفعل أي الفاعل هو الله والمفعول به هو من ذوي الأرواح ولا يوجد قرينة تصرف معناها فليس معناها سوى الموت لأنه هكذا اكتمل عمر الإنسان وتم فيتوفاه الله فيموت !. وهذا هو المعنى المتفق عليه في كل المعاجم . جاء في القاموس المحيط : توفاه الله :قبض روحه . جاء في تاج العروس : توفاه الله :أماته الله . وفي المنجد : توفي فلانا : قبضت روحه ومات . والمعنى أكثر من واضح لا يحتاج إلى استدلال ولكنها مجادلة العلماء !!
ولتوضيح مسألة القرينة التي تحدد المعنى العام نورد الأمثلة التالية:
توفني مسلماﱟ: أمتني مسلما . يتوفاكم بالليل : الليل هي القرينة التي صرفت المعنى العام للوفاة . ( ونلاحظ أن الله يتوفانا بالليل وليس في الليل !)
وفيت نذري: أديت ما علي من واجبات .
من ذلك يتضح لنا أن ” الوفاة ” ﺇذا لم تصحب بقرينة كالليل أو المنام فمعناها الموت حتما ولقد حدد الله الوفاة بالموت في أكثر من آية في القرآن الكريم , منها : ” ﺇذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا ” أي أن الإنسان ﺇذا مات فان قبض روحه يتم عن طريق الملائكة الموكل ﺇليهم هذه المهمة . وبعد هذا العرض لإثبات ما هو معلوم , نقدم إليك عزيزي القارئ الأدلة القرآنية الجلية على وفاة عيسى بن مريم وفاة طبيعية حين أتاه أجله:
الأدلة القرآنية على وفاة عيسى عليه السلام : {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }آل عمران55, فهذه الآية نص صريح على وفاة عيسى قبل رفعه . ولكن العلماء اختلفوا من أجل الروايات في فهم الوفاة ! فمنهم من قال أن الوفاة ليس المقصود بها الموت , على خلاف كل المواضع الواردة في القرآن , ومنهم من قال أن في الآية تقديم وتأخير , أي أنه والعياذ بالله كان من المفترض أن تكون ” إني رافعك إليك ومتوفيك !” , وهذان القولان لا يحتاجان إلى كثير مناقشة ورد, فالآية أكثر من واضحة في المسألة. {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}النساء157, 158. والدليل في هذه الآية قوله تعالى : ” بل رفعه الله إليه ” , وبغض النظر عن الاختلاف في معنى الرفع , هل هو رفع مكانة أم رفع للجسد بعد الموت , الآية تذكر الرفع وآية آل عمران قالت أنه سيتوفى ثم يرفع , فإذا قيل هنا أنه ” رفع ” فيعني هذا أنه حدث بعد التوفي وليس بدونه ! {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}المائدة116, 117. فهذه الآية نص صريح على أن عيسى توفي في زمانه الطبيعي وليس في آخر الزمان , ومن يجادل ويقول أن المعني هنا هو وفاة آخر الزمان فسيكون معنى كلامه أن عيسى رفع إلى السماء حيا – مخالفا آية 55 في آل عمران – وظل حيا بدون أن يعلم ما أحدثه أتباعه على الأرض , وكان كل همه الصلاة والزكاة في السماء ! حتى يأتي الميعاد الذي ينزل عنده ليذوّب الدجال ! قد يقول القارئ : وما علاقة الزكاة بمكثه في السماء ؟ نقول : عيسى عليه السلام يخبر عن نفسه : {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }مريم31, فهل سيقول القائل : أن الله أوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيا على الأرض فقط ؟ وسيقولون , ولكن لا دليل لهم ! ثم إن النبي (ص) استعمل هذه الآية في الاستدلال على ما نقول به , وذلك ما جاء عند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ……ألا وإنه يجاء (يوم الحشر) برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول يارب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : ” وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلماتوفيتني كنت أنت الرقيب عليهم” فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم “. فالرسول استدل بالآية على مخالفة أفعال الأقوام بعد وفاة نبيهم وليس على وفاة في آخر الزمان . ثم إنه سيكون من التناقض البين أن يكون المقصود من الوفاة هو وفاة آخر الزمان , فالله يسأله عن فعله في زمن بعثته وليس عما فعل في نزوله المزعوم , حيث أنه سيأتي من أجل القتل فقط وليس من أجل شيء آخر – وهذه هي أحلام اليهود – , فهل سيرد عيسى بحديث عن وفاته في آخر الزمان ؟ إن الآية تتحدث عن موقف عيسى يوم القيامة ممن ابتدعوا التثليث , فهو سيتبرا منهم ويعلن أنه لا علم له بهذه البدع ويعلن أنه أدى رسالته حتى أماته الله ولا علم له بما بعد ذلك فالعلم لله وحده . كما أنه من المفترض أن عيسى نزل من أجل أن يكسر الصليب وينهي المسيحية ! ويفترض أن هذا سيحدث فعلا ! فهل يسأله الله تعالى عن ماذا فعل قومه في آخر الزمان بعد أن ماتوا جميعا أو دخلوا في الإسلام , أم أنه يسأله عن فعل قومه بعد وفاته في زمانه ؟ فنخرج من هذا كله أن المقصود من الوفاة هو الوفاة الطبيعية في زمن المسيح وليس وفاة آخر الزمان . أما من يقول أن المقصود من الوفاة هو التوفي , فعلى الرغم من مخالفته لآية آل عمران ولآيات أخرى من القرآن , فسنجد أنه لا دليل معه على ما يقول إلا دفاعه عن عقيدة النصارى في أن المسيح حي لم يمت وأنه في السماء!.
كانت هذه هي الأدلة على وفاة المسيح خاصة وإليكم الأدلة على وفاة الأنبياء عامة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144, والخلو كما جاء في المقاييس : الخاء واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على تعرِّي الشَّيء من الشيء. يقال هو خِلْوٌ من كذا، إذا كان عِرْواً منه. وخَلَتِ الدار وغيرُها تخلُو. والخَلِيّ الخالي من الغَمّ. وامرأةٌ خَلِيَّة: كنايةٌ عن الطَّلاق، لأنّها إذا طُلّقت فقد خَلَتْ عن بعلها. ويقال خلا لِيَ الشّيءُ وأخلى. قال: مِن الموتِ أم أخْلَى لنا الموتُ وَحْدَنا والخَلِيّة: الناقة تُعطَف على غير ولدِها، لأنّها كأنّها خَلَتْ من ولدها الأول. والقرون الخالية: الموَاضِي. والمكان الخَلاء: الذي لا شيءَ به. ” اهـ وهناك من يقول أن : خلا الرجل بمعنى مات . ولكن ليس هذا هو المعنى المخصوص من الخلو , وإنما المقصود هو الانخلاع من الشيء , فالرسل قبل الرسول أدوا مهمتهم ثم انخلعوا من الدنيا ومن الرسالة وتعروا عنها وانتقلوا إلى معية الله عزوجل , ولم يبق أي أحد منهم ولا أي مهمة لهم , فهم أدوا ما عليهم , ولو كان عيسى حيا أو حتى له مهمة لم يؤدها بعد وسيبعث من أجلها !, لما كان خلا ولأصبحت الآية غير مطابقة للواقع . فالآية أكبر دليل على موت الرسل كلهم ميتة طبيعية , ولو كان هناك استثناء لقيل : ولم لا يرفع كما رفع عيسى وإدريس ؟! ويؤيد هذا الفهم قول الله عزوجل : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }الأنبياء 34 , فلو كان عيسى حيا لكان مخلدا ! سيقول المعترضون : عيسى سيموت في آخر الزمان وبذلك يكون لم يخلد ! نعود فنقول : وما الدليل على أنه لا يزال حيا , الإمام بن حزم رحمه الله انتبه إلى أنه لا يوجد حديث يقول أنه لا يزال حيا وأن القرآن يقول أنه مات , فقال بذلك ولكن الله سيبعثه قبل يوم القيامة . والرسول نفسه قال أن عيسى قد مات , فيروي لنا الإمام الواحدي في أسباب النزول عن سبب نزول سورة آل عمران فيذكر حديثا طويلا فيه حوار الرسول المصطفى لوفد نصارى نجران ورده استدلالاتهم على ألوهية المسيح وفي هذا الحوار يقول الرسول (ص) : ” قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء؟ قالوا: بلى، ” اهـ . ومن يتدبر في كتاب الله يعلم أنه لا يمكن أن يكون في هذه الآية بالذات أي استثناء من أي نوع , فالآية والآيات السابقة لها تتحدث عن ثبات سنن الله في خلقه , فهي تتحدث عن السماء وثبوتها وحفظها وأن الناس معرضين عن ذلك وتتحدث عن الليل والنهار والشمس والقمر وأنه لكل منهم مساره الذي يحيد عنه قدر أنملة , ثم تواصل الآيات الحديث عن عدم وجود الإستثناءات في خلق الله فتقول: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }, فلا يطمع أحد في الخلود , ولو كان عيسى حيا لطمع الناس أن يرفعوا إلى السماء ويخلدون ولو حتى لألف سنة !
ولقد أكد الرسول المصطفى معنى الخلد وهو الاستمرارية والبقاء في حديث له ذُكر في كتاب ﺇحياء علوم الدين للأمام الغزالي ورواه المفيد الشيعي في أماليه واللفظ للمفيد : “عن عبد الله ابن عباس قال: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه فقالوا: يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد تبكي ورجالها ونسائها عليك فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت، فقال: ” اعطوني أيديكم، فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما تنكرون من موت نبيكم ألم أنع إليكم وتنع إليكم أنفسكم؟! لو خلد أحد قبلي ثم بعثه الله لخلدت فيكم، ألا إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله تعالى بين أظهركم تقرؤنه صباحا ومساء فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي، وأنا أوصيكم بهذا الحي من الأنصار فقد عرفتم بلاهم عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ويؤثروا وبهم خصاصة فمن ولي منكم يضر فيه أحد وينفعه فليقبل من محسن الأنصار، وليتجاوز عن مسيئهم “. وكان آخر مجلس جلسة حتى لقي الله عز وجل “. قد يقول قائل : سلمنا بأن عيسى عليه السلام قد مات , فما الذي يمنع أن يكون رأي بن حزم صحيحا وأنه سيبعث قبل يوم القيامة ؟ نقول : الموانع المستخرجة من أصول الشريعة كثيرة ولكن نذكر أولا قول ربنا ثم من السنة ثم نذكر الموانع العقلية على البعث والإنزال : أولا هناك من يستدل بآيات عامة على أن من مات لا يعود إلى الدنيا أبدا ويستدلون بمثل قول الله تعالى : ” لا يذوقون فيها الموت ﺇلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم “, وقوله : ” ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليها لا يرجعون ” , وقوله : ” وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ” , وقوله : ” حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ” . ولكن الناظر يجد أنها كلها أدلة عامة استثنى القرآن منها بعض الحالات , مثلما ذكر بعث قوم بني إسرائيل وبعث الذي مر على قرية وبعث الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف , فلا يوجد ما يمنع عقلا أن يبعث عيسى مرة أخرى , ولكن كيف يتدخل العقل والنص حاكم عليه , فالنص القرآني يوضح أنه لا استثناءات مع عيسى بن مريم حيث يقول : {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } مريم 33, كما قال عن يحيي بن زكريا عليهما الصلاة والسلام : {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً }مريم15- وفي هذا دليل على كذب من قال أن يحيي عليه السلام قُتل من أجل عاهرة وإنما مات في سلام من الرحمن – , فلو كان هناك فرق بين النبيين لما قارن الله بينهما . كما أن آية المائدة تنفي أن يكون عيسى على أي علم بما أحدثه قومه من بعده , فلو كان بُعث مرة أخرى قبل يوم القيامة لما قال : وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم , فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم , لأنه يفترض أن عيسى بُعث خصيصا من أجل أن يقتل الدجال ! ورأى ما أحدثه قومه , بل ويفترض أنه أتى من أجل أن يضع الجزية و لكي لا يقبل إلى الإسلام , فكيف تنتفي رقابته عليهم في البعثة الثانية وهناك وصاية وليست رقابة فقط . – هذا إذا غضضنا الطرف عن التناقض الوارد في المسألة بين أحاديث البخاري ومسلم , فعند البخاري سيقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام , أما عند الإمام مسلم فهو فقط يقتل الدجال ثم يحصر بواسطة يأجوج ومأجوج ولا يذكر بعد ذلك شيء مما ذكره البخاري ! – . كما أن الله عزوجل أجمل سيرة عيسى ونبوته وأتباعه إلى يوم القيامة في آية آل عمران فقال : {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }آل عمران55 , فالله يخبر سيدنا عيسى أنه سيتوفاه وسيطهره ويجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة , ثم مرجع الكل والجميع إلى الله فيحكم بينهم يوم القيامة في مواطن الخلاف , ولو كان هناك أي دور له لذكره المولى عزوجل في موطن إخباره بأحوال قومه من بعده . ولكن لما لم يكن له أي دور لم يذكره الله عزوجل . فهذه الآية تقطع لسان كل من يزعم أنه سيبعث قبل يوم القيامة , ويدعي أن الله لم يخبر عما سيحدث قبل يوم القيامة بالنسبة لعيسى , فها هو الله أخبره , فماذا تقولون ؟ إن السادة الذين يقولون أنه سيبعث لا يقرأون القرآن أو يفسرونه إلا ليوصلوه حيثما توجهت رواياتهم لا حيثما يحل القرآن ! . وبخلاف ذلك فالله أجمل فضله عليه في آية المائدة فقال: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }المائدة110, فلم لم يذكر له أنه رفعه إلى السماء وأبقاه حيا وأنزله في آخر الزمان , أو أنه أماته ثم بعثه بخلاف باقي خلق الله , فمن منا لا يحلم أن يحيي مرتين ويأتيه الموت مرتين ؟! كل هذه أدلة تنفي أن يكون عيسى مات ثم بعث , وهذه مسألة عقيدية لا ينفع فيها الظن بل لا بد من اليقين , فأين هو اليقين في أقوال ما أنزل الله بها من سلطان ولا جاءت في أقوال الرسول (ص) ؟ أما الأدلة من السنة على وفاة عيسى فلم ترد مباشرة أحاديث تقول أن عيسى لن يعود إلى الدنيا مرة أخرى ولكن وردت القاعدة العامة , ومن ذلك ما رواه الترمذي : ” قال : يا عبدي تمنى علي أعطيك قال يا رب أن تحييني فأقتل فيك ثانية0 قال الله: ﺇنه سبق مني القول ﺇنهم ﺇليها لا يرجعون” , فمن مات لا يرجع إلى الأرض مرة أخرى !

