“لنفجّر” زين نقدًا

إعلان شركة زين للاتصالات، في شهر رمضان 1438 هـ، 2017م، من غناء المغني الإماراتي حسين الجسمي، شاهده كثير من الناس، ونشرت عنه وسائل الإعلام الغربية، وحصل لحين كتابة هذه الأسطر على ما يفوق الثلاثة ملايين مشاهدة على قناتهم الرسمية على يوتيوب، رغم أننا ما زلنا في اليوم الرابع من رمضان. في الآن نفسه أثار الإعلان عاصفة من النقد على وسائل التواصل الاجتماعي، فتعالوا ننظر فيه.

إذا كنت شاهدت الإعلان مسبقًا فأجّل عرضه مرة أخرى حتى تنهي المقال القصير هذا، وإن لم تكن شاهدته من قبل، فشاهده هنا:

كلمات الأغنية:

“اعبد ربك حبّاً … حبًّا لا لا لا رعباً..
كن في دينك سهلاً … سهلا لا لا لا صعباً..
خالف ندك سلماً … سلمًا لا لا لا حرباً..
اقنع غيرك ليناً … لينًا لا لا لا غصباً..

لنفجّر لنفجّر …لنفجّر العنفَ رفقًا

لنفجّر لنفجّر …لنفجّر الضلال حقًّا

لنفجّر لنفجّر …لنفجّر الكره عشقا

لنفجّر لنفجّر …لنفجّر التعصب نرقى”

الكلمات _كما هو واضح_ أفعال أمر، قائمة على الأمر والنهي، ليس فيها مجاز أو أي صورة جمالية. اللحن عروضيّ تكراريّ ليس فيه إبداع، لا تنويع في المقامات، قريب من أغاني قناة “طيور الجنّة”، وهي فضائية تصدّر نفسها على أنها قناة “إسلامية” للأطفال.

الإعلان كشريط مصوّر يحكي قصّة إرهابيّ إسلاميّ يردّد الشهادتين ويكبّر، بعد أن خرج من قبو فقير، بملابس متّسخة، مزنّرا بحزام ناسف ظاهر، يذهب لعمل تفجير انتحاري، فيفاجأ بضحايا الإرهاب وهم يخاطبونه، حتى بعد موتهم.

الضحايا الذين يخاطبون الإرهابيّ من مشاهير الإعلام، كالطفل “عمران” الذي اتهمت وسائل الإعلام الغربية والعربية الحلف السوري الروسي بقتل أهله، وانتشر فيما بعد دعاوى وجيهة بكون صورته مصنوعة صناعة. وترد أيضا صور شبه وثائقية لتفجيرات معروفة في البلاد العربية، منها ما هو ضدّ مدنيين عاديين في عرس، ومنها ما هو ضدّ مساجد أو حسينيّات، حتى أنه يظهر أحد الناجين من تفجير “مسجد الإمام الصادق في الكويت” كما يوضح النص في الإعلان.

ورود صورة الطفل عمران، استجلب نقدا ممن يبدو من تعليقاتهم أنهم ميالون لدعم الجماعات الإرهابية في سوريا، فاتهموا زين بأنها تنسب “الجريمة” المتعلقة به للإسلاميين، وهي حسب زعمهم “جريمة الروس والسوريين”. هكذا رأوا أن الإعلان يتهجّم على الإسلام كما يعرفونه.

نكمل قصة الإعلان: في منتاج القصة تظهر لقطات للإرهابي، ولقطات أخرى لمشاهد من الحياة المدنية، يسودها الحب، وتظهر مؤثرات فقاقيع بصورة أزهار بألوان “زين” عند ركلة طفل لكرة، أو قبلة مسنّ لحفيده.

يلاحق الناسُ الإرهابي، ويحاصرونه بـ”ـالحبّ” لدرجة أنه ينهار، ويرجع عن نيته بتفجير الناس، وفي لحظة انهياره تنطلق الإلعاب النارية، ويصدح حسين الجسمي بمقطع: لنفجّر ….

