هل اليهوديّة أمّة أم ملّة؟

ما في هذا المقال من معلومات يجب أن يكون بديهيا عند العربيّ، لكن لعلّه ليس كذلك كلّه، فثمة قصور في الاطلاع على الدراسات العلمية بصورة عامّة، والصهيونية منها بصورة خاصّة. كتب المقال للجمهور الغربيّ عموما، ولذلك أرفق مع النص العربيّ مقطع فيديو يسرد المقال باللغة الإنجليزية، إلى جانب النص المكتوب بالعربية.

منذ ابتداء الحركة الصهيونية، نادت باعتبار اليهود أمّة، واستخدم ذلك مبررا للمطالبة بحق تاريخيّ مزعوم بالعودة إلى الأرض العربية في فلسطين.

انتشرت هذه الدعوات في منتصف وأواخر القرن التاسع عشر، بدعم من الحكومات الأوروبية، التي كانت تنظر إلى اليهود بوصفهم جماعة جينية متجانسة، وكانت أصوات أكاديمية كثيرة سببا في قبول هذا الاعتقاد وانتشاره بين العامة.

في حين لدى العرب سردية مختلفة عن اليهود، تكتسب وجاهتها من كون العرب كانوا حاضنة لليهود لمدّة طويلة من الزمن، في الأرض العربية سواء في الجزيرة العربية أو الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، أو حتى في الأندلس الواقعة تحت النفوذ العربيّ في شبه الجزيرة الآيبيرية.

يردّ بعض قدماء المهتمّين بالأنساب من العرب بعض القبائل العربية إلى أصول يهودية، ويرون أنّ كثيرا من اليهود اعتنق الإسلام أو المسيحية، لأنّهم كانوا في بيئة لا ترى سوى الدين فرقا ذا أثر. فإذا أسلمت قبيلة عربية مسيحية، أو يهودية، انتفت عنها صفة الاختلاف وانضمّت للمجموعة الثقافية العربية الواحدة الواسعة التي لديها تنوّع داخليّ. مع العلم أنّه ثمّة وجود للمسيحيين واليهود الذين تمسّكوا بديانتهم وعاشوا داخل النسيج الإسلاميّ باتكائهم على المشترك بينهم وبين حاضنتهم العربية. 

أمّا اليهود القادمون من أوروبا إلى فلسطين خلال قرنين، فينظر العرب إليهم بوصفهم غزاة قادمين من أوروبا التي عاشوا فيها مدّة طويلة، ضمن إرادة سياسية أوروبية إمبريالية أرادت إضعاف العرب والسيطرة على مضيق قناة السويس. وقد نجحت بريطانيا وفرنسا حليفتا الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية باستدخال اليهود إلى فلسطين في ذلك الوقت، بعد أن خصصت الحكومة البريطانية منحة تحت اسم “صندوق استكشاف فلسطين” وهي مؤسسة عنيت بالعمل على الدراسات الممهدة لاحتلال فلسطين.

وقد لاحظ العرب الذين كانوا جيرانا لجماعات يهودية متفرّقة اختلافا كبيرا بين الغزاة الذين يأتون تحت تسمية اليهود، وبين اليهود الذين طالما عرفوهم. هكذا اقترح العرب أن يكون يهود أوروبا الغزاة آتين من نسل آخر، وهو الجماعات الخزرية التي اعتنقت اليهودية وهاجرت إلى أوروبا.

ما الذي يقوله العلم؟

بعد أن أصبحت القدرة على رسم الخرائط الجينية أمرا ممكنا، جاءت نتائج الدراسات الجينية مفاجئة للأوروبيين واليهود، لكنها لم تفاجئ العرب.

هذه الدراسات بعيدة عن التحيّز، إذ إن القائمين عليها هم يهود يحملون جنسية الكيان الصهيوني أو ما يسمّى بدولة إسرائيل، وأهمّهم هو إيران الحايك الذي خلص إلى أنّه لا وجود لجين يهوديّ يشير إلى أصل مشترك، وأنّ أكبر مشترك جينيّ من جهة الأصول يعود إلى الخزر بالفعل.

نستنتج أنّ عدّ اليهود قوميّة أمر خاطئ علميّا، وأنّه ليس ثمّة شيء اسمه العرق اليهودي، ولذلك فلا معنى للمطالبة بما يسمّى استعادة الممالك اليهودية القديمة، فهي ممالك لعرب كانوا يعتنقون الدين اليهوديّ وما زال أحفادهم يعدّون عربا، منهم المسلمين ومنهم المسيحيين، ولولا زعزعة الاستقرار العربيّ التي أدّت إلى قبولهم الهجرة إلى الكيان الصهيوني، لرأيت من بينهم اليهود أيضا من يمنيين ومغاربة وعراقيين ما زالوا يشعرون بكونهم غرباء في هذا المجتمع الهجين.