تناقض نزول عيسى مع أصول الدين :
أما الأدلة الكثيرات على أن بعث عيسى وإرساله مرة أخرى مناقض لأصول الدين , والتي سنذكر بعضها فقط , فمنها :
1- لو قلنا أن الله سبيعث عيسى مرة أخرى ليؤيد هذا الدين , فما الفائدة ؟ سيقول السادة المتحمسون : حتى يظهر للنصارى أنهم كانوا على باطل . ونقول لهم : ولكن النصارى لن يقتنعوا أن هذا عيسى , وسيقولون : إن هذا دجال من المسلمين يدعي أنه عيسى , فكيف نقيم الحجة عليهم ؟ ثم كيف نعرف أن هذا الشخص هو عيسى بن مريم ؟ فقد يدعي أي شخص أنه عيسى ويرتدي الثياب الموصوفة في الحديث وينزل فوق المنارة البيضاء شرقي دمشق , فما الدليل على أنه عيسى ؟ هل سيقوم بعمل المعجزات حتى نصدق أنه عيسى ؟ إذا تكون البشرية قد ارتدت وانتكست على أدبارها , فلقد رفض الله أن يعطي جماعة من البدو معجزات حسية منذ قرابة ألف وخمسمائة عام وطالبهم بالإيمان بالعقل , فهل نعود هذه الأيام للإيمان عن طريق المعجزات الحسية ؟
2- الشرائع القرآنية شرائع ثابتة ومستمرة , والله أعطى الناس الحرية ليؤمنوا فقال ” و َقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف : 29] , وقال ” لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون : 6] ” والحساب يوم الحساب , فما الذي طرأ حتى ينزل المسيح فيصادر حرية الناس في العبادة ويحملهم على دين معين ويحطم مقدساتهم ؟ و ما ذنب الخنزير حتى يقتل ؟ فليس معنى أن لحم الخنزير محرم أنه يقتل .
3- قال الله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد : 7] ” فالله ينصر من ينصره ويخذل من خذله , فما المبرر لنصرة الأمة في هذه الضائقة بالذات , فلقد مرت بالأمة المصائب والكوارث نتيجة لإعراضها عن شرع ربها ؟ و الأمة في هذه الحالة تستحق ما حل بها لأنها تركت أقوى أسلحتها , و بحثت لنفسها عن أسلحة أخرى , و الروايات كما رأينا تصور الأمة في حالة بالغة من السوء ثم ينزل المخلص من السماء فينصر الأمة , فلم تنصر الأمة ما دامت تركت طريق ربها ؟ فالأولى أن تترك حتى تفيء إلى نفسها وتعود إلى طريق ربها .
4- القول ببعثة ونزول المسيح يعني أن شرائع الإسلام غير صالحة أو كافية , فلو كانت كافية لتسيير الأمة في كل وقت, فلم الحاجة إلى منقذ خارجي , ألا يكفي كل المسلمين ولم لا يبعث الرسول نفسه ؟ أو أن يهيأ الله لهم من ينقذهم ويهديهم من الأمة , لم الحاجة إلى منقذ ” سوبر ” من خارج الأمة ؟
5- كيف سينزل المسيح عليه السلام ؟ هل سينزل نبيا أم سينزل منزوع اللقب أي أنه سينزل وهو ليس بنبي ؟ إذا قال السادة العلماء أنه سينزل نبي فهذا يناقض قوله تعالى ” وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ” , و إذا كان غير نبي فما سمعنا أن نبي ينزع منه اللقب . طبعا السادة العلماء الأفاضل لا يكلون ولا يملون وسيقولون : هو سينزل نبيا تابعا فلن يأتي بشرع جديد بل سيطبق الشريعة المحمدية , فهذا لا تعارض بينه وبين قوله تعالى ” وخاتم النبيين ” . سنقول لهم : إذا قلتم بذلك فلم كفرتم الجماعة الأحمدية ” القاديانية ” ؟ الفارق الرئيس بيننا وبينهم هو هذه الآية , فنحن نقول أن خاتم بمعنى الزينة والأخير , و هم يقولون أن لفظة ” خاتم ” إذا جاءت مضافة إلى جمع العقلاء فهي تعني الزينة فقط . إذا على قولهم فالرسول هو زينة الأنبياء وأفضلهم ولكن لا مانع من مجيء نبي آخر تابع للنبي (ص) , بمعنى أنه لا يأتي بشرع جديد بل يأتي بتوضيح ما أبهم وأشكل في القرآن والسنة ويكون قوله هو القول الفصل .
6- هذا التصور لنزول المسيح و هزيمة الدجال مخالف لسنن الله في كونه , فلم و لن تكون هناك جنة على الأرض , فطالما أن هناك غل في القلوب سيكون هناك خير وشر في الدنيا , أما في الآخرة : ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر : 47] ” , أما أن نعتقد أن البشرية سيتدهور حالها ثم ينزل المسيح ويقابل المهدي المنتظر , فيغيران حال البشرية في أيام معدودات , فهذا ما لا يقبله عقل وما لا يكون إلا في الأفلام الأمريكية! فالرسول الأعظم ظل سنوات طوال لكي يغير الناس , والله يقول ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ [الرعد : 11] ” , فكيف سيغير المسيح حال هؤلاء الناس في أيام معدودات , فيصبح حالهم بهذه المثالية ؟ الملاحظ أنه لا المسيح ولا المهدي سيغير الناس وإنما سيأتون ليقاتلوا ويقتلوا , -وهذا هو التصور اليهودي لمسيحهم المقاتل – وفي هذا هما مثل أي إثنين آخرين , فكيف سيتغير الناس هكذا فجأة لمجرد رؤية رجلين ؟ الروايات لا تذكر أنهما سيعلما أو يوعظا الناس وإنما تركز على القتال ! والمدينة المنورة كان بها الرسول وكان فيها الكثير من المنافقين , أما في زمن المسيح فسينصلح كل الناس , وهذا يعني أن عيسى سيفعل ما لم يفعله أحد من البشر ولا حتى نبينا الكريم , وهذا ما لن يحدث أبدا !
7- الحديث عن الأحداث التي ستقع مع نزول المسيح وظهور المهدي تدور بطريقة بدائية حيث أن القتال يدور بالخيل والسيوف وليس هناك أي إشارة إلى وجود أسلحة غير مألوفة, و المصدقون بهذه الأحاديث يقولون : قد تحدث كارثة تؤدي إلى تخلف الأرض مرة أخرى , ويعود الناس للقتال بالسيوف والرماح . و لكن إذا نظرنا في القرآن وجدنا أنه يقول أن حال الأرض في آخر الزمان الذي يسبق الساعة والتي يفترض أن ينزل فيها المسيح والمهدي سيكون قد بلغ تطورا عظيما لا أن الأرض ستنتكس وتعود إلى التخلف , فالله تعالى يقول ” إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس : 24] ” فالآية تقول بكل صراحة أن الساعة ستقوم عندما يظن الناس أنهم أصبحوا أرباب الأرض , والمسيطرين عليها والمتحكمين فيها , وهنا فقط يأتي أمر ربك , فكيف يجتمع التخلف كما في الروايات والتقدم الهائل كما في النص القرآني ؟
8- الاعتقاد بوجود علامات كبرى للساعة ينافي المجيء المباغت للساعة , فالله تعالى يقول ” لا تأتيكم إلا بغتة ” , و لو سألت أي مسلم من المؤمنين بعودة المسيح : هل يمكن أن تقوم الساعة غدا ؟ سيقول لك : لا يمكن , لأن المسيح لم ينزل بعد , فهو في طمأنينة من قيام الساعة , على الرغم من أن الله يقول أنها ستأتي بغتة , و لكنه مطمأن أنها لن تأتي إلا بعد أشراط معينة , فما الدليل على أنه ليس من المخاطبين ب ” لا تأتيكم إلا بغتة “!!! ؟ .
9- القول ببعثة عيسى بعد موته أو أنه في السماء , والأحاديث الواردة في أفعاله العظيمات في آخر الزمان مدخل للقول بتميزه عن غيره من الأنبياء , وهذا ما لا أثر له في القرآن , فالقرآن يركز على بشرية عيسى وعدم اختلافه عن غيره من الأنبياء ليرد على دعاوى النصارى , ولكن أهل الروايات أخذوا الروايات وقبلوها وصدقوا خرافات النصارى , ومن هذا المدخل دخل النصارى , فقالوا إن المسلمين مقرون بحياة عيسى ولكنهم يجادلون في ألوهيته ! .
وأعتقد أن فيما ذكرنا الغنى والكفاية لمن يرد الهداية , أما من يبحث عن الجدال فليس لنا معه مجال , فهو يطلب منا المحال , وننتقل بك عزيزي القارئ إلى الضلع الأخير من أضلاع المثلث الخرافي وهو المهدي اللامنتظر.

