ربّما كان الأجدر كتابة العنوان على هذه الصورة (شباب “السلام” و”الإنسانية”)؛ إذ إنّ ما تدعوا له المنظّمات ليس سلامًا، ولا إنسانيّة. هل تساءلت يومًا لماذا يأتي التمويل للمشاريع التي تستهدف الشباب الصغير، بمعنى الفئة العمريّة من 16-25، وتختفي هذه البرامج عن الفئات فوق هذا السنّ؟
كنت بينهم يومًا، ورأيتهم طلّابًا يتجوّلون للمرّات الأولى في حياتهم في قاعة أحد الفنادق الفخمة، وفي أكثر الأحيان تحرص المنظّمة على أن تحجز لهم غرف مبيت للمؤتمرات، إذ إنّ عامل الإبهار يفعل فعله فيهم، وهم في عمومهم غير حزبيّين، وغير مؤدلجين، ويندر أن ترى بينهم قارئًا حقيقيّا، وإن وجدت من يقرأ فسيكون قرأ بعض الروايات، وربّما كتاب الأب الغنيّ والأب الفقير، أو غيره من كتب ما يسمّى بالتنمية البشريّة، حتّى في ثقافة الترحال والسفر هم مبتدئون، وهذه غالبًا المرّة الأولى التي يسافرون فيها.
وبينهم من يشارك في عشرة مؤتمرات في السنة، فتجد أنّ حسبة المنظّمات لعدد الشباب الذين شاركوا في فعالياتها مضاعفة، إذ فيها من التكرار ما فيها.
تعال نفصّل في أصحاب الأسهم في هذه الفعاليّات:
المنظّمون: جمعيّة (أو جمعيّات) محليّة مشتركة في برنامج دوليّ، كلّ همّ صاحبها الحصول على دخل من خلال التمويل، ومنظّمة دوليّة أو أكثر لديها كادر محلّي يغلب أن يرأسه شخص أجنبيّ، ولهذا الكادر رواتب عالية نسبيًّا، لكن دون أمان وظيفيّ، فالعقود مؤقّتة.
المموّلون: صندوق تمويل (مؤسسة) غربيّ استقبل الأموال من جهة لديها فائض ماليّ تشترط نوعًا محدّدًا من البرامج لتمويله، ربّما يكون البرنامج لتقبّل الآخر، وربّما للترويج للدعاوى الإنسانيّة، وربّما عن الجندر. المهم أنّه همّ لدى صاحب المال الغربيّ، وليس همًّا أصيلا لدى المشاركين.
المشاركون: شباب في أوّل عمره، لا يملك حصيلة معرفيّة لا بالقراءة ولا التجربة، يطمح في أن يسافر، أو يكمل تعليمه في جامعات غربيّة.
نتيجة لهذه الفعاليّة، يلقّن الشباب بعض المفاهيم، ويطلقون مشاريع لا تعمّر زمنًا طويلًا، وليس مطلوبا منها أن تعمّر. ويتولّى كادر المنظّمة الترويج للفعاليّة، فتظهر وكأنّ شبابًا عربيّا أقامها وهو يطالب بكذا وكذا مما هو من مطالب صاحب المال.
فوق ذلك، فإنّ الفائدة الاقتصادية من هذه الفعاليّات سلبيّة، إذ إنّ الفندق الذي أقيمت فيه الفعاليّة غالبًا يعود لرأسمال غربيّ، وتشترط التمويلات على المنظّمات حتّى مكان صنع سيّارات المنظّمة لتضمن عودة الجزء الأكبر من المال إلى بلادها، وفوق هذا فهي تعدّ هذه الفعاليّات في الأموال المتدفّقة إلى الدولة، وتكسب على أساسها نفوذًا يخوّلها تعديل القوانين لتناسب مطامعها في العمل على أرض تلك الدولة، والتأثير فيها سياسيّا واقتصاديًّا، ما يعود بأموال أكثر من الأموال التي أنفقت.
خلاصة الأمر: أيّ صورة التقطت في الفعاليّة لشباب عربيّ ينادي بأمر ما، أو يحمل شعارات السلام والإنسانيّة، أو يحمل علم المحتلّ، أو سوى ذلك، فهي ليست سوى دليلا على هشاشة المشاركين، وهشاشة القوانين التي سمحت بفعاليّة معادية لمصلحة العرب.
وسرعان ما يكبر هذا الشاب، فإمّا أن يهاجر طوعًا إلى الغرب، فيكون منهم، أو يفهم ولو بالممارسة وحدها أنّ هذه الدعاوى فاشلة، ولا توصل إلى مكان.