التنقيب عن المعنى

خطرت لي الفكرة النواة لهذا المشروع قبل قرابة عشرين سنة، وبقيت متهيّبًا من نشرها، ذهبت وسألت أساتذة عنها: هل دوّنها أحد قبل اليوم؟ وكانت الأسئلة غامضة لأنّ الفكرة لم تكن بالوضوح الذي أراها اليوم فيه، كنت أسأل مثلا عن ابتداع عيار جديد لقيمة الفكرة، وفصل قيمتها عن كونها صوابًا، وفصل الاعتقاد المؤدّي إلى سلوك عن السلوك الذي يفضي إليه، والحكم على كلّ منهما بصورة مستقلّة، والكثير الكثير من الصياغات. وكتبت أيضًا عن شكل الفكرة وصلاحيّة النمط خارج مجاله… إلخ. لكنّني اليوم وبعد ما أتممت إنضاج الفكرة بقراءة أفكار الآخرين، أجد نفسي مرتاحًا لنشر هذا المشروع.

إنّ ما ميّزني من ظروف وسمات شخصيّة وتجربة _بغضّ النظر عن كون هذا التمييز للأفضل أو الأسوأ_ كان تنقّلي بين تخصّصات وأعمال عديدة، بل وتغييرات جذريّة في الأيدولوجيا التي أعتنقها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى مكان آخر ليس الوسط بينهما، وتطوّر نظرتي إلى الدين الذي ولدت فيه، إقبالا عليه، ونقدًا لأقوال الناس فيه، وعدم اهتمام لمدّة، ثمّ اهتمام زائد، ثمّ خوض حروب من أجله وربّما ضدّه إلى آخر ذلك من قائمة طويلة تشمل اهتمامي الأدبيّ وانخراطي العلميّ التطبيقي وغيرها من أمور، كلّ ذلك إلى جانب نشاطي في الكتابة والتدوين الشخصيّ ومراقبة ما يتطوّر وما لا يتغيّر فيّ، كان مؤهّلي لأطهو هذه الفكرة من مكوّنات جاءت من فلاسفة وبيداغوجيين وتخصّصات كثيرة، وإن كنت أقدّمها بطريقة “نصف استواء”، لكنّ التجربة العمليّة الواعية هي ما يمكن أن تنضجها.

إليكم مقال/كتيّب التنقيب عن المعنى الذي أتمنّى أن يكون مقدّمة جيّدة إلى فكرة المنجميّة التي سأعود للكتابة حولها بعد إنضاجها مع عقول أخرى.