 الضلع الثالث : المهدي 

بعد أن أثبتنا خرافة الضلعين الأوليين لا بد أن ينهار الثالث بداهة وحتما ولكن لما كان الناس لا يقنعون إلا بأن يروا التناقض في كل مسألة بأعينهم . ولما كانت الأحاديث حول هذه المسألة كثيرة جدا , حتى أن بعض العلماء ادعى فيها التواتر , كان لا بد من الكتابة حولها وبنفس أسلوب المكاثرة التي يتخذه بعض العلماء أدلة على صحة الشيء !, فنقول : لا بد أن ينتبه القارئ أن الحديث في هذا العنصر سيكون عن مهديين إثنين : مهدي السنة ومهدي الشيعة, وأن كل مهدي مروي فيه وفي فضله وصفاته الكثير من الأحاديث , فعندنا في أهل السنة حوالي خمسين حديثا , وعند الشيعة ما يزيد على خمسة آلاف رواية ! وكل فرقة من الفرقتين ترفض مهدي الآخر وترى أنه خرافة كبيرة ما أنزل الله بها من سلطان , وتضعف كل الأحاديث الواردة فيه , وتردها عقلا ونقلا . والواقع أن كلا الفريقين مصيب في نقده ونقضه لمهدي الفريق الآخر , فمهدي السنة مثل مهدي الشيعة كلاهما وليد خرافة نمت و تشعبت . وقبل أن نبدأ الحديث عن هذه المسألة نوضح للقارئ أن الإيمان بالمهدي من العقائد المستحدثة والتي أدخلت وصنفت ضمن العقائد في المراحل المتأخرة المتخلفة , والتي أخذت على عاتقها جمع كل ما ذكر في الكتب وتصنيفه ضمن العقائد ! فلم تذكر هذه العقيدة مثل كثير من العقائد في كتب السابقين , ونذكر للقارئ بعضا ممن أنكر المهدي من قدامى العلماء ليعرف أن المسألة ليست محدثة , – فقرآنا لا يصدقون إلا الشيوخ القدامى : تأخر إدراج المهدي في العقائد :  الإيمان بالمهدي لم يذكره الإمام أحمد في العقائد وأول من ذكره في كتب العقائد هو الإمام السفاريني المتوفى عام 1188هجرية[1], ورد عليه العلامة عبدالقادر بدران في العقود الياقوتية بقوله : ” لم نرَ أحدا قال به من المحققين لا من أصحابنا ولا من غيرهم ، ولكن بعض المصنفين قلد من ألف في الوعظ والترهيب وذكر أشراط الساعة ، فجعلوا قسم السمعيات من كتب العقائد وعظا وترهيبا ، فخلطوا بذلك على العوام وعلى ذلك درج السفاريني في عقيدته وشرحها فكان كحاطب ليل”  وقال :  ” ثم إن قول الشيخ السفاريني: (فالإيمان بخروج المهديواجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة) دعوى لا دليل عليها، بل الأمر بالعكس! لأننا راجعنا كثيراً من كتب عقائد أهل السنة والجماعة من المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين فلم نجد أحداً منهم ذكر أنه يجب الاعتقاد بخروج المهدي. ومن ذكره منهم فإنما يذكره استطراداً في الكلام على أشراط الساعة، وهذه كتب الحنابلة بأجمعها، وهذه عيون كتبالأشاعرة والماتريدية كـ “المواقف” وشرحها، والمقاصد وشرحها، وشرح السنوسية والجوهرة وغير ذلك مما هو معروف ومتداول بالأيدي ” اهـ .و لم يدخلها علماء السنة في عقائدهم كشيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله : الواسطية و الأصفهانية و السبعينية ، التسعينية ، و لم تذكر في عقيدة الطحاوية و شرحها ولا في عقيدة ابن قدامة ، و لا في الإبانة في أصول الديانة للأشعري . ومن الذين أنكرو المهدي: الحافظ أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجورقاني الهمذاني (ت 543هـ) في كتابه : (الأباطيل والمناكير، والصحاح والمشاهير)  .والحافظ أبو الفرج ابن الجوزي (ت 597هـ) في كتابه العلل المتناهية فـي الأحاديث الواهية.  ومنهم العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1379هـ) في كتابه : ” تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة” قال فيه: ” إنه – أي المهدي – ليس مما يتعين على المسلمين العلم به واعتقاده… وإنما يكون من المسائل التي تندرج تحت توسيع المعارف الإسلامية ” . وبعد أن أورد ثمانية أحاديث مما اختلف أهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، دون ما اتفقوا على ضعفه خلص إلى أن أحاديث المهدي كلها لم تستوف شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحديث الحسن، فتكون جميعها من قسم الحديث الضعيف. ثم قال: ” هذا حال أمثل الروايات في شأن المهدي، وخلاصة القول فيها من جهة النظر أنها مستبعدة مسترابة، وإننا لو سلمنا جدلاً بارتفاعها عن رتبة الضعف فإننا لا نستثمر منها عقيدة لازمة ولا مأمورات مندوبة، بَلْهَ الجازمة”. وقال: ” لو كانت أحاديث المهدي من الصحة في الموضع الذي يذكرونه من تواترها وشهرتها لما فات جميعها أو بعضها الإمامين الجليلين البخاري ومسلماً اللذين

جمعا في صحيحيهما حتى كيفية الأكل والشرب والاضطجاع والسواك والحديث عن خف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحو ذلك من أمور جزئية في الحياة. “, وكذلك أنكره العلامة بن خلدون وأرجع الفكرة إلى أصول يهودية والعلامة ابن حزم الظاهري وقال إن المهدي اختراع فارسي وكذلك أنكره الشيخ رشيد رضا والشيخ حسن البنا وإن كانا حديثين نوعا ما وكثير من المفكرين وبعض أهل الحديث في العصر الحديث .

وبعد الحديث عن استحداث عقيدة المهدي وأنها ليست من أصول الدين ولا من قديم العقائد ! نبدأ بحديثنا عن المهدي : هل للمهدي وجود في القرآن إو إشارة له ولظهوره ؟ لا يوجد أي إشارة من قريب أو بعيد إلى هذا المهدي المقاتل , والقرآن منه خال , لأن القرآن كتاب واقعي لا  يذكر أمثال هذه الأساطير والأوهام التي تناقض العقل والمنطق والواقع التاريخي . نعود فنسأل : من هو المهدي ؟

لخص العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه » المنار المنيف في الصحيح و الضعيف « الأقوال في المهدي فقال : ” اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :

أحدها : أنه المسيح ابن مريم ، و هو المهدي على الحقيقة .

الثاني : أنه المهدي بن المنصور ، الذي ولي من بني العباس ، و قد انتهى زمانه .

الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان . و أكثر الأحاديث على هذا .

الرابع : قول الإمامية ، و أنه محمد بن الحسن العسكري . ” اهـ

فإذا كان هذا الخلاف موجودا في شخصية المهدي , يحق لنا أن نسأل :

 ما هو مبدأ ظهور شخصية المهدي ؟

أول استعمال لكلمة المهدي كان من شاعر الرسول حسان بن ثابت في رثائه للنبي (ص) حيث قال : ما باُلعَيْـِنكَ لا تَــنامُ كأنَّـما    كُحِلَتْ مآقيها بِكُحْلِالأرْمَـــــدِ جَزعاً على المَهْـدِيِّ أصبح ثاويـاً   يا خَيْر مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعَــــدِ جَنْبي يَقيكَ التُّرْبَ لَهْفي لَيْـتَنـي   غُيِّبْتُ قبْلَكَ في بَقيـع الغَرْقَــــدِ بأبي وأُمي مَنْ شَهِدْتُ وفاتـــهُ             في يـوْمِ الاثنين النَّبِيُّ الـمـُهْتدي

فالنبي المصطفى هو المهدي الحقيقي والمجازي وبكل أنواع الكلام ولا مهدي سواه , لأنه كما وصفه القرآن يهدي إلى صراط مستقيم وهو نفسه على صراط مستقيم , لذلك فهو مهدي . أما ذلك المنقذ الوهمي الذي اخترعوه , ووجدنا له شبيها في كل الديانات فليس مهديا إلا كما هُدي غيره من الناس , هداية لا تسبب إلزاما لغيره ! فلماذا استحق هذا اللقب بمفرده , وما علامة تميزه ؟ وهل هو بهذا اللقب من المعصومين الذين لا يخطأون ؟ أم أنه بشر عادي مثلنا يخطأ ويصيب , يعصي ويأوب ؟ و لأن خرافة المنقذ المنتظر لها جذور متأصلة عند كل الشعوب تقريبا , وبدأت على حد علمنا في الديانة السماوية الإسلام مع اليهود عندما حلموا بقدوم مسيح مقاتل يحررهم من الظلم والاستعباد البابليين الذين قصما ظهروهم وأذلوا جباههم واستباحوا نساءهم , إلخ ألوان الذل , فحلموا بمحرر جبار مقاتل يهزم الأعداء بقوة خارقة لا ينهض أحد لقتاله , وانتقلت هذه الأسطورة إلى المسيحين ومن المسيحين إلى المسلمين , وعندما ظهرت هذه الخرافة في الديانة الإسلامية في مرحلتها الأخيرة كان عليها أن تكتسي بالثياب الإسلامية , و كان خير كسوة لها أن ينسب المهدي إلى بيت النبي (ص) , و لأن هذه العقيدة لا أساس لها في كتاب الله لفقت الأخبار وألصقت على لسان العديد من الصحابة حتى لا ينازع أحد في ثبوت هذا المهدي ومجيئه , ومن هؤلاء الصحابة :

