وصفة للفشل | الديموقراطية في الأردن

في إحدى دورات تصميم الأنظمة الانتخابية، قال المدرّب بصراحة وقحة: “إذا توفّرت لديّ المعلومات الكافية، فأنا أستطيع التحكّم بنتيجة التصويت، من خلال تصميم نظام الانتخابات.” نعم، قالها بكل أريحية وكأنه يطلب طبقا من الطعام! ولم يعلم أنّه هدم للتوّ كل قناعة سوّقها للمتدرّبين عن أهمية التصويت في تمكين الشعب من أن يحكم نفسه.

فكرة حكم الشعب لنفسه من الأصل فكرة جدلية، فمن يريد أن يساهم في القرارات العامّة في بلده شخص جاهل أو عنصري أو عميل! الفكرة التي يتقاطع عندها الجميع هي أن يميل الحكم إلى المصلحة العامة، لكنّ تفسير هذه المصلحة بوابة لمشاكل أخرى لا قِبَل لمقال أو كتاب بسردها.

تقوم الديموقراطيات “الناجحة” على ممارسة وحيدة متكررة، بطريقة أو بأخرى، فيها جميعا. وهي أن يكون ثمة قطبان رئيسان للسياسة في الدولة، حزبان أو تكتّلان من الأحزاب. حين يحكم قطب يكون القطب الآخر راصدا له مراقبا لأدائه، وغالبا ما يحصل الأول على أغلبية في السلطة التنفيذية (الحكومة)، ويحصل الثاني على أغلبية في السلطة التشريعية (النواب أو الشيوخ).

نبحث في الدول التي تدّعي الديموقراطية، مثل الأردنّ، فلا نجد هذه الممارسة، فما السرّ يا ترى؟

السرّ كما أسلف مدرّب تصميم الأنظمة الانتخابية في شكل النظام الانتخابيّ طبعا، أي في شكل الديموقراطية، إن صحّ أن يطلق عليها هذا الاسم.

ما الذي يحدث في الأردن؟

منذ الدعوة إلى الانتخابات وحتّى تنفيذ قانون ما، هذا ما يحدث في الأردن:

  • ثمّة هيئة مستقلة للانتخابات، تقرر شكل النظام الانتخابيّ، وهذه الهيئة ليس للشعب أي سلطة عليها، يسمّى رئيسها بإرادة ملكية.
  • النظام الانتخابي في الأردن مرّ في أطوار عديدة، لكنّه كان دائما يعتمد المنطقة الجغرافية كعامل حاسم في تقسيم المناطق الانتخابية، في نظام يسمّى الدوائر الانتخابية.
  • تقسيم المحافظات إلى دوائر قائم على قرارات تأتي من الهيئة المستقلة، وهو يأتي بطريقة تحفظ ثقل بعض الشخصيات المرغوبة، وتمنع أن يتركّز ثقل لشخصية غير مرغوبة.
  • لأن التقسيم جغرافي ديموغرافيّ، يُعمَل بنظام الكوتا، فثمة مقاعد نسائية، ومقاعد شركسية، ومقاعد مسيحية.
  • العامل الحاسم الثاني، بعد تقسيمة الدوائر، في عملية الانتخاب هو الإعلام، إذ إنه ثمة سياسات وتعليمات تضبط الدعاية الانتخابية، في بلد تسيطر الدولة فيه على كل مفاصل الإعلام. الدعاية الانتخابية هي حلقة الوصل بين المرشّح والناخب.
  • يبدأ السباق الانتخابيّ بين المرشّحين عند تسجيل دوائر الناخبين، فيحاول المرشّح نقل أكبر عدد من الناخبين إلى دائرته التي يترشّح فيها.
  • في المرحلة الثانية من السباق الانتخابيّ يكون على المرشّح أن يستميل أكبر عدد من الناخبين لجهته. لأننا نتحدّث عن مجتمع فقير يعمل على مبدأ “أعيش اليوم وأموت بكرة”، فإن المال السياسيّ يتدخّل لشراء الذمم، إمّا عن طريق الخدمات الشخصية أو الخدمات لأهل المنطقة، أو شراء الأصوات.
  • يتمّ فرز الأصوات وإعلان النتائج، أي من فاز بكل مقعد في كل دائرة، ويُقسِم النوّاب القسم الدستوريّ.
  • يسمّي ملك البلاد رئيسا للحكومة، ويبدأ الرئيس بتشكيل حكومته، التي لن تستلم سلطاتها حتى يمنحها مجلس النواب الثقة.
  • مجلس النواب يستطيع حجب الثقة مرة بعد مرّة، ويعود رئيس الوزراء المعيّن إلى خطوة تشكيل الحكومة، ويطرحها لمنح الثقة، ولكن الملك يستطيع حلّ مجلس النواب إذا رأى أن الطريق مسدود.
  • المهمّات التشريعية الأخرى يشارك فيها مجلس الأمة المكوّن من مجلس النوّاب المنتخب بالطريقة التي شرحناها، ومجلس آخر معيّن من قبل الملك هو مجلس الأعيان.
  • عدد أعضاء مجلس النواب في عام 2019 هو 130 نائبا، وعدد مجلس الأعيان 65 عينا، ويتشكل مجلس الأعيان من شخصيات سياسية سبق لكثير منها أن يستلم منصبا وزاريا أو رئاسيا أو سوى ذلك.
  • بعد منح مجلس النواب ثقته للحكومة التي شكّلها رئيس الوزراء الذي سمّاه الملك، يقسم الوزراء اليمين الدستوريّ، ويستلم مجلس الوزراء مهمّاته.
  • يعمل مجلس الأمّة بشقيه النواب والأعيان على صياغة القوانين واقتراحها، أو تمرير القوانين التي تقترحها السلطة التنفيذية، أو رفضها.
  • من مهمّات مجلس الأمة أيضا الرقابة على أداء مجلس الوزراء، والرقابة على دستورية القوانين.
  • في حال لم يكن ثمة مجلس نوّاب لسبب أو لآخر، يسمّي الملك رئيس حكومة يشكل حكومة مؤقتة، وتستلم الحكومة كامل المهمّات السلطوية، أي أنها تشرع وتنفذ وتراقب، وتكون القوانين التي تصدر عنها قوانين مؤقتة.
  • تعرض القوانين المؤقتة أمام مجلس الأمة القادم عند انعقاده، ويكون عليه أن يناقش كمية كبيرة من القوانين دفعة واحدة، وغالبا ما يقرّها.
  • يستطيع مجلس النواب أن يطلب من الحكومة أو أحد وزرائها الاستقالة، بشرط أن يكون ذلك بأغلبية ثلثيّ مجلس النواب.
  • ثمة مجموعة كبيرة من القوانين والتعليمات تحدّ من تعبير المواطنين عن رغباتهم السياسية، ومن أثرها إذا حصلت.

إذا كانت هذه هي الحال، وهي كذلك، فكيف سيقرّ قانون واحد في صالح المواطن، إلّا إذا كان الملك شخصيا وراءه! نحن أمام تصويت شكليّ لا يرقى إلى تسميته ديموقراطية شكلية.

وبعد كل هذا، تجد المواطنين غير واثقين بفكرة التصويت، لا لأسباب أيدولوجية أو معرفية، ولا لأسباب تاريخية، مثل كون هتلر جاء إلى الحكم عن طريق الديموقراطية، بل لأنهم ينظرون في مجالسهم النيابية المتعاقبة فيشعرون أنهم فاشلون في انتخاب من يمثّلهم. أمّا الحقيقة فهي أنّ المواطنين أنفسهم كانوا يشتركون في تمثيلية معروفة النهاية “شريد”، ثم يحزنون لنتيجتها.