تحرير العقل العربي من ماذا؟

العنوان الذي طالما كتبت تحته هو تحرير العقل العربيّ، لكن ممّ نحرّره؟ وهل أنا أو غيري مؤهّل لتحرير العقل العربيّ، أو حتى لتحرير عقلي أنا؟ في هذا المقال سأتناول بعض الأمراض التي أراها في العقل العربيّ، وأعمل جاهدًا على أن أخلّص نفسي منها، وربّما أنفع القرّاء.

فلنبدأ دون مقدّمات:

  • قيود متخيّلة: يتخيّل كثير ممن تعاملت معهم أنّهم مقيّدون بطريقة محدّدة لكسب الرزق، وعندما كتبت عن التعلّم والحياة العمليّة وكيف أجد عملًا، كنت أتوجّه إلى من ينتمون إلى هذه الفئة قائلا: أنت لست مهنتك، أنت إنسان، وكسب الرزق ليس محدودًا بوظيفة، والوظيفة ليست محدودة بالتخصّص الجامعيّ. هذا القيد يقيّد المعدة والجسد، ويتسرّب إلى الذهن، بل إنّني أزعم أنّه كان قيدا في أذهان الأهل، وتسرّب إلى ذهن الإنسان، ثم جسده.
  • الثقة بالأشخاص: ليس سرًّا أنّنا في هذه البقعة من العالم، وربّما في العالم كلّه، نقع في هذا النوع من الشخصنة، فإذا أعجبنا مغنٍّ ما، دافعنا عن هرائه الاجتماعيّ، أو السياسيّ. وكذلك الأمر في العلماء، فالثقة مجال لتدليس كثير. المدلّس يقول لك عشرين معلومة صحيحة ليمرّر معلومة واحدة خاطئة، وغالبا ما تكون في خدمة المؤدّى الذي تريده، وهكذا تقبلها. الأصل أن تبقى متّهمًا لأفكارك ما استطعت، كمن يلعب الشطرنج ضدّ نفسه إذا لم يجد من يباريه.
  • مشاكل معرفية أصلها نفسيّ: كأن يحبّ الإنسان الاختلاف مع محيطه بسبب حبّ الظهور، فيغالط في حقّ، أو يخاف من الظهور بصورة المختلف فيوافق باطلا، أو يتبنّى وجهة نظر ما بتأثير الأقران فقط دون قناعة، أو تنطلي عليه صورة المجتمع التي يقدّمها له الإعلام دون فحصها، فيقع تحت تأثيرها.
  • الكسل المعرفيّ: الكسل كسل، وفي المعرفة يكون مصيبة كبرى، فكثير منّا يريد الخلاصة التي يقدّمها له شخص ما، لذلك تشيع ملخّصات الكتب، وبرامج اليوتيوب التي تدّعي أنّها تقدّم العلوم بصورة ميسّرة. حسنٌ، الملخّصات والبرامج ليست سيئة في ذاتها، لكن التعامل معها وكأنّها مرجع، أو الاكتفاء بها مشكلة حقيقيّة.
  • قيود الماضي والتراث: الهويّة الآتية من التراث مهمّة، لكنّ البقاء في فلكها تجميد للزمن وحكم على حياة المعاصرين بالفشل، فالظرف ليس ظرف السالفين، وهكذا فعلينا أن نتحلّى بهمّة الشباب في المعرفة، لا أن نصرف طاقة الشباب في اجترار الماضي.
  • المغالطات الحجاجية: لماذا الحجاجية، لا المنطقية؟ لأنّ المغالطات الحجاجية أوسع، وهي تشمل المغالطات المنطقية كلّها وتزيد عنها، وهي حلقة في أنوف من لا يدركونها، تجعلهم رهنا لسياقتهم كالدواب.
  • العجز: وهنا لا أقصد الكسل أو التعاجز، بل العجز عن استخدام الأدوات الحديثة في الوصول إلى المعلومة، وفوق ذلك الافتقار إلى المنهج البحثيّ والشجاعة المعرفيّة.
  • الأسئلة الغلط: قد يفني الشخص عمرا وهو يبحث عن إجابة لسؤال ليس صائبا أصلا، ولم يُشكَّل بحذر، ولم يُصغ صياغة سليمة.
  • وهم المعرفة: أن تظنّ أنّك تعرف شيئا وأنت لا تعرفه على الحقيقة.
  • الانحيازات الإدراكيّة: هذه مردّها نفسيّ، لكنّها عامّة ولا تحتاج إلى علّة نفسيّة، إن لم نكن نتجنّبها قصدًا، فنحن غالبا نقع فيها.
  • التاريخ المزوّر: كثير من تاريخنا إمّا كتبه أعداء خارجيون، أو أعداء داخليّون، أعداء للحياة وللتطوّر.
  • عقدة الخواجا: المركزية المعرفية الأوروبيّة مشكلة طال وجودها، وعلينا أن نفرّق بين العلم الذي لديهم وبين وجهات نظرهم في الحياة والتاريخ والعلم، نعم نعم، ثمّة جانب من العلم مرهون بوجهات النظر.

هذه مجرّد أمثلة على قيود يجب أن نتحرّر منها، والتحرّر يكون فرديّا وجماعيّا، كأنّنا جمر يقيد بعضه بعضًا.