ملاحظات نقدية على الإعلان:

1- يفترض الإعلان أن الإرهابيّ فقير وبائس بالضرورة، وهذا واضح في واقعه البائس من مكان عيشته، إلى ثيابه، إلى الألوان الباهتة التي تسيطر على كادر ظهوره.

نقول: الإرهاب المصبوغ بصبغة إسلامية ينطلق من أغنى الدول العربية، وليس قرين البؤس والفقر وليس نتيجة لهما، على الأقل ليس وحدهما بالضرورة، وهذه النظرة نظرة غربية ليبرالية محضة، لا تعي واقع الأفكار الإرهابية التي تُتداول في أفخم المساجد، من مسجد حيّنا إلى الحرم المكّي.

2- يرد على لسان “عمران” عن الرسول محمد: “مسامح حليم لم يؤذي من أذاه”، والخطأ النحوي هنا خطأ القائمين على العمل، فهي: لم يؤذِ، وليست لم يؤذي. هذا الخطأ يتكرر فيما بعد في كلمة “نرقى”.

مع أن محمد الرسول كما في الرواية الإسلامية الشائعة، تصدّى للأذى بأذى، وردّ الصاع صاعين، بل إن الحروب التي شارك بها الرسول كانت تسمّى “غزوات”، هل نشرح لشركة زين وعالمها الجميل معنى كلمة “غزوة”؟

3- يستعرض الشريط أنواعا من العمليات الإرهابية، عرس وحسينية وحيّ ومؤسسة، مسميّا الحسينية مسجدًا.

لا أعلم ما الذي منعهم من كتابة كلمة “حسينيّة” فاستبدلوا مكانها “مسجد”، غير أن يكونوا عالمين بأن الجمهور العربي مشحون بتعصب مذهبي، لاسيّما ضد الشيعة، ولكن يشكر لهم أنهم تطرقوا للإرهاب الممارس ضد الشيعة، ولو بصورة مواربة.

لكن الذي لا يغتفر، أنهم أهملوا الأحداث الإرهابية ضدّ الكنائس! هل يلغي الإرهابيّ وجود ابن بلده المسيحيّ من الحياة، ثم يأتي التاجر “المعتدل” ليلغي وجوده من السردية التاريخية للمنطقة!

4- يفترض الإعلان أنه يمكن من خلال الحب والعطف والحنان أن نتصدّى للإرهاب، ويوصينا بأن نحبّ الإرهابيين، ونمدّ لهم يدنا!

الحديث في هذه النقطة يطول، وأكتفي في هذا الشأن بإحالة القارئ الكريم إلى مقالة أخرى في مدونتي: دليلك كي لا تكون إرهابيّا.

أخيرا: يُختَتم الإعلان بجمل مغناة من ضمنها جملة: “لنفجّر الضّلال حقّا” وهي تصلح كشعار لداعش بحق! ولا أستغرب لو أطلقتها داعش على قنواتها قريبا.

هذا الإعلان هو مثال على التنميط “ستيريو تايبينغ”، ومثال على السردية الغربية لأسباب الإرهاب، التي تعزو الإرهاب لـ”ـفشل” الأنظمة المحاصرة في إنارة الشوارع، وإعمار المدارس، مع أن الإرهاب ينطلق من قواعد غنية جدّا، يدفع فيها للمواطنين رواتب فقط لأنهم موجودون!

وينسى أن الإرهابي الذي يفجر نفسه في الناس، وراءه ألف إرهابيّ حشوا رأسه بأفكار من مثل “لنفجّر الضلال حقّا” و”أقنع غيرك لينا”، فأقنعوه باللين أن يكون عنيفًا، وأن غيره على ضلال، وأن المسيحيّ لا يجب أن يكون له وجود على الأرض العربية، أو حتى في إعلان تلفزيونيّ!

ختامًا: هل سمعت “شركة زين” بهرم ماسلو؟! وهل ثمة أبشع من قتل الضحايا غير استخدامهم للتسويق التجاري!