اليمن فلسطين الأحمر

لقد قمنا في المدونة بنشر موادّ ميسّرة تشرح فكرة الجغرافيا السياسية، ومنها مادّة “من الذي يتحكّم بالسياسة الدولية؟“. هذه المقالة ستطرق إلى الموضوع من زاوية أخرى، وهو طرق التجارة، وأثرها على السياسة. ولأنّ هذا كان أيضا موضوع فيلم نشرناه سابقا تحت اسم “لماذا احتلّت فلسطين؟” فإن هذه المادّة ستكون مقتضبة، وتكون مقتصرة على شرح العنوان.

اليمن فلسطين البحر الأحمر، أي أن اليمن في البحر الأحمر باتت مثل فسطين في البحر المتوسط، وتحدث فيها مأساة تشبه مأساة الفلسطينيين، غير أنها لن تنتهي إلى ما تمرّ فيه فلسطين اليوم. هذا ما أتوقعه وآمله.

علينا أن نتذكر أن الغالبية القصوى من البضائع في العالم تنتقل بحريا، والغالبية القصوى من هذه البضائع تمرّ في البحر الأحمر، ولذلك امتلكت قناة السويس أهمّيتها العالية، وكان موقع فلسطين هو السبب في احتلالها كما جاء في فيلم التوعية الذي نشرناه، بسبب كونها بوابة للسيطرة على تلك المنطقة المهمة من ناحية جغرافية سياسية ومن ناحية تجارية.

أوهمت دول عدة مواطنيها أنها ستتبنى نموذج سينغافورة، الذي ادعت أنه سيجلب لها رخاء مزعوما دون وجود موارد، واستخدم تعبير “سينغافورة الشرق الأوسط” مرات ومرات في هذا السياق، لكن سينغافورة تجربة لن تتكرر كثيرا، ذلك أنها استفادت من موقعها الجغرافي لتكون أرض موانئ، وعقدة في شبكة المواصلات البحرية.

إمارة دبيّ استفادت من موقعها الاستراتيجي زمنا، لكنها دائما تصطدم بسقف الجغرافيا. رغم أنها استطاعت تشكيل عقدة للمواصلات الجوية ذات أهمية كبيرة، إلا أنها عجزت عن تكرار تجربة سينغافورة، وعرفنا مؤخرا أنها لن تستطيع بلوغ ذلك في أي وقت بسبب مشروع ميناء جوادر الباكستاني.

ببحث بسيط على الإنترنت ستجدون معلومات كافية عن ميناء جوادر، الذي يهدد منزلة الإمارات التجارية، ويقضي عليها.

تزامن مشروع جوادر مع التخطيط لمشروع نيوم، وعقب ذلك انطلقت الحرب الإماراتية السعودية على اليمن، التي تشكل مفتاح السيطرة على معبر باب المندب، وقد سبق ذلك تخريب الصومال، وابتزاز جيبوتي. ولو نظرت للخارطة، لاسيما خارطة حركة السفن التجارية فلن يكون صعبا أن تصل النقاط ببعضها.

لهذا فإنه من الواجب أن ننظر للحرب على اليمن في سياقها التجاري والجغرافي السياسي، الذي يوضح أن المسألة ليست كون الحوثيين ذوي ميل إيراني، وليست متعلقة بالديموقراطية المزعومة.

لكن شواطئ اليمن لها عمقها البرّي الذي يجعل السيطرة على اليمن كابوسا، لصعوبة تضاريسه، وصلابة أهله وكثرة عددهم. ولذلك وجب أن نقول: إن اليمن هي فلسطين البحر الأحمر الصامدة، وإن الإمارات لن تنجح في محاولاتها أن تكون الكيان الصهيوني الجنوبي.