الدعوة كخطة بديلة

مدربو مهارات الحياة، وأمثالهم من الدجّالين يقولون شيئا فيه بعض الحقيقة: وجود خطة بديلة يجعلك تزهد في الخطة الأصيلة. وهو ليس قولا مسكوكا باسمهم، وربما سبقهم إلى ذلك علماء النفس، الذين يتحدثون عن شعور الإنسان بأناه في مراحل مبكرة، وحاجته إلى تحقيقها، وهي حاجة نفسية عميقة، قد لا تكون واعيا لها وأنت تتصرف. في هذا المقال سأتناول باختصار أمثلة على أثر هاتين الفكرتين في تشكيل واقعنا العربي، ولا سيما في انتشار الدعاة إلى الله كالفطر.

فكّر بسؤال: ماذا لو لم يتحدث فلان في الدين، من كان سيعرف اسمه؟ لو سألت الناس من حولك عن جيولوجي عربي بارز، سيكون جوابهم: زغلول النجار، ولو سألتهم عن فيزيائي عربيّ بارز، ربما ذكروا لك الطائي، ولو سألتهم عن صيدلاني عربيّ بارز، ربما سيذكرون القنيبي.

وراء هذه الشهرة لهذه الأسماء  أمر واحد، وهو أنهم تحدثوا في الدين.

إذا كان المتعلم العربيّ لديه خياران ليشيع اسمه، ويحقق شيئا من ذاته:

الأول: أن يتميّز في علمه إلى الحد الذي يتيح له جائزة دولية أو انتشارا إعلاميا، وهذا يعني أبحاثا مكلفة وجهدا لا ينقطع لسنين طويلة.

الثاني: أن يخرج على الناس متحدثا لهم عن أمور دينية، متسلحا بشرعية شهادته العلمية.

إذا كان هذا هو الحال، فكيف نتوقع أن يتفوّق المتعلم العربيّ في علمه؟ الناس تحب الطرق المختصرة، وهذا يشمل أغلب الناس بما فيهم العالم والجاهل.

المسألة ليست تشكيكا بنوايا فلان وفلان، ورغم أنها لا تعني أنهم بريئون من الذاتية، إلا أنها لا تعكس بالضرورة وعيهم بغرورهم، ولا وعيهم بكونهم استخدموا الملّة المحمدية خطة بديلة لتحقيق ذواتهم.

هل لذلك أضرار؟

ناهيك عن خسارتنا للعقول الجيدة في تخصصاتها، ثمة مصيبة أخرى تتجلى بهذا المثال:

خرج علينا إياد القنيبي أثناء أزمة كورونا لينقل للناس نقلا ما قرأه حول العلاج المحتمل للفايروس، وهذا سبب مشكلة، أو كان ليتسبب فيها. سيأتي تلخيص لها…

الأخ الدكتورالصيدلاني إياد القنيبي، علم أن لديه جمهورا عريضا، اكتسبه من مرحلتين في دعوته:

الأولى: تنظيره لإخوانه من المجاهدين، حسب تعبيره، من إرهابيي سوريا في داعش والقاعدة.

الثانية: تصديه لإبطال فكرة التطوّر بما يدلّس به على المسلمين من حديث يشبه الحديث العلميّ.

قلت يدلّس، وأعنيها، ولكي تفهم عليك قراءة هذا المقال: رحلة اليقين مع حلّة اليقطين.

وهو يعلم أنّ متابعيه على وسائل التواصل ليسوا على سوية علمية  يعتدّ بها، ولو سألته عن أمور معينة في الدين أو الصيدلة لقال لك: هذا من شأن المختصين. أي أنه يعلم أن أهل الاختصاص لهم مستوى آخر من الخطاب، لو انتقل للناس العاديين فلن يفهموه كما يجب، ولن يتصرفوا بطريقة سليمة إذا فهموه.

وشاهدي على معرفته بنوعية جمهوره، ليس في كونه يجتهد في تفهيم الناس الشيء فقط، ولكنه اضطر كما سبق أن بينا في مقالة حلة اليقطين أن يخاطب جمهوره بشأن كروية الأرض!

فما الذي يبتغيه شخص كالقنيبي من إعلانه عن علاج محتمل لكورونا؟ أردّك لأول المقال لعله يجيب عن هذا السؤال.

أمّا ما يترتب على فعلة كهذه، فهو محاولة الناس تخزين هذا الدواء، ما يعني حرمان المحتاجين له منه!

نتمنى أن إجراءات المؤسسات الرسمية في الحفاظ على الدواء كانت ناجحة، وأتمنى شخصيا أن يراجع القنيبي معالجا نفسيا، ولعله يصطحب معه سائر الذين هربوا من تخصصاتهم إلى الدين بكونه خطة بديلة لتحقيق الذات.