(1)  عثمان بن عفان، (2) علي بن أبي طالب، (3) عبد الرحمن بن عوف،(4) طلحة بن عبيد الله، (5) الحسين بن علي بن أبي طالب، (6) عائشة، (7) حفصة، (8( أم سلمة، (9) أم حبيبة، (10) صفية بنت حُيَِيْ، (11) عبد الله بن عباس، (12) عبد الله بن مسعود، (13) عبد الله بن عمر بن الخطاب، (14) عبد الله بن عمرو بن العاص، (15) أبو سعيد الخدري، (16) جابر بن عبد الله (17) عمار بن ياسر، (18(أنس بن مالك، (19) عوف بن مالك، (20) معاوية بن أبي سفيان، (21) ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (22) حذيفة بن اليمان. هذا بخلاف أقوال التابعين إما كمراسيل – أي هي من أقوال النبي ولكن بدون ذكر الصحابي- أو من أقوالهم أنفسهم . ونظرا لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة فقد ادعى بعض العلماء تواتر هذه الأحاديث وألفوا في ذلك الكتب , وفي هذا يقول الأستاذ محمد عمراني : ” وأفردها آخرون بالتأليف، بل وادّعى لها التواتر! آخرون أمثال: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني ( 1172 ~ 1255 هـ/1839 م )  في كتاب ” التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر!، والدجال، والمسيح  . أبي خيثمة، زهير بن حرب النسائي، نزيل بغداد ( 160 ~ 238 ). ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته ولم يصلنا.   أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336-430)هـ  في كتاب: “المهدي”، . يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي ( من علماء القرن السابع ) في كتاب: ” عقدُ الدُّرر في أخبار المنتظر “. أبي عبد الله، شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي الشهير بلقب: ابن قيِّم الجَوْزِيَّة ( 691 ~ 751 هـ ) في: ” المنار المنيف في الصحيح والضعيف” كفتوى أجاب فيها عن سؤال ورد إليه عن خبر: ” لا مهدي إلا عيسى بن مريم “، أبي الفداء، إسماعيل بن كثير الدمشقي ( 701 ~ 774) هـ في كتاب: ” الفتن والملاحم”، أبي الحسن، نور الدين، علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي ( 735 ~ 807 هـ ) في جزئه السابع من ” مجمع الزوائد ونبع الفوائد” : (باب ما جاء في المهدي) مستعرضاً لها ولرجال سندها في باقي الأصول التي أوردتها. وكذلك خصص باباً للمهدي في كتابه: ” موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان” وهي الزيادات التي أضافها الهيثمي على ما أورده الحافظ أبو حاتم، محمد (ابن حبان) بن أحمد البُسْتي ( ت: 354 هـ ) في كتابه : ” التقاسيم والأنواع” وخص الهيثمي ذلك بعنوان: ” باب ما جاء في المهدي”.  7.  أبي الفضل، شهاب الدين، أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي المصري ( 794 ~ 852 هـ ) في كتاب” القول المختصر في علامات المهدي المنتظر  “. جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 849 ~ 911 هـ ) في رسالة سماها: ” العرف الوردي في أخبار المهدي”، حيث لخص فيه الأربعين أثراً التي أوردها أبو نعيم وأضاف لها زيادات إلى أن بلغت ما ينيف عن 236 خبراً معْزُوَّةً إلى من رواها من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين وإلى من خرجها في كتابه، دون ذكر السند كله. والرسالة توجد ضمن كتابه: ” الحاوي للفتاوِي” وهو أشملها. وكل من جاءوا بعده عالة عليه فيما جمع منها .  علاء الدين، علي المتقي بن حسام الدين الهندي البًرْهانفوري ( ت 975 :هـ ) في كتاب: ” كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال”: “خروج المهدي”،  وغير هؤلاء، ممن جاءوا بعدهم، ممن أدخلوا هذه الأخبار تصنيفاتهم دون أن يضيفوا جديداً إلى الموضوع. ” اهـ

ولا يغرن القارئ هذه الكثرة فليس معنى ورود الأحاديث عن أربعين صحابيا أنها وردت عنهم من أربعين طريقا , فقد يرد الحديث عن عشرة من الصحابة ويكون من طريق واحد فقط فلا عبرة بالعشرة والعبرة بهذا الواحد . وهنا يحق لنا أن نسأل :    هل الأحاديث الواردة في هذا الباب بهذا الحجم فعلا أم أنها من باب المكاثرة ؟

يجيب فضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود فيقول :

” إن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء ، فطائفة أنكروها مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء ، كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان. و منها : أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري و مسلم ، و لم يدخلاها في كتبهما ، مع رواجها في زمنها ، و ما ذاك إلا لعدم ثباتها عندهما ، كما أنه ليس للمهدي ذكر في القرآن ، مما يقلل الاحتفال بها .و منها : تناقض هذه الأحاديث و تعارضها في موضوعها ، فمهدي اسمه اسم الرسول، اسم أبيه اسم أبيه ، و مهدي اسمه أبو عبد الله ، و مهدي يشبه الرسول في الخلق ، و لا يشبهه في الخلق ، و مهدي يصلحه الله في ليلة ، و رجل يخرج هاربا من المدينة إلى مكة ، فيبايع له بين الركن و المقام و رجل اسمه بن حران ، يوطئ أو يمكن لآل محمد ، و رجل يخرج من وراء النهر ، و رجل يبايع له بعد وقوع فتنة عند موت خليفة ، و رجل أخواله كلب ، و تأتيه الرايات السود من قبل العراق ، و أبدال الشام ، و مهدي يصلي عيسى بن مريم خلفه ، و مهدي يقال له بحضرة نبي الله عيسى : صل أيها الأمير ، فيقول : كل إنسان أمير نفسه ، تكرمة الله لهذه الأمة. فهذه و ما هو أكثر منها ، مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله ، و أنها لم تخرج من مشكاة نبوته ، وليست من كلامه ، فلا يجوز النظر فيها، فضلا عن تصديقها .

ثم إن عادة العلماء المحدثين و الفقهاء المتقدمين ، أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث و القول على علاته ، تقليدا لمن سبقه ، كما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد ، فينقلها ، ثم يردها إليه ذكر ذلك في ترجمة ابن سعد ، و كان الشافعي يقول للإمام أحمد : إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلى حتى أثبته في كتابي ، و كذلك سائر علماء كل عصر ، ينقل بعضهم عن بعض ، فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى رأينا أحاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبي داود كالترمذي و ابن ماجه ، لخروج الحديث من كتاب، إلى مائة كتاب ، و انتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم ، لكون الناس مقلدة ، و قليل منهم المحققون المجتهدون . …… اعلم أن أحاديث المهدي تدور بين ما يزعمونه صحيحا و ليس بصريح ، و بين ما يزعمونه صريحا و ليس بصحيح ، و أننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا صريحا يعتمد عليه في تسمية المهدي ، و أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم فيه باسمه . “[2]

ضعف روايات المهدي :

ولقد أثبت ضعف روايات المهدي كلها بعض المحدثين مثل الأستاذ محمد عمراني في كتابه : المهدي اللامنتظر لا عند اليهود ولا عند الشيعة ولا عند السنة ولا عند والبرتغال , وأتى على هذه الأسطورة من جذورها , فلقد ناقش فكرة المهدوية في الحضارات المختلفة , وكيف أنها تصبغ في كل حضارة بما يناسبها فتتمظهر بالمظهر الجديد , وناقش الأسباب التاريخية السياسية لظهور فكرة المهدي عندنا في الإسلام , والأهم من كل هذا هو مناقشته لأسانيد الأحاديث الواردة في المسألة , لأنك لو أتيت أهل الحديث بتراب الأرض أدلة على بطلان الحديث بدون أن تنقد السند فليس قولك بشيء , وقد ترمى بالضلال والزيغ, وناقش الأحاديث وأثبت ضعفها سندا ووضعها متنا. وكذلك ناقش روايات المهدي وأثبت ضعفها الأستاذ المحدث عداب محمود الحمش في كتابه : “المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية دراسة حديثية نقدية “, وأثبت في هذا الكتاب بطلان هذه الروايات وضعفها , وخرج من بحثه للأحاديث الواردة عن المهدي عند أهل السنة بالنتائج التالية :

1ـ الأحاديث الموضوعة التي ذكر فيها المهدي صراحة عشرة أحاديث لم يبلغ درجة

 الاحتجاج منها شيء.

2ـ الأحاديث المرفوعة غير المصرحة بالمهدي لا يصح حملها على المهدي.

3ـ الآثار الموقوفة على الصحابة المصرحة بالمهدي لم يصح منها شيء.

و ناقش المؤلف الشيعة في المهدي والذي هو عندهم من أصول الدين؛ فوجد أنهم يحتجون بـ :5303 حديث , ولاستحالة مناقشة هذا العدد من الروايات اقتصر المؤلف على مناقشة روايات ولادته بحيث إذا ثبت ضعف وبطلان روايات ولادته ووجوده؛ فما قيمة روايات من رآه أو كلّمه ؟ وعندما أثبت ضعفها خلص إلى بطلانه أيضا عند الشيعة .

وحتى يكون القارئ على بينة من أمره في أن خرافة المهدي هذه كانت مرتبطة بالظروف السياسية في العصر الأموي والعباسي ومرتبطة بالصراع العلوي العباسي تحديدا , وأنها كانت فكرة هلامية غير محددة المعالم , وأن كل من الفريقين كان يضع الأحاديث ليثبت صفه نذكر للقارئ عددا من  ” المهادي ” الذين قيل بهم ودُعي إليهم عند الشيعة :

المهادي عند الشيعة :

1-    علي بن أبي طالب رضي الله عنه,  عند السبئية الذين زعموا أن عليا هو الإله ! ولما استشهد علي رضي الله عنه زعم بن سبأ أنه لم يمت وأن بن ملجم إنما قتل شيطانا تصور بصورة علي , وأنه مختف في السحاب وأن الرعد صوته والبرق سوطه , وأنه ينزل إلى الأرض بعد هذا ويملأها عدلا وينتقم من أعدائه .         2- محمد ابن الحنفية عند فرقة الكيسانية هو المهدي المنتظر والذي يفعل كذا وكذا. 3- محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب , قالت فرقه : هو حي لم يمت مقيم في جبل يقال له ” العلمية “، فهو عندهم مقيم فيه حتى يخرج.

