تونس: أستروجين رئاسيّ

نعم، تحرّكت تونس نحو الحرّيّة الاجتماعيّة تحت “الاستبداد السياسيّ” في عهد الحبيب بورقيبة، ومن ذلك حرّيّة المرأة، لكن ماذا عن الخطوة الأخيرة؟ هل تفهم في سياق بورقيبة أم في سياق البنك الدوليّ؟

نحن نفتتن بالتمثيل؛ لأنّنا اعتدنا على أن نتوقّع مرجعيّته. مثلا، أنت ستفرح بامتلاك مبلغ كبير من عملة ما، لأنّك تتخيّل أنّ مقابل هذه العملة ذهب في المصرف المركزيّ، وأنّه يمكنك تسييل هذا “التمثيل” متّكئًا على هذه المرجعيّة.

من ذلك أنّنا حين نسمع قصّة ننتظر مقولتها، وحين نرى عملًا فنيًّا نبحث عمّا وراءه، وهذا سلوك العامّة مع أيّة صورة كانت، فنحن نظنّها صورةً لشيء ما، تمثيلا يعود إلى مرجعيّة، يقول شيئا ما.

لكنّ الخبر السيئ هنا هو أنّ الصور في هذا الزمن، عصر “ما بعد الحداثة” ليس لها مرجعيّة غير نفسها؛ الدولار لا يقابله ذهب في الاحتياطيّ الفدراليّ “الأمريكيّ”، والقطعة الفنّية قد لا تقول شيئا، وقد تراجع دور السرديّات الكبرى في الدوائر النخبويّة، حتّى في الأدب باتت النصوص مشكّلة من لوحات مفكّكة تشبه مسرح العبث. مرجعيّة كلّ تمثيل هي نفسه، أي إنّنا نرى سياقًا وحيدا مهيمنًا على كلّ سياق، وهو السياق النيوليبراليّ.

النيوليبراليّة تسلّع الإنسان كلّه، تسلّع عمله وعاطفته. حتّى الطفولة المقدّسة صارت مدخلًا في برنامج مسابقات للأطفال صنع ليسلّي الكبار على حساب مشاعر الطفل. والمرأة في هذا النظام تعاني من تسليع مضاعف، فهي سلعة كقوّة عمل، وسلعة كمستهلك، وسلعة عاطفيّة، وسلعة جنسيّة، وفوق ذلك هي سلعة “تطوير” و”منظّمات أهليّة”، وقطعة ديكور تجميليّة أحيانًا.

لكن، مع هذا كلّه، كيف تمنح التمثيلات قيمتها؟ ألسنا مع كلّ هذا التعقيد نذهب إلى المتجر فنحوّل الدولار إلى مشتريات؟ هنا تأتي فكرة القيمة التداوليّة، فالتداول هو ما يمنح القيمة للأشياء، وهكذا لا نستطيع ألّا نفرح قليلا لأنّ أكثر الناس تعاملوا مع تولّي سيّدة منصب رئيس حكومة عربيّة على أنّه خطوة على درب تحرّر المرأة والإنسان، لا سيّما وهو يأتي في سياق إقصاء جماعة الإخوان الإقصائيّة.

المفرح إذًا ليس الخبر بذاته، لكن أثره في الناس، مع أنّ هذا الأثر أتى من الفهم الخطأ له. وهنا يأتي الخوف المشروع من مآلات الفعل ذاته، فالحكم الذي يبقى هو الحكم على النتائج، والنتائج لا تعترف بتفسيرات العامّة للفعل.