التكفير السهل | أن ترفع سكينا في مباراة شطرنج!

هو اليومَ ادعاءٌ يستحيل تكذيبه بصورة قاطعة، لأنه يختص بالنية التي لا يطلع عليها أحد، ولا يمكن وضعها تحت مجهر مثلا، أو اختبارها بورقة عبّاد الشمس. تخيل لو كانت النوايا كالمحلولات التي يمكن كشف حمضيتها أو قاعديتها بتغير لون ورقة!

ولأن الأمر في النهاية سمعة وصيت، فمن السواء إن كان التشكيك بها صادقا أو كاذبا، في النهاية هي هشّة بقدر أن يجرحها التشكيك، وكما قال بنجامين فرانكلين في تقويمه “ريتشارد المسكين”: السمعة كالزجاج الصيني، تستطيع إلصاقه بعد أن يتكسّر، لكنك لن تستطيع قط أن تعيده كما كان.

فلو كان لديك مثل هذا السلاح، فما الذي سيمنعك من استخدامه؟ إن لم يكن هذا ضمن دائرة ما يرفضه المجتمع، ويعدّ اللجوء له نقيصة بائنة وعيبا مغلظا وخَرْمًا نهائيا في المروءة كاغتصاب طفل، فأنت تستطيع أن تتخيل كمّ الذين سيلجؤون له كلما خذلتهم الحجة والمنطق.

تعلمنا أن الرسول عاتب أسامة بن زيد في قتل مقاتل نطق بالشهادتين، قائلا: أفلا شققت عن قلبه! لكن القوم لا يرجعون إلى العرف ذاته الذي نرجع له، ولا يلتزمون بالقانون ذاته، ولا يتبعون النبي ذاته.

إذا سمعتهم يتحدثون عن أول عهد الإسلام، ظننت المسلمين قوما مهووسين بالجنس والدماء، ووجدت أن العقيدة تتناسب طردا مع هرمون التستستيرون، لا مع الإدراك والحكمة.

هم يتبنون تصورا عن التاريخ يضمن لهم ألا يحتقروا ذواتهم؛ فهم ليس لديهم تعليم جيد، ولا يمتلكون ناصية لغة كتابهم المقدّس، ولا يجيدون الفنون، ولا يمتلكون صنعة تبعدهم عن قرصنة “الأعمال الخيرية”، أو تمويلات الغرب الذي يتحكم بهم كبيدق.

فإذا كان هذا هو سبب التكفير الذي يلجؤون له كل حين، فما الذي سيمنعهم عنه؟ الجمهور في النهاية منساق لما يصوّره الإعلام، والإعلام مَقود بإرادة الدولة، والدولة لا تنفك تنقل غبارهم من تحت سجّادة إلى تحت سجّادة أخرى، فهي لا تريد استفزاز التطرف العنيف، ولا تريد التعرّض إلى مساءلة دولية من الدول الراعية لقادة التطرف والإرهاب.

في ظل هذا، نقول: لقد ترك لنا آباؤنا، المسلمون الأوائل ما يعلّمنا بوضوح أن الذي يستوجب القتال هو الذي يعبث بأمن الناس، لا الذي يناقشهم، فقد كان القراء “الخوارج” عبّادا زاهدين، لكنّهم قاتلوا الناس، وكان المنافقون في المدينة يضحكون من الرسالة كلها، لكنهم ظلوا آمنين ما لم يعيني العدوّ على أهل المدينة.

فإن كان هذا صحيحا، وهو صحيح، فمن “الكافر” إذًا؟ هل هو إنسان ناقش الناس، وعجز التستستيرونيون أن يجيبوه جوابا قاطعا؟ أم هل هو تستستتيرونيّ يرمي الناس في نياتهم ليستحلّ دماءهم؟ وإن عدنا للمعجم، وسألناه عن معنى كفر، لوجدناها غطى. الكافر من يغطي على شيء بشيء، ومن يحاول الطغيان على الناس وتلوينهم بلونه، والذي يسأل يكشف لا يغطي.

متضامن مع كل من يتعرض للتكفير، وأقف ضد الهجمة الجبانة عليه. وإذا كنت تختلف مع من يتعرض لحملة ضدّه، فتذكر أنك تستطيع أن تختلف معه، لكن هؤلاء متى انتهوا من أعدائهم المشتركين بدؤوا يكفّرون بعضهم، فالنوايا أمرها لله، وهم يا صديقي لا صلة لهم به.