2-      الإمام محمد الباقر و اتباعه الباقرية يرون أنه لم يمت وهو المهدي المنتظر!!

.

5-  محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن, الذي خرج بالمدينة . 6- المغيرة بن سعيد العجلى وذلك أنه لما قتل المغيرة اختلف اصحابه فمنهم من قال بانتظاره ورجعته ومنهم من قال أنهم ينتظرون رجعة محمد النفس الزكية الذي لم يمت قبله!7- جعفر بن محمد الصادق عليه السلام, قالت فرقته : إن جعفر بن محمد حي لم يمت و لا يموت حتى يظهر و يلي أمر الناس، و هو القائم المهدي، و روت عنه فرقة الناووسية أنه قال: إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فإني أنا صاحبكم!!8- إسماعيل بن جعفر، أنكرت فرقة موت إسماعيل في حياة أبيه، و قالوا كان ذلك على سبيل التقية والتعمية على الناس لأنه خاففغيَّبَه عنهم، و زعموا أن اسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض و يقوم بأمر الناس، و أنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده.

9-محمد بن إسماعيل , وفرقته المباركية : من الإسماعيلية أصحاب المبارك , يعتقدون أن الإمام بعد جعفر لابنه الأكبر إسماعيل ثمابنه محمد وهو خاتم الأئمة والمهدي المنتظر.

10- محمد بن عبد الله بن جعفر المعروف بالأفطح , قالت فرقته أن لعبد الله الأفطح ابنا ولد له من جارية يقال له محمد، و أنه تحول بعد موت أبيه إلى خراسان فهو مقيم بها و أنه حي إلى اليوم و أنه الإمام بعد أبيه .(إذا فحبكة خرافة ابن العسكري ليست جديدة) 11-  زكريا ابن محمد الباقر, و أتباعه الحاضرية : يقولون إن الامامة بعد محمد الباقر لابنه زكريا وهو مختف في جبل الحاضر لا يخرج حتى يؤذن له.                   12- موسى بن جعفر, و قد أدعت مهدويته أربع فرق من أتباعه وزعمت أنه القائم ، و أنه حي لا يموت حتى يملك شرق الأرض و غربها و يملأها كلها عدلا كما ملئت جورا و أنه القائم المهدي.

13- عبدالله بن معاويه بن جعفر ذي الجناحين  , وأتباعه الجناحية: , يزعمون أن عبدالله بن معاويه بن جعفر حي لم يمت وأنه بجبل من جبال أصبهان ينتظر الخروج كغيره !!. 14- محمد علي بن محمد بن علي بن موسى, و كان قد توفي في حياة أبيه بسر من رأى، فزعمت فرقة أنه حي لم يمت، واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه و أعلمهم أنه الإمام بعده، و الإمام لا يجوز عليه الكذب و لا يجوز البداء فيه، و إن ظهرت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة و لكن أباه خاف عليه فغيبه، وهو الإمام القائم وأنه سيخرج .. إلخ القصة. هذا ولم نذكر باقي المهادي وأهمهم طبعا محمد بن الحسن العسكري والذي لا تزال تنتظره الشيعة حتى الآن .

والنهج الذي اتبعه مؤلفي هذه الخرافة هو نهج المكاثرة وادعاء التواتر فمن كفر خرج من الملة , وهذا النهج سنجده كذلك عند الشيعة في ترسيخهم خرافة المهدي , ولنر كم من الروايات التي وردت عند الشيعة في هذه الخرافة والتي لا أصل من كلام الرسول, وسنلاحظ أن هذه الروايات متقاطعة في أحيان كثيرة مع الروايات عند أهل السنة , فليس معنى أنها روايات المهدي عند الشيعة أنها لا وجود لها عند السنة , بل سنجد لها وجود حاضرا عند السنة , والآن إلى الروايات :

 روايات المهدي عند الشيعة الإمامية :

1-  البشارة بظهوره 657 رواية .

2- أنه من أهل بيت النبي الأكرم 389 رواية .

3- انه من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام 192 رواية .

4- انه من أولاد علي 214 رواية .

5-  انه التاسع من أولاد الحسين 148 رواية .

6-  انه من أولاد الإمام زين العابدين 185 رواية .

7-  انه من أولاد الحسن العسكري 146 رواية .

8- انه يملا الأرض قسطاً وعدلاً 132 رواية .

9- أن له غيبة طويلة 91 رواية .

10- أنه يعمر عمراً طويلاً 318 رواية .

11- الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت 136 رواية .

12- الإسلام يعم العالم كله بعد ظهوره عليهم السلام 27 رواية .

13- الروايات الواردة حول ولادته 214 رواية .

ويعلق الإباضية المنكرون لهذه الخرافة بشقيها حول هذا الكم الرهيب من الروايات قائلين :

أولاً: ما مقداره ثلاثة مجلدات من هذه الروايات ليست أحاديث منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي مرويات عن (الأئمة) أي أئمة البيت العلوي، وهذه لا يشك عاقل أنها ليست وحيا سماويا، بل هي أقوال بشرية، فيمكننا استبعادها من القائمة تماماً (أي قائمة الإلزام لنا، أما قائمة المناقشة لإخواننا الشيعة فسوف ندخلها لأنهم يلتزمون بها ) ، أما العقلاء من البشر فيخضعون للوحي الإلهي، والوحي قد انقطع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أن أحداً من آل البيت العلوي قد ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: هناك خلط واضح بين الروايات الأصلية وطرقها، فتكون الرواية في كثير من الأحيان واحدة ولها طرق كثيرة جداً ، وهذه الكثرة في الطبقات العليا مصدرها واحد أو اثنين فتعود في نهاية الأمر رواية واحدة، على سبيل المثال قد يروي الرواية أبو عبدالله جعفر الصادق فيرويها عنه من تلاميذه العشرات، ويرويها عن العشرات مئات، وعن المئات آلاف فتدون على تلك الحال ، لكنها في حقيقة الأمر رواية واحدة لها طريق واحد فيأتي من لا يفهم هذه – أو يفهم- فليلبس على الناس دينهم ويقول إنها آلاف الطرق ويدعي تواترها. ( وهذه المسألة معكوسة عندنا في أهل السنة , فقد نجد الرجل الواحد في أسانيد العديد من الروايات المنسوبة إلى الكثير من الصحابة , فمن يرى الروايات يظن أنها متواترة مع انحصار طرقها في منتصف السند في طرق قليلة جدا ! )

ثالثاً: أتساءل ما هي طرق الرواية عند إخواننا الشيعة؟، من خلال تتبعنا لكتبهم الحديثية للكافي وبحار الأنوار ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار وغيرها، وجدنا أن روايتهم لا بد أن تمر من طرق آل البيت( في أغلب الأحيان ، والذي أستطيع أن أجزم به الآن أنها تتجاوز 95%)، فعلى هذا هي روايات آحادية ليس لها إلا منفذ واحد لا بد أن تمر عليه، وهم أحد آل البيت العلوي، وليست متواترة (وفق أساسيات علم الحديث الكلاسيكي)، فنستطيع بعد هذا أن نخفض من عدد الروايات بمقدار يصل إلى آلاف الروايات، ونستطيع أن نجعلها كلها طريقاً واحداً ، على سبيل المثال طريق أبي عبدالله جعفر الصادق.

فبمثل هذا النهج المكاثر لدى الشيعة تضخمت روايات المهدي عندنا في أهل السنة وتشنج من أجلها المتأخرون , لأن من يرد هذه الروايات فهو يهدم بيضة الإسلام , وهم الذابون عنها في مواجهة المشككين في الدين . وبغض النظر عن الطعن في الآخرين نأخذك عزيزي القارئ معنا في جولة لتعلم أن المهدي شخصية هلامية , جمعت الروايات الواردة فيه والمتناقضة والتي تسقط بعضها لتكون في نهاية المطاف شخصية من تركيب أهل الحديث للصفات الواردة في الروايات المختلفة ليظهروا في آخر المطاف بمهدي واحد لا خلاف فيه:

المهادي :

هناك مهدي اسمه يوافق اسم رسول الله واسم أبيه يوافق اسم أبي الرسول , إذا فهناك مهدي اسمه محمد بن عبدالله .

وهناك مهدي اسمه السفاح , كما جاء عند نعيم بن حماد وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم في بعض الروايات : ” يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، يكون عطاؤه حثياً، يقال له السفاح “

وهناك مهدي اسمه أحمد بن عبدالله , كما جاء في بعض الروايات : ”  فإذا كان ذلك نادى مناد من السماء: ألا أيها الناس : إن اللهقطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم ووليكم خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالحقوا بمكة فإنه المهدي واسمه ( أحمد بن عبدالله ) ….. “

وهناك مهدي اسمه المنصور , كما عند ابن حماد في الفتن : ” المنصور مهدي يصلي عليه أهل والسماء الأرض ، وطير السماء ، يبتدي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفين معه كلهم وصاحب راية. ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم منها ” .

وهناك مهدي من نسل العباس عم النبي , كما جاء عند أبي نعيم في الحلية : ” يا عباس ، قال: لبيك يا رسول الله ، فقال: يا عم النبي إن الله ابتدأ بي الإسلام، وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم لعيسى بن مريم “

وهناك مهدي هو عيسى بن مريم , كما جاء عند ابن ماجه ” ….. ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ” .

وهناك مهدي عربي اللون , إسرائيلي الجسم , كما جاء  في وصفه عند أحمد وابن ماجه :

 “اللون عربي والجسم جسم إسرائيلي “[3]

وهناك مهدي من بني إسرائيل , كما جاء عند نعيم بن حماد : ” أنه رجل من بني إسرائيل” . وهناك مهدي من أهل البيت ولكنه سيحكم بحكومة آل داود , كما جاء في الرواية : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ” لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود ولا يُسأل بيّنة ، يعطي كل نفس حقها ” , وهناك مهدي حسني النسب وآخر حسيني وآخر هاشمي وآخرون , فلكل فرع مهديه !, ونعطيك ملخصا بالمهادي :

1 – مهدي يخرج من إثني عشر خليفة يستقيم بهم الدين. روى أبو داود في سننه عن جابر بم سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة . ثم قال كلمة فقلت لأبي ما قال ؟ قال: كلهم من قريش ” على فرض صحة الحديث , أين المهدي ؟ الرسول يتكلم عن خلفاء لا عن مهدي , والعجيب أن الشيعة يستدلون بنفس الحديث على الأئمة , والحديث لا علاقة له لا بهؤلاء ولا هؤلاء , وليس هو صحيح من المبتدأ بل هو من الموضوعات !

2 – ومهدي استخرجوه من الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورا. ” الحديث على فرض صحته يتكلم عن حاكم صالح في آخر الزمان , فأين المهدي في الموضوع  , ثم إن الحديث واضح التشيع , فالحديث عن على و هو يقول ” منا”! أي من آل البيت !

3 –    ومهدي استخرجوه من الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المهدي منى أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، يمكث في الأرض سبع سنين . ” نعم الوصف والتحديد ! أجلى الجبهة أقنى الأنف ! كم ألف ألف واحد ينطبق عليه الوصف ؟!

4 –    ومهدي استخرجوه من الحديث الذي رواه أبو داود عن أم سلمة , و فيه يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم :  “المهدي من عترتي ، ومن ولد فاطمة. ” والحديث ضعيف .

5 – ومهدي يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة إلى مكة ، فيبايعونه بين الركن والمقام . استنادا إلى ما رواه أبوداود عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام ، فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام ، و عصائب أهل العراق ، فيبايعونه ، ثم ينشأ رجلمن قريش ، أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً ، فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب ، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب ، أو قال: بيعة كلب ، فيقسم المال ، ويعمل في الناس بسنة نبيه ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ، ثم يتوفى ، ويصلى عليه المسلمون . ” . وبعد قراءة هذا الحديث أفكر : ما فائدة هذا الحديث وما هو الخبر الذي يقدمه لنا , فهو يبدأ بالإخبار عن حصول اختلاف عن موت خليفة ! هذا طبيعي , ثم يخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة , من الرجل ولماذا هرب من المدينة إلى مكة ؟! فيأتيه ناس من أهل مكة , من هم هؤلاء الناس ولماذا أتوه ؟ ومن أين يخرجونه وهو كاره ولماذا هو كاره ماذا ؟ وما معنى أن ينشأ رجل من قريش ؟ وهل هذا الرجل هو المهدي أم أنه الرجل السابق الذي فر وبويع وهو كاره . العجيب أن هذا الحديث قدم مهديين وليس مهديا واحدا , ولكنهما مبهمان فليس في الحديث وصف واحد يجدي في التعرف عليهما , لا قدم وصفا واحدا مميزا هو أن المسلمين سيصلون عليه !

6 – و مهدي يخرج من وراء النهر يقال له : الحارث بن حران ، وعلي مقدمته رجل يقال له: منصور ، يُمكّن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم .استنادا إلى ما رواه أبو داود بسنده إلى علي بن ألي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : » يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حران على مقدمة رجل يقال له: منصور ، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت على كل مؤمن نصرته أو قال: إجابته «

7 ـ     و مهدي يُصلح في ليلة , استنادا إلى ما رواه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه : قال رسول الله : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة .

8 ـ     ومهدي قال فيه رسول الله : إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، و إن أهل بيتي سيلقون ذلا و تشريدا من بعدي حتى يأتي قوم من المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الحق فلا يعطونه .

9 ـ ومهدي هو عيسى بن مريم, استنادا إلى ما رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحاً ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، وما المهدي إلا عيسى بن مريم. “

بأمثال هذه الروايات العامة المبهمة الغير صحيحة أدخل الإيمان بالمهدي في دين الله عزوجل . والملاحظ في هذه الروايات التحديد الشديد لشخصية المهدي , فهناك بعض الروايات تذكر اسما واحدا للمهدي وهناك منها ما يذكر اسمه واسم قائده كذلك … إلخ تلكم الأوصاف المرتبطة بحوادث تاريخية معروفة في زمانها . والعجيب أن السادة علماء الحديث يدافعون عن هذه الأحاديث على الرغم من تاريخانياتها الواضحة , فهناك رايات سود , ونسألهم لمن في التاريخ كانت الرايات السود ؟  وهناك مهدي اسمه المنصور وآخر اسمه السفاح ونسألهم : ألم يكن هناك بعض الخلفاء يحملون هذه الأسماء ؟ وبغض النظر عن كل هذا فإننا لا نزال نرى في الروايات ذلك التصور اليهودي للمنتظر الذي يصلح كل شيء بحد السيف , والذي يغير وجه الأرض في أيام معدودات . وما قيل في نزول عيسى بن مريم ومناقضته لأصول الدين يقال هنا . إن الإصلاح والتغيير الواقعيين يحتاجان إلى أيام وشهور وسنين بل ومن الممكن أن يحتاج إلى عشرات السنين , أما أن ينصلح شأن الأمة بين ليلة وضحاها لمجرد وقوع بعض الحروب وانتصارات للمسلمين فلم ولن يحدث بأي حال . إن المدينة الفاضلة لا تحدث بين ليلة وضحاها وإنما نتيجة لغرس طويل مستمر للقيم والأخلاق وبذلك نخرج أجيالا من المهادي السوبرمان , أما ذلك التصور الوهمي المهدوي فهو تصور خرافي مصادم للواقع ولحال الناس وللقرآن . ولست أدري صراحة لم سمي مهديا , الأولى أن يسمى السفاح كما جاء في بعض الروايات فهو لم يأت إلا بالقتل , كما رووا في تلك الرواية المزعومة عند ابن حبان أن الرسول الرحمة قال لقريش : لقد جئتكم بالذبح ! فهذا الرجل جاء بالتقتيل لا بالحوار والدعوة فكيف يصير مهديا ؟ الله وحده أعلم . ونظرا لأن اللفظ لا مقابل له على أرض الواقع جاءت بعض الروايات التي تبرر لم سمي مهديا , فقالت لأنه يُهدى إلى جبل فيستخرج التوراة فيحكم بها وقيل وقيل  ولكن لا دليل واحد صريح في المسألة من بابها .

