الإدارة الثقافية ثقافة أيضا | عن مهرجان جرش

في 19 تموز الجاري تنطلق في الأردن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون، في دورته الثالثة والثلاثين. مهرجان جرش مهرجان أردنيّ عريق، كان منطلقا لعدد من الفنانين العرب فيما سبق، يوم كانت الأردن قطبا إعