صدّام الحقيقيّ في مدرجات المشجّعين

عدد غير قليل من القوميين الذين يرون ابن الكويت عربيا كابن فلسطين أو موريتانيا، ولا يفضّلون أحدهم على الآخر، يغضب إذا ذكرت الرئيس العراقي صدّام حسين بسوء، بوصفه قائدا قوميا، لكنه في الوقت ذاته لا يهتف باسم صدّام أمام الكويتيّ لأنه يعرف أن صدّام أوغر صدورهم عليه. مع هذا، فإن عددا كبيرا من ذوي الثقافة الشعبية من مشجعي كرة القدم قد يسيئ آداب الضيافة، ويهتف لصدّام على مدرجات المشجّعين، وقد حصل ذلك قبل كتابة هذه المقالة بيوم.

ما وراء ضيق القوميّ من فعلة مشجعي كرة القدم هو حسابات سياسية، وليس رفضا مبدئيا للنهج الصدّامي، ولا هو حتى اعتراف بكونه شخصية جدلية قد يختلف عليها اثنان نيتهما طيبة. لهؤلاء القوميين أقول: بل صدّام على مدرّجات المشجّعين هو صدّام الحقيقيّ. أي إنّ النهج الصدّامي يتمثّل بهذا السلوك الفجّ، لا بغيره.

دعونا نتذكر أن صدّام حكّم أقرباءه في العراق البعثيّ وسام الناس سوء العذاب، وأنه بنهجه في الحكم أشعل حربا لم تأت بأي فائدة مع إيران الخمينية سوى أن تتصدّى للتمدّد الشيعيّ المزعوم، الذي يضحك منه القوميون اليوم عندما تنادي به السعودية، وأنه خسر كل أحلافه، وأدار المعركة مع أمريكا بحمق بالغ، واحتلّت العراق وهي تحت حكمه، ثم أدار أشياعه معارك طائفية قذرة أثناء مقاومة العراق للمحتلّ.

صدّام في مخيال الأردنيين هو الحاكم الذي طوّع الناس بالحديد والنار، والعراقيون في مخيال الأردنيين تصدق فيهم مقولات الحجّاج، فهم شعب لا يحكم بغير البطش والقوة المفرطة. وهو في ذهن “السنّة” شبيه بدرجة ما للحسين عليه السلام في ذهن “الشيعة”، فهو هزم وقتل و”لم يرضخ”.

أمّا في مخيال القوميين فهو رجل له ما له وعليه ما عليه، وقد قاد بلدا عظيما كالعراق، وحاول _ولو بأخطاء_ توحيد بلدين عربيين هما العراق والكويت بالعنف.

لكن لنواجه الحقيقة فصدّام الذي سمعنا اسمه على المدرجات هو صدّام الحقيقيّ، شخصية ثأرية، طاغية، لا تحضر إلا وقد حضرت الفتن الطائفية والسياسية، فهو سبب مباشر لعداء الجمهور الأردني لإيران وللشيعة العرب في العراق وللخليج أيضا.

أجد نفسي كقوميّ عربيّ أردنيّ محرجا من الشعب الكويتي، ورغم أنني لا أتابع الكرة، أرى أن من واجبي الاعتذار عن فعلة الجمهور الأردنيّ فهم أهلي.

هكذا أشعر ربما لأنني لم أكتب يوما مبيّنا مفارقة صورة صدّام المتخيّلة لصورته الحقيقية تحاشيا للمشاكل.