نقض فكرة المهدي :

انتقد كثير من العلماء والمفكرين فكرة المهدي , وقام بعض شيوخ الحديث بنقض أسانيدها في كتب كاملة وأثبتوا ضعفها, فمن أراد البحث في الأسانيد وأحوال الرجال فليرجع إلى تلك الكتب, أما هنا فليس غايتنا إثبات ضعف الأحاديث سندا , وإنما اجتثاث هذه الخرافة من أصولها ليعلم القارئ أن هذه الخرافة أدخلت في دين الله عزوجل وأنها ما أنزل الله بها من سلطان , وكما نقضنا فكرة نزول المسيح أو بعثه سننقض فكرة خروج المهدي من السرداب أو ولادة مهدي يهدي الأمة :

أول شيء نلاحظه أن لا ذكر للمهدي في القرآن بتاتا ولا إشارة إليه , وهذا وحده أكثر من كاف لإسقاطه من العقائد , فالعقائد لا تذكر إلا صراحة في القرآن لأنه ليس فيها إجمال أو إشارات كما يأتي في بعض الأحكام الفقهية أو الأوصاف العلمية , أما العقائد فواضحة صراح لا لبس فيها . وإذا غضضنا الطرف عن عدم ذكر القرآن للمهدي هل ذكر القرآن أي إشارة لعصر وردي مثل عصر المهدي المزعوم ؟ لا توجد أي إشارة إلى عصر وردي يسيطر فيه الحق بل يقول القرآن أنه لن يحدث أن يصبح المسلمون هم أكثر سكان العالم , وسيظل أكثر الناس غير مومنين ” وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ” , وإذا كان أكثر الناس غير مؤمنين فلا بد أن يكون هناك صراع بين الخير والشر , بين الكفر والإيمان . كما أنه لا بد من وجود تدافع بين الناس ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ” , فالقرآن يلغي من فكر الناس ذلك المجتمع الطوباوي ويعلمهم أن الحياة واقع يختلط فيه الخير بالشر , بل ويختلطان داخل الإنسان الواحد نفسه , لذا لا مدينة فاضلة على الأرض إلا في أحلام وأوهام البسطاء والفلاسفة لذلك لن تملأ الأرض أبدا عدلا كما ملئت جورا ! وكثيرا ما نقرأ وخاصة في كتابات الشيعة عن ضرورة المهدي وأنه من تمام الإيمان بالله ومن ضروريات إكمال الغرض من خلق الإنسان على وجه الأرض ! ونقرأ كلاما إنشائيا جميلا , ولكن يحق لنا أن نتساءل : هل هذا المهدي مبعوث من عند الله , أي أنه بعبارة أخرى نبي تابع يشبه الميرزا غلام أحمد أم أنه مجرد رجل صالح ؟ سيجيب الجميع : بل هو مجرد رجل صالح . نقول : على تصوركم هذا فلقد سبق الرجل الصالح أنبياء الله كلهم أولا وآخر , وهو وإن كان الأخير زمانه فقد أتى بما لم تأت به الأوائل من الأنبياء , ويثبت أن الأنبياء لم يؤدوا واجبهم كما ينبغي , أو أن الله لم ينصر أنبياؤه النصرة الكافية . فإذا نحن نظرنا إلى حال الأنبياء سنجد أن النبي كان يبعث إلى قوم قليل عددهم في مجتمع بدائي – وليس متخلفا – بسيط , فيدعوهم إلى عبادة الله وترك شين الأعمال , فيؤمن به بعض من قومه , ويناله الاضطهاد والتعذيب والأذى من آخرين بل ومنهم من قُتل في سبيل الله , وهكذا يظل النبي يدعوا قومه حتى تأتيه المنية فيقوم أتباعه بحمل رسالته من بعده ويعملون على نشرها , ودعوى كل نبي انتشرت حسب اجتهاد أتباعه وإيمانهم برسالته , وهذه سنة الله التي ما تخلفت مع نبي واحد . فإذا نحن نظرنا في حال السيد المهدي فسنجد أنه سيخرج في مجتمع تعقدت أدواته وكثرت علاته وتشعب البشر فيه تشعب الدغل , فيصلح حال الناس كلهم – مؤمنهم وكافرهم أو لا يبقى كافر من الأصل ! فيكون القرآن كاذبا – في أيام معدودات أو شهور قليلات ولا يصيبه أذى أو ضرر ويظل يحكم بالعدل سنين سبعا أو تسعا . ويحق لنا أن نقول في هذه الحالة أن هذا المهدي أكرم على الله من أنبياءه ومن كل خلقه , حتى أنه خرق له سننه وأمنه من خلقه تأمينا لم يؤمنه لنبي قبله , فنخرج من هذا أن المهدي أفضل من كل الأنبياء والرسل أو أن الله ما أيد الأنبياء السابقين كما ينبغي ! كما نخرج من فكرة المهدي أن الله يُعلم الناس أنه لا صلاح لهم إلا بمبعوث يبعثه الله فيقاتل الناس فيهتدي الآخرون ( معادلة رياضية جديدة : قتال + سفك دماء = هداية ) , فبدلا من أن يكون عالما ربانيا لا مثيل له , يكون مقاتلا فذا لا نظير له , ولا تذكر الروايات كيف ينصلح حال الناس مع المهدي والمسيح وآليات الإصلاح الجبارة التي تصلح الناس والتي لم تعط لنبي سابق حتى أن الكوكب كله لم ينصلح مع الرسول ! وتعيش الأرض في بلهنية من العيش لم تنعم بها من قبل . فإذا نحن انتقلنا إلى النعيم والبلهنية التي سيقدمها لنا المسيح والمهدي سنجد أن كثيرا من سكان الأرض تجاوزوها منذ زمن طويل , فالنعيم المذكور في الأحاديث كان تصور واضعي الروايات للنعيم , فما كان يخطر ببال أحدهم أنه سيكون هناك طائرات وقطارات وخلاطات وعصائر وأنواع من السكاكر والحلويات يستطيع الفقير أن يصل لها بكل سهولة , وما كانوا يتخيلون متعة اسمها تلفاز أو شبكة معلوماتية – أعدها أنا من أكبر نعم الله على خلقه بعد الإسلام ! -, فكان النعيم في تصورهم تصورا خرافيا وهميا يضخم الأمور ويعطيها هي والرمان ! حجما أكبر من حجمها الطبيعي .

كما نخرج من هذه التصورات بأن هذا المهدي حتمية دينية إسلامية لا بد من تحققها قبل القيامة, بدليل الحديث الذي يقول أنه لو لم يبق في الدنيا إلا يوم لأطاله الله من أجل أن يلي ذلك المهدي ! – وهذا الحديث التشاؤمي ناسف للأحاديث التي تحدد مدة حكمه بسبع أو تسع سنين !- , ويحق لنا أن نسأل : لم هو حتم ولزام أن يملك واحد من ذرية النبي المصطفى قبل قيام الساعة ؟ نقول إن سبب ورود الرواية لا تخرج عن احتمالين : الأول : أن ذلك كان نوعا من رفع الروح المعنوية عند الشيعة ومن أحلامهم بعودة الملك إليهم بعد ضياعه , وهو الاحتمال الذي أرجحه . والاحتمال الثاني : أنه تصور ذو أصل يهودي , وهو قد لا يكون معلوما إلا لدارسي مقارنة الأديان , وهو أن هناك تصورا يقول أن النبي (ص) لم يؤت الملك وإنما أوتي النبوة فقط , فلا بد لكي يتحقق الملك في دين الإسلام أن يخرج من نسل الرسول من يحكم ويملك . وهذا يعني أن الرسول لم يكن ملكا , وهذا مرفوض بداهة! , فالرسول كان ملكا بل هو أجل وأعظم ملوك الأرض وقدم للبشرية النموذج الصالح للمجتمع المثالي المتمثل في الصحابة , ولكن اليهود شوهوا هذا التصور. ونعود فنسأل مرة أخرى : لماذا لا بد أن يخرج من نسل الرسول من يحكم ؟ لا أجد ولا يجد أي إنسان تبريرا معقولا لحتمية خروج من يحكم من نسل الرسول – هذا إذا استطعنا التأكد في زمننا هذا والأزمنة القادمة التي ستتخلف فيها الأرض ! وتضيع الوثائق وتندثر الحضارة فيظهر المثلث الخرافي الدجال وينزل المسيح ويأتي المهدي أن المهدي من نسل الرسول ! – . فالحاكم الصالح يكون من نسل الرسول ويكون من غيره , أما إذا كانت الرواية تطبخ في وقت يُتصارع فيه على السلطة قريب من الرسول معلوم فيه أنساب الناس ولا يستطيع أحد أن يزور نسبه وينسب نفسه إلى الرسول[4] فلا بأس أبدا من القول بذلك .

والعجيب أن أهل السنة ينكرون على الشيعة قولهم بالنص على الإمام وهم يقولون به , فهم يرون أن المهدي حاكم مبعوث من عند الله, وهذه النظرية هادمة لمبدأ الشورى تماما كما هدمه الشيعة الأواخر.

والبحث منقول عن الحسن السقّاف كما أوردنا وقد تاهت عنّا منه بعض الكلمات في آخره، فهو منقوص شيئا قليلا ولكننا ننقله لأهميته.