ليس ثمة وسيط أفضل للكشف عن عقليات مجموعة ما من فنونها. إن الناظر في فنون الإسلامويين من شعر وغناء يكتشف سريعا أنه أمام مجموعة من القوالب تتكرّر. في الحقيقة إن القوالب لا يمكن الهروب منها، وهي موجودة عند الجميع، لكنها عندهم مقصورة على عدد قليل جدا من القوالب الأكثر شهرة. وهذا ربما كان بسبب قلة اطلاعهم على فنون غيرهم.
إنّ القوالب الحاضرة في “إبداعات” الإسلامويين الفنية تنمّ عن شيء يستدعي الانتباه في أذهانهم، إذ من غير المتوقع ممن يتعامل مع عالم الفنّ المفتوح على احتمالات تقارب اللانهاية باستخدام عدد محدود من القوالب الشائعة، أن يتعامل مع عالم الاقتصاد المغلق على احتمالات محددة بإبداع، كذلك مع العلم، والسياسة، وغير ذلك من المجالات التي يمكن وصفها بالمجالات المقيّدة.
من المؤسف أن الفنون العربية عموما تعاني مع القوالب المحدودة العدد نفسها، مع مساحة ضيقة للإبداع. هذا يمكن ملاحظته في رويّ الأغاني المحدودة بعدد من القوافي المتكررة بصورة ممجوجة. وهذا يدلل على أن القولبة أمر حاضر في بناء الشخصية العربية من الأطياف جميعها.
القوالب أكثر وضوحا لدى الإسلامويين لأن أعدادها عندهم أقل، وبالآتي تكون ملاحظتها أسهل. وهم لا يتعفّفون عن سرقة الإنتاجات الإبداعية وإلباسها ثوبا إسلاميا، بنزع الموسيقا من الألحان، والإبقاء عليها مملوءة بالتأوّهات، مع تبديل بالكلمات يكاد يلتزم بطريقة صياغة الأغنية الأصلية حذو القذة بالقذة، لكن الكلمات آتية من المعجم الإسلامي، فتصبح “الأماكن كلها مشتاقة لك” شيئا مثل “المساجد كلها مشتاقة لك”.
إذن نحن في صدد النظر في جماعة هي الأكثر قولبة في مجتمع مقولب في الأصل، وربما كانت هذه المعادلة سببا في انتشار هذه الجماعة، فهم يقدّمون تأكيدا جماعيا على نجاعة هذه القوالب لضحاياها. لننظر مثلا في ردودهم على أي فكرة يرونها خصما لهم، سنجد دون كثير تمحيص أنهم يستخدمون قوالب معدّة مسبقا للردّ عليها. ليكون الأمر أكثر وضوحا، دعونا نأخذ مثال الحجاب، فقد رأيناهم يستخدمون مثال الحلوى المغطاة والحلوى المكشوفة، والموزة قبل التقشير وبعده، وبين هذين المثالين أمثلة كثيرة صيغت على المنوال نفسه. لكن كيف يكون هذا مساعدا على انتشارهم في هذا المجتمع؟
إن الشخص العربي المعتاد على القوالب المريحة لذهنه سيرى في طروحات هذه الجماعة شيئا يفهمه بسهولة، ويمكّنه من الصياغة على منواله بسهولة، فهو لا يشعر بفرق كبير بينه وبين المتميزين من أعضاء هذه الجماعة، ولا يشعر بغربة تفصله عن بقية أعضائها.
لهذا كله، فإن الإسلامويين ينافحون عن القولبة التي يتعرض لها المجتمع في المناهج المدرسية، ويحرصون على السيطرة على قطاع التعليم في البلدان التي تترك لهم حرية الحركة. هذه القولبة هي ما يمنحهم جمهورا عريضا يمكنه حمل عدواهم فيه. وسنجد أن الإخوانيين المفارقين لهذه القوالب، ولو قليلا، سيكونون عرضة للاستبعاد من جمهور الإخوان ومن قيادات الجماعة.
ربما هذا ما يفسّر أن غالبية الظاهرة الإخوانية اليوم باتت ظاهرة إعلامية محضة، فثمة بعض الشخوص المركزيين، وجمهور عريض من المتابعين الذين قد لا يرون أنهم ضمن جسم الجماعة، وهم في الحقيقة جسمها الوحيد.
لقد تحولت الجماعات الإسلاموية إلى فيروسات تطلقها مجموعة مركزية ويصاب بها مجموع طرفيّ هو المجتمع العربي أو الجزء الأكثر قولبة منه. المقولبون هم ذاتهم عندما يغيرون ولاءهم لسبب أو لآخر يتحوّلون إلى النمط الليبرالي، أو إلى نمط الملحدين الجدد الذي ناقشناه من قبل في هذه المدونة، أي أنهم في النهاية يحافظون على قوالبهم، مع تغيير المحتوى قليلا، ويستبدلون به المحتوى الأكثر توفرا لديهم.