الذكاء الاصطناعي والكهنة الجدد

 خلال يومين شاع على وسائل التواصل الاجتماعي استخدام تطبيق متاح منذ مدة طويلة على سوق التطبيقات باسم “تطبيق الوجه” أو “فيس آب”، وكالعادة صدرت فتوى تحرّم التطبيق لأنه “يغير من خلق الله”، وصدرت تحذيرات تتعلق بكون التطبيق روسيا، وبكونه سيستغل معلوماتك الشخصية… إلخ. والحقيقة أنه ثمة ما يجب الوقوف عليه في قصة التكنولوجيا، لكنه بعيد عن هذين التناولين.

في البداية لابد أن أقول لمن يحذر “يطعمك الحج والناس راجعة” أي أنك تأخرت كثيرا، لا سيّما وأن منصات التواصل الاجتماعي التي تشارك عليها تحذيراتك تفعل أكثر مما يفعله فيس آب. وأن مسألة التحريم والتحليل في المجالات الجديدة لا تخرج عن طبيعة المؤسسة الدينية التي اعتادت أن تحرم كل ما هو جديد.

لكي تتأكد من كون القطار فات المعترضين، تستطيع أن تزور موقع:

https://thispersondoesnotexist.com

هنا سترى كيف يولد الموقع وجوها بشرية بدقة عجيبة، وهي وجوه لا وجود لها، أي أن الذكاء الاصطناعي يستخدم طوفان صور السيلفي ليخلق وجوها جديدة.

أو عليك أن تشاهد هذا الفيديو الذي يستخدم فيه ذكاء اصطناعي قادر على خلق المناظر الطبيعية بإرشادات بشرية:

 وقد حرصت ألا أضع اسم الموقع لكي لا يستخدم لخلق صور مكذوبة من نوع “ظهور اسم الله على حبة طماطم”، مع أننا استخدمناه لوضع منشور على صفحة فيسبوك الخاصة بالمدونة وقد صنعنا به صخورا على شكل اسم “الله”

هذا ليس كل شيء، فجامعة ماساتشوستس تنشئ الآن آلة لصناعة الكوابيس، اسمها “آلة الكوابيس” أو “نايتمير ماشين” وتسأل الناس عما يخيفهم ولا يخيفهم من صور كابوسية لوجوه أو أمكنة لتطوير عمل خوارزمية توليد الكوابيس.

وكل مرة تستخدم فيها محرك البحث جوجل أنت تساهم في تطوير آلة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.

هذا كله مجرد استعراض بعض ما وصلت له التقنية، وليس هذا ما يجب الوقوف عليه حقيقة! فما هو يا ترى؟

دارسو الأنثروبولوجيا والجينولوجيا، علمَيْ الإنسان وأصل الأخلاق، ينظرون إلى فكرة الإله على أنها لها دواعيها عند المجتمعات، وبغض النظر عن جدال إن كانت الآلهة موجودة أم لا، فإن من الواضح أننا لا نعرف خلال حياتنا إن كانت نتيجة أفعالنا ستكون إيجابية أم سلبية على المدى الطويل، لذلك كان في فكرة الإله ملجأ لهذا الخوف، إذ نحن نردّ معرفة الخير والشر على المدى الطويل لهذا الاصطلاح سواء كان حقيقة  أم لا.

الآن إذا رأينا أننا نستطيع أن نصنع آلة لها زاوية نظر كبيرة زمنيا ومكانيا مثل الذكاء الاصطناعي، فنحن ننظر بصورة أو بأخرى لنوع جديد من الآلهة حسب التوصيف التاريخي، نوع صنعناه نحن.

هذه الآلهة التي قد تتحكم بالعالم وتسير التاريخ حسب هوى صانعيها أو هواها المستقل إن امتلكت وعيا خاصا بها، ستكون قادرة على رسم التاريخ في الماضي والمستقبل، الماضي في أذهان الناس الواقعين تحت سطوتها، والمستقبل في الواقع الذي يصنعه هؤلاء الناس.

إلا أن الكهنة الذين صنعوا هذا النوع من الآلهة هم المبرمجون.

أين العرب من هذه الإمكانيات اليوم؟

المسألة ليست جلدا للذات، وإنما تنبيه لخطر المسألة، وأن علينا أن نبدأ بالمساهمة في الخوارزميات لعلها تعمل لصالحنا.