رأيت سؤالا يتكرر، وأحببت أن أكتب إجابتي عنه، علما بأن إجابتي هي محض ظنوني التي ارتحت لها.
السؤال هو: ماذا يعني مصطلح نشمي؟
وهنا أنا أريد أن أكرس طريقة في استنباط دلالة المفردة، لكن باستخدام مثال عمليّ.
أبدأ صوتيا ثم معجميا ثم تداوليا ولن أتطرق للمعنى الاستعمالي لأنني لا أملك نصا أفحصه وأنظر في سياقه.
أولا المعنى الصوتي:
لو نظرنا في الجذور التي تبدأ بحرفي الفاء والراء متعاقبين، لرأينا نسقا جامعا في المعنى: “فرج، فرد، فرق، فرش، فرع، فرغ…” ولو أنعمنا النظر في إحساسنا في نطق الفاء والراء سنجد أن الانفتاح والبسط حاضر إحساسا وحاضر معنى.
الآن لنأخذ الجذور التي تتشارك مع “نشم” في بدايتها: “نشب: انتشر سريعا، نشج: أصدر صوتا في الشهيق، نشد: طلب وبحث عن، نشر: بعث من موت، نشق: اشتمّ ، نشف: تقال في تبخر الماء…”، ولنلاحظ أن النون فيها معنى الانبعاث من السكون، والشين فيها معنى الانتشار.
يبقى معنى الميم ليتمّ لنا المعنى الصوتي، والميم في النهاية غالبا تأتي للاستغراق والثبات.
إذن، المعنى الصوتي هنا يدور حول: صفة سرعة الحركة والانتشار الدائمة التي لا تتغير.
ثانيا المعنى المعجمي:
النشم: شجر صلب العيدان، تصنع منه القسيّ، وقيل السهام. (القوس والنشاب).
نشّم في الأمر: ابتدأ به.
نشّم اللحم: بدأ فساده، وانتشر فيه العفن.
المنشم: جزء من نبات له رائحة كريهة، وقيل عطّارة يتشاؤم العرب بعطرها. (تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم- ابن أبي سلمى)
وهنا علينا أن نبين أن التسلسل الأكثر رجحان لحركة المفردة بدأ من الابتداء (الموافق للمعنى الصوتي)، ثم انتقل ليصبح اسما للشجر الذي تصنع منه القوس التي تدفع بالسهم، ثم وصل إلى انتشار العفن في اللحم (إذ هو انتشار أصلا)، ثم انتقل ليكون اسما للرائحة الكريهة في منشم.
ثالثا المعنى التداولي:
سنأخذ مثالين من الشعر الشعبي النبطي، ونقتصر عليهما تجنبا للإطالة.
الأول- قول عبد الرحمن بن علي المبارك:
(حـر نهـار الصـيـد لــه طـلـع واوقــاع لا طـار عرقـا صيدتـه محـمـي السـيـر
والذيب تالـي فـي الحبـر صـار شنـاع ان علـقـن وان كـــان حـلــن معـاثـيـر واستـر خاطـر بـو محمـد ولــه شــاع علـم الثـنـا مــن ويــن يـمـم تياسـيـر
حلاة القنـص طربـه وشرغـه ومربـاع وانس على شوف الحباري مع الطيـر
وان داخلـه هـم علـى القـلـب وضـيـاع صـفـوه تـكـدر والـجـوز مـنـه اخـيــر
يـا ماحـلا المقنـاص مـع ربـع اسـبـاع عـقــال طفـجـيـن نـشـامــى مـنـاعـيـر
مـن فــوق هـجـن صيعـريـات وربــاع مـثــل الـقـطـا لا سـهـمـن بالمـحـاديـر
مـتـعـودات الـسـيـر دلــــي ومــربــاع يـدعـن مسـيـر العـشـر يــوم بتقـديـر)
والشاهد في قوله يصف الرجال الذين يهوى الصيد معهم: “سباع عقال طفجين نشامى مناعير”
السباع: الكمّل الذين لا نقص فيهم، والأسود، ووحوش البر.
عقّال: جمع عاقل، وهو الرشيد الذي لا يضل.
طفجين: الذين لا يحبون البقاء في مكان واحد.
مناعير: سريعو الانفعال، غير متبلدين.
وسنترك كلمة نشامى لأنها مقصد البحث.
الثاني- قول ابن وقيش:
(تعالوا بنا نمحي الأمية من الأكبادْ ونوقَفْ ابصف العلم واللِّي يدرسونَهْ
حيث أنهم في حاجته والزمن رَدَّادْ وعصر التطور يحكم أنهم أيشغلونَهْ
بيقطف ثمر علمه غصيبه على الحسادْ ويرتاح من يوفي الأمانات وديونَهْ
اللّه عطاه المال وتكاثرت الأولادْ لو كبر سنه له شبابٍ إيحاصوَنهْ
وإن مات قلنا رحمة اللّه على العبادْ وخَلَّفْ نِشامى مركزه بايكفونَنهْ
ًقَالَه ذكر وأسمه يسجل عدد الأفرادْ مع كل فردٍ من عْياله يِكْتْبوَنهْ
ويتواصفو باسمه إذا عَدَّوْ الأجداد واللّي شِطَرْ مِنَّا لجده ينسبوَنهْ)
والشاهد في قوله: “وخَلَّفْ نِشامى مركزه بايكفونَنهْ”
ولأن كلام ابن وقيش أكثر وضوحا لقارئ اليوم سنبدأ فورا بتلمّس المعنى التداولي للكلمة، باستخدام المثالين.
نشامى وهي جمع نشميّ تقال في المدح، وهي صفة جيدة عند العرب، لها علاقة بسرعة الحركة في الصيد، ولها علاقة ببعث اسم الجد في اسم أحفاده بعد موته.
نتيجتي:
نشميّ تعني صاحب المبادرة النشط، ومن أضدادها البليد الخامل. تصف الإنسان الذي يستأنف بعد فتور، ويتحرك بعد سكون. وهي كلمة فصيحة درجت في العامية وحدها من شجرتها الكبيرة من الكلمات التي تحمل روح المعنى ذاته.
خاتمة:
المفردة عرضة للانزياح في الزمان والمكان واللهجة، ولذلك فالمعنى غير نهائي، ويمكن أن يسخّف المفردة كثرة تداولها في غير مكانها ويفقدها معناها، ولذلك أقول: فلنكن نشامى وصفا لا اسما فقط.