“كيف أجد عملًا؟”

أتذكّر كيف أنّي بدأت هذه المدوّنة بسبب نقاشات أعصر فيها دماغي ومصادر المعلومات لكي أكتب سطرًا، بينما يجيء المخالف بنص منسوخ من موقع سلفيّ ويلصقه، فقلت: أحتفظ بالحجج، وأراكمها، وأستخدمها في النقاشات. أمّا عن موضوعي هذا، فوالله ما تجرّأت أن أكتبه في مقالة عامّة، لأنّني كنت أخشى أن يراه شخص سألني، فأقع في حرج معه.

أمّا سبب الجرأة المفاجئة، فهو الحال بعد الجائحة التي تركت كثيرا من الناس دون عمل، في حين ما زالت التزاماتهم الماليّة هي هي، بالإضافة إلى جيل عريض يدخل سوق العمل في هذه الأوضاع المتعبة. ولذلك فسؤال “كيف أجد عملًا؟” بات يتكرّر أكثر فأكثر.

لكن قبل أن أدلي بدلوي، أريد أن أشارك القارئ الكريم بعض الأمور الشخصية، ولهذا غرضه المعلن. ألا وهو أنّ عليك دائما أن تتساءل حول أي نصيحة تتلقّاها: من يقولها؟ ما شرعيّة قوله؟ ما شرعيّة النصيحة؟ لأنّ البشر من حولك يحبّون أن يشاركوك آراءهم، ويحبّون أن يقفوا موقف الناصح. ولعلّ هذه هي طريقتهم في إبداء اهتمامهم بك، وتخلّصهم من الشعور بالذنب، هذا لو أحسنت الظنّ واستبعدت إرضاء الغرور.

أمّا عنّي:

  • لم أُفصل من عمل قطّ. وهذا يشمل الأعمال التي حصل فيها خلافات، فقد كنت أفصل نفسي قبل أن أفصل.
  • لم أتلقّ في حياتي إلّا رفضا واحدا من فرصة عمل، وذلك لأنني لا أحمل رخصة قيادة.
  • عملت في وظائف دنيا وعليا في أماكن متنوعة وأحيانا في المكان نفسه.
  • المدّة التي توقّفت فيها عن العمل كانت في شبابي المبكّر بسبب أفكار بالية لديّ حول الرزق، تدخل في إطار “تجريب الله”.
  • كثيرا ما كنت أعمل في عملين أو ثلاثة معا، وما زلت كذلك.

الآن، بسبب هذا، أو بسبب أمور أخرى، فإنّ بعض الأصدقاء يرسلون لي:

“يا فلان… أريد عملا؟”

وبالتأكيد هذا يدخل في إطار “العشم”، وأنا أحبّ أن أساعد بالفعل، لكنني الآن أكتب هذه الرسالة لكي أوفّر على نفسي كتابتها في كلّ مرّة، سواء سعيت في مساعدة السائل أو تخلّفت عنها.

سأكتب ما لديّ في نقاط هي محور الرسالة ومخّها:

  • لا تقل: يا فلان أريد عملا أو وظيفة! ولا تقل: هل حولك شغل لي! هذا خطأ. لماذا؟ يطول الشرح، وسيفهم ذلك من النقاط الآتية، لكن أوّلا: فكّر بفرصة دخل، ولا تفكّر بفرصة عمل.
  • اعرف مهاراتك وأحصها، لا سيما تلك التي تتقنها بإحسان شديد، أو على الأقل تستطيعها، مع معرفتك بما يحتمل أن تقدر عليه. اكتبها في قائمة، وفكّر: من قد يحتاجها؟ وفي أي مهمّات.
  • عندما تراسل شخصا بخصوص إيجاد عمل، اطلب منه إذنه أوّلا في أنّك تريد أن تطلب منه مساعدة، وحبّذا لو استطعت أن يفهم من كلامك أنّها مساعدة غير مادّية. مثل أن تقول: هل تأذن لي أن أرسل لك بخصوص نصيحة يمكن أن تقدّمها لي؟
  • إذا وافق، فأرسل له الرسالة التي ستعيد إرسالها لعدد من الأشخاص، ولذلك فأنت ستكتبها بحرفيّة، لكن إيّاك أن تكون على نمط: إلى من يهمّه الأمر! فليكن في الرسالة ذكر لاسم الشخص الذي تتحدّث معه في عدّة مواضع كلّ مرّة، ليحسّ أنّك تخاطبه هو، وانتبه جيّدا للتذكير والتأنيث، فالمسألة ليست فقط استبدال الاسم باسم.
  • في رسالتك احرص على أن توضّح مهاراتك، وتذكُرَ أماكن يمكن أن يستفيد منها أحدهم ويدفع مقابل تلك الفائدة. مثل: أنا خريج كذا وأستطيع الطباعة بسرعة كذا، وعندي القدرة على التركيز الذي يؤهّلني أن أفرّغ نصوصا، أو أجري حسابات معقّدة لصالح كذا وكذا. مهاراتي في الحاسوب جيدة جدّا ولي خبرة في الإعلام المجتمعي مثلا! أي شيء… المهم أنّك تذكر المهارات ومجالات استخدامها المقترحة.
  • لا تشعر الشخص الذي تخاطبه بأنّك “يائس” أو لديك حاجة ماسّة، إذ إنّ أسوأ الوظائف والفرص هي التي تعرض على ذي الحاجة الماسّة! أعد قراءة هذه النقطة مرتين!
  • سهّل على الشخص الذي تخاطبه قول: لا. لكن بذكاء! ما الذي أقصده؟ حسنٌ، أشعره بتفهّمك للأوضاع الصعبة، وأنّك تتفهّم إذا لم يكن يمكنه مساعدتك، لكنّك تطلب نصيحته لأنّه صاحب عمل، أو مهنيّ مهمّ في مجاله. هذه الموازنة بين أن تذكّره بسبب كون مساعدته مهمّة، وبتفهّم عدم القدرة عليها أمر مهمّ للغاية!
  • إذا عرض عليك أي اقتراح في إطار المعقول، تلقّه بالقبول، واشكره على المساعدة، واسعَ في الاقتراح قليلا حتى لو لم يكن مناسبا لك تماما.
  • ابق قريبا من الناس، فطبيعة الأعمال الشائعة تحتاج معارف، وحافظ على الندّيّة معهم.
  • ثمّة نظريّة بيداغوجية/تعلّمية اسمها “حزام العدّة” أو “تول بيلت ثيوري”، أقترح عليك أن تفهمها وتعمل بمقتضاها، وأن تزيد العدّة التي تملكها في متناول يدك، وهذه العدّة هي “المهارات” و”الخبرات” و”المعرفة”، وليست الشهادات!
  • عندما تتحدث إلى الناس لا تذكر الدرجة العلمية العليا التي لديك، فهم سيحسّون أنّك مستبعد من طائفة كبيرة من الفرص، ولن يفكّروا في عرضها عليك.
  • سيرتك الذاتية! اكتبها بحرفيّة، وقد تكتب اثنتين مثلا! لماذا؟ لأنّك لا تريدها أن تكون أطول من صفحة واحدة. ولتكن جميلة ملفتة محدّثة باستمرار. استعن بشخص خبير أو شاهد شرائط تعلّمية حول كتابتها. إذًا: أنت ستخصّصها كلّ مرة للمجال الذي تتقدّم إليه.
  • لا تخجل من كونك تعرف شيئا ليس لديك شهادة فيه! هذا زمن ولّى إلى غير رجعة. اذكره بقدره بكلّ جرأة وثقة، بعيدا عن الغرور.
  • أنصحك بحضور مساقات مقابلات الوظائف للمتقدّمين وللمسؤولين عن التوظيف، فالأخيرة ستساعدك على معرفة ما يريده الآخرون.
  • تقدّم لأول فرصة تلوح لك، لكن لا تكتف بها، ابق دائما في بحث مستمرّ عن “فرص الدخل”، وهذا ليس عن طريق مراسلة من تعرف من الآن فصاعدا لكن عن طريق:
  • ابق قريبا من الأماكن التي تحبّ أن تعمل فيها، ومن المجتمعات المهنية للمهنة التي تحبّ: مثلا، مجموعات للمهنيين الفلانيين على فيسبوك، أو تدرّب في النادي الذي تحبّ أن تدرّب فيه… أنت أدرى بهذا!
  • فكّر دائما بالمكان والزمان للعمل الذي تقوم به، أو تقبله أو ترفضه أو تتقدّم للحصول عليه: كم يبعد عن سكني وقتا ومالا؟ كم يبعد عن الفرص الأخرى التي أرغب بها؟
  • تعامل مع نمط عيشك كلّه على أنّه متعلّق بمهنتك. إذا كنت شخصا يحب اللباس الرسمي، فضع تفضيلاتك الشخصية جانبا إذا كان عملك يتطلب الجهد البدنيّ، أو تلويث الثياب، وكذلك قد تغيّر مكان سكنك لتقترب من مكان عملك.
  • لا تتحدث بسلبية عن بيئة عملك السابق والحاليّ، وهنا أعني الأشخاص! لا تستغب أحدًا، ولا تكثر التذمّر، فالناس تعدّ الذي يتكلّم عن غيرها في حضرتها سيتكلّم عنها، والذي يفشي أسرار الآخرين لها يفشي أسرارها. إذا أردت ذلك لسبب ما، فليكن بحرفة وذكاء وابتعاد عن الشخصنة.
  • كن مستعدّا لتبنّي مهارات ووظائف ومهمّات جديدة ومختلفة حسب متطلّبات المجتمع من حولك، ولتعمل على توسيع الدائرة التي تسمّيها “حولك”. أنت بين خيار أن تكون مرنا في هذه، أو أن تكون مرنا في مبادئك وأخلاقك! وأنا أنصحك بالمرونة في الأولى فقط.

أعرف أنني أطلت عليك، وربّما كنت تريد جوابا مقتضبا محدّدا، وأعدك أنّك ستحصل عليه لو طلبته، لكنني أنصحك بقراءة هذه المقالة جيدا والعمل بما جاء فيها.