عن المقاومة ووسائل التواصل والجيوب الصغيرة

لأسباب قريبة جدًّا من سبب كتابة هذا المقال، غادرت منذ مدّة قريبة مواقع التواصل الاجتماعيّ، لا سيّما ذات الحضور الشعبي الكثيف منها. ومن حسن حظّي، ربّما، أنّ الأوضاع المشتعلة في فلسطين أشعلت وسائل التواصل، فكنت كلّما ضعفت إرادتي، أواجَه بما يكتبه أبناء التيّارات المختلفة على وسائل التواصل، فأحصل على دافع جديد لترك هذه المنصّات إلى غير رجعة. باختصار: قصّر الجملة المسموحة في الجدال أكثر فأكثر، ولن تكون المحصّلة في النهاية سوى الشتائم!

الجدال الذي اطّلعت عليه كان متنوّعًا لكنّه حامي الوطيس مهما كان موضوعه: شتائم، تشكيك، إخراج من الملّة بصورة مباشرة أو غير مباشرة… إلخ، لكنّ أكثره استفزازًا لي كان حول ملكيّة المقاومة، وكان من ضمن ما قرأت تغريدات لإحدى الفتيات اللاتي أظنّ فيها الخير تسير باتجاه أنّ هذه هي المقاومة الإسلاميّة، وأنّ الآخرين ليس لديهم مشروعات للتحرير… إلخ.

هنا لعلّ هذه الفتاة أو غيرها من أصحاب الجدالات الذين سأذكر بعضها هنا لم يطّلع على ما يقوله الآخرون الذين لا يشبهونه:

  • هذا إنجاز لمحور المقاومة والممانعة كلّه، فالمعادلة الموجودة والنهج الموجود هو من صناعة سوريا وإيران وحزب الله.
  • هذا من مقاومة الروس للهيمنة الأمريكية، فالقوّة الصاروخيّة في أصلها من إنتاج روسيّ، ومصانع الصواريخ وتقنيتها روسية.
  • هذا من إنجاز إيران التي درّبت الكوادر التي تصنع الصواريخ وتطلقها.
  • لولا القيادة السورية الحالية لكانت المقاومة الفلسطينية ضعيفةً جدًّا.
  • هذا من إنجاز الإسلاميين الذين لولاهم لخمد العداء للعدوّ.
  • هذا من إنجاز الفصائل التي أجبرت الإسلاميين في فلسطين على تبنّي نهج يختلف عن نهج إبراهيم منير والغنوشي وغيرهم.
  • هذا من إنجاز الشعب الفلسطينيّ الذي يدين بولائه لمن يحمل السلاح، وبالآتي فقد جعل الفصائل تتنافس على وجود قوّة رادعة.
  • هذا من إنجاز الشباب غير المؤدلج الذي أعاد إذكاء الصراع بعد أن خمد بالاتفاقيّات والهدنات على أيدي المؤدلجين من إسلاميين أو علمانيين.
  • ·        …. القائمة طويلة طويلة! فسأكتفي بما ذكرت.

لا أريد أن أكون توفيقيّا مطلقا، ومن يعرفني يعرف أنّني في الأصل لا أتحدّث بهذا النفس، بل لي جانبي الذي أنحاز له بوضوح دون مواربة أو ممالأة! لكنّني أريد أن أكون موضوعيًّا، موضوعيّا فقط!

سأقول على غير تحديد: كثير من النقاط الواردة في الأعلى حقيقيّة صادقة، لكنّها مع ذلك لا تصل بي إلى النتيجة التي يحاول قائلها أن يوصلني إليها.

الآن، افهم ما أقول جيّدًا:

الوضع المعقّد في فلسطين فرض نفسه على كلّ الجهات، فثمّة أيدولوجيّة خانعة رأينا أصحابها الآخرين وهم ينبطحون للأمريكيّ والصهيونيّ سابقًا خارج السياق الفلسطينيّ، يعتنقها فلسطينيّ مقاوم، وثمّة فضل في إيصال العتاد والتدريبات عليه وعلى صناعته للإيرانيّ والسوريّ والمصريّ منذ أيّام مبارك (للجيش تحديدًا إن أردت) وحتّى لليمنيّ والسودانيّ، وثمّة خسائر على جبهة الوحدة القوميّة وعلى جبهة الصورة الدوليّة للفلسطينيّ تسبّب بها فلسطينيّون، وثمّة إضعاف لدول كان حضورها القويّ رادعًا للصهاينة حصل على أيدي فصائل تقود اليوم جبهة المقاومة، حتّى إنّك أنت قد تكون مساهما في الضعف والقوة معًا بما تنشره على وسائل التواصل.

باختصار: المقاومة ليست في جيب أحد! والفضل في إعادة إذكاء روح المقاومة في كلّ مرّة قد يكون للعدوّ حصرًا، فعنجهيّته وغطرسته وعدم إمكان الحلول الوسط معه كانت السبب في إشعال المقاومة في كلّ مرة. هذا لا يلغي دورنا في المحافظة على جذوة العداء، ومنّا من فعل ذلك لأنّه قوميّ أو يساريّ (هؤلاء أكثر ما كنّا نرى في الشارع)، ومنّا من فعل ذلك لأنّه مسلم، ومنّا من فعل ذلك لأنّه مسيحيّ، ومنّا من فعل ذلك لأنّه ذو هوى شيعيّ أو حتى الشيعة، بل والإيرانيّون ذاتهم إن أردت، ولكلّ منّا سهمه في ذلك.

مرّة أخرى: المقاومة ليست في جيب أحد، وجيوبنا أصغر من أت تحتويها، بل نحن الذين في جيبها. نعم، كلّ شريف يرى نفسه وهو يقبل عن طيب خاطر أن يكون في صفّ السلاح حتّى لو كان السلاح في يد مجموعة لا يؤيّدها تمامًا.