رسالة للنقّاد حول الأفلام التطبيعيّة

السياسة تدخل في كلّ شيء، لكن ليس على الجميع أن يدخل فيها.

العابرون للتخصّصات يغرون المتخصّصين بدخول متاهات هم بغنى عنها. في نقاش حول منع فيلم لمجنّدة في جيش الاحتلال، يخرج ناقد سينمائيّ فذّ بمقال حول الفيلم يتورّط فيه بنقاش فكرة منع الفيلم لاختراقه معايير المقاطعة، فيقدّم رؤيته حول فكرة المنع. هنا، يكون الناقد خارج تخصّصه الذي يتقنه، ومن تحدّث في غير فنّه أتى بالعجب.

ليس قطعيًّا أن يمنعك كونُك متخصّصًا من نقاش أمر خارج تخصّصك، بشرط أن تتعب نفسك بقراءة ما كتبه المتخصّصون في الموضوع الجديد، المقاطعة مثلا. أي عليك أن تدخل المبحث من بابه لا من الشبّاك. هكذا شيئًا فشيئًا تراكم خبرات في تخصّصات مختلفة، فتكون أحد العابرين للتخصّصات.

وللعلم، فيما يخصّ النقد السينمائيّ، فالمقاطعة متوقّعة على مستوى شعبيّ، وماليّ. أمّا على مستوى النقّاد، فالمتخصّص في مجال محدّد عليه أن يغوص في كلّ أدبيّات تخصّصه، بغضّ النظر عمّن أنتجها، لذلك فإنّ الناقد عندي مطالب أن يشاهد ويبحث في سينما العدوّ، ولا تنطبق فكرة المقاطعة عليه. هل نريد من متخصّص في التاريخ والآثار أن يتجاهل أدبيّات المؤرّخين الجدد مثلا! بالعكس، فالدكتور عمر الغول مثلا سيشكّل نافذة نطّلع منها على أفكار حركة المؤرّخين الجدد، وسأكون ممتنًّا له أنّه بذل هذا الجهد، ولن أقول بحال من الأحوال أنّه اخترق معايير المقاطعة.

طبعًا هذا لا يعني أن يذهب المثقّف أو الباحث إلى فعاليّات تطبيعيّة بحجّة تخصّصه. عليه أن يحافظ على حاجز العداء، ولا يجعل هذا الحاجز مانعًا من المعرفة.

رسالتي لكلّ أساتذتي النقّاد السينمائيين الذين نتعلّم منهم فيما يخصّ السينما: لا يدخلنّكم عابرو التخصّصات في متاهات أنتم في غنى عنها، شاهدوا الأفلام كما يمليه عليكم ضميركم السينمائيّ، واكتبوا لنا عنها، وبيّنوا مواطن القوّة والضعف سينمائيًّا، لكن كونوا حذرين أن تتورّطوا في الدعاية لمنتج تطبيعيّ، وكونوا أكثر حذرًا من أن تتحدّثوا في أمر المقاطعة والتطبيع دون أن تبذلوا الجهد اللازم من التعلّم في هذا المجال.