رسالة إلى أخي المتطرّف

هذه الرسالة إلى من لم يقتل ولم يحرّض على القتل صراحةً أو ضمنًا، أمّا من فعل ذلك فلا يصلحه كلام.

تحيّة لك أخي الكريم،

لقد كنت في صفوفكم يوما ما، وسمعت حججكم قبل أن ينقلها اليوتيوب إلى الجميع، وأعرف أنّ القوم يتخوّفون ممّن يهاجم حديثا في البخاري أو مسلم، أو يهاجم فهما مشهورًا لآية من الآيات، لا لأنّهم غير واثقين بدينهم كما يظنّ الناس، لكنّهم يتساءلون: ماذا بعد؟ فإذا هاجم أحدهم هذا الحديث، فأين ستكون الأرضية التي نقف عليها في هذا المبحث، إذا سلّمنا بعدم صحّة حديث صحيح السند. وإنّ هذا التخوّف وجيه في حدود معرفتهم، لكنّهم يا أخي لا يعرفون كلّ شيء.

إنّ تعصّبك لأمر ما من الدين، وتشديدك عليه، يقول أمورًا كثيرة عنك. لنقل إنّك تعصّبت لأمر تفهمه من حديث ما، فماذا يقول عنك هذا؟

  • إنّك لا ترى أنّ الأفهام المتعدّدة للنصّ الواحد ممكنة. وهذا جهل.
  • إنّك ترى أنّ من علّمك هذا الفهم لا يخطئ. وهذا تأليه لشيخك أو لنفسك إن كان من فهمك الخاص.
  • إنّك ترى أنّ الدين ليس فيه ما يناقض فهمك للحديث، وهذا يتضمّن إنكار أحاديث أخرى وآيات لم تركّز عليها، أو الافتراء عليها لتعني ما لا تعنيه.
  • إنّك ترى أنّ دار النشر منزّهة عن التلاعب بالنصوص.
  • إنّك ترى أنّ المموّل لا يمكنه التحكّم فيما ينشر وما لا ينشر.
  • إنّك ترى أنّ محقّق الكتاب منزّه عن الهوى والزلل والخديعة والرشوة.
  • إنّك ترى أنّ محقّق الكتاب كامل العلم بالأمر وقد وصل إليه كل مخطوط ممكن.
  • إنّك ترى أنّ المخطوطات كان واضحة لا تقبل التصحيف أو أخطاء القراءة.
  • إنّك ترى أنّ كلّ من أمسك بالمخطوطات كان أمينا عليها.
  • إنّك ترى أنّ ناسخ المخطوط كان منزّهًا عن الكسل والنقص والزلل.
  • إنّك ترى أنّ المخطوط الذي نسخ عنه كامل لا خلل فيه.
  • إنّك ترى أنّ هذا تكرّر في عدد من المخطوطات يمتدّ إلى نحو 200 سنة في عصر عربيّ ليس فيه إمكانات الحفظ الموجودة اليوم.
  • إنّك ترى أنّهم نقلوا عن المخطوطة الأصلية للبخاري، بالفعل ولم تكن تشكي هي أو هم من أيّ علّة.
  • إنّك ترى أنّ البخاري كامل العلم وغير مقتصر على فحص الأسانيد.
  • إنّك ترى أنّ لغة البخاري لغة قياسيّة وهو من أفصح العرب.
  • إنّك ترى أنّ البخاري له قدرات ذهنيّة خارقة معجزة.
  • إنّك ترى أنّ من نقل عنهم البخاري التزموا بمنهج وضعه البخاري وهم لا يعرفوه.
  • إنّك ترى أنّ من نقل عنهم هؤلاء التزموا بمنهج البخاري قبل أن يولد، ومن نقلوا هم عنهم فعلوا مثلهم… حتّى الصحابيّ الأخير.
  • إنّك ترى أنّه من المستحيل تبديل حديث مصنوع مكان حديث أُهمل متنه وإعطاء المصنوع سند المهمل.
  • إنّك ترى أنّ كلّ الرواة من البخاريّ حتّى الصحابة خارقو القدرات في الحافظة والسمع والفهم.
  • إنّك ترى أنّ اللغة لم تتبدّل ولم يتحوّل معناها واستخدامها منذ بدأت.
  • إنّك ترى أنّ الصحابة والتابعين مقصّرون عن قيامهم بالواجب الذي تصدّى له البخاري مع قدراتهم الخارقة التي تمكّنهم من ذلك، ومع وجوبه.
  • إنّك ترى أنّ الرسول يرى أنّ أمّته جاهلة ولا تستطيع التفكير لنفسها.
  • إنّك ترى أنّ الرسول مقصّر في أنّه لم يأمر بما يحفظ الدين من قبيل ما فعله البخاري.
  • إنّك ترى أنّ الله لم يراع لزوم هذا فلم يأمر به الرسول.
  • إنّك ترى أنّ القرآن لم يبيّن كلّ شيء يحتاج الرسول بيانه.
  • إنّك ترى أنّ المسلم ملزم بحياة كحياة الرسول في زمن غير زمنه، فلو أطال لحيته علينا أن نطيلها، ولو كنّا في بلاد أخرى، وإذا لبس بلغة فعلينا لبسها ولو كنّا نعيش في مصبّ نهر، ولو لبس دشداشا فعلينا ألا نزيد عليه ولو عشنا في بلاد باردة كثيرة الثلج.
  • إنّك ترى أنّ الرسول فرض هيئة محدّدة على الناس بعد أن كانوا على هيئة أخرى، وحياة محدّدة على الناس بعد أن كانوا في حياة أخرى. أي إنّك ستكون جاهلا بحياة العرب قبل الإسلام وإبّانه.

أقسم لك إنّني كلّما كتبت نقطة مما في الأعلى، خطرت لي أخريان غيرها، ولو تركت القلم على هواه لوافته الأفكار، فإنّك إذ تطرّف إنّما تفعل شيئا واحدا فقط، إنّك تقول لنا:

أنا غبيّ جاهل!

ونحن لا نقول لك: إنّك غبيّ جاهل. بل نقول:

يا أخي طوّل بالك! طوّل بالك! كفّ أذاك عن الناس… وخذ وقتك في تعلّم العلوم الضرورية من اللغة والمنطق قبل الولوج في علوم الدين، فإنّه ورد في الأثر: إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق!

أقول لك: افعل ما شئت، لكن كفّ لسانك عنّا، كفّ أذاك!

مع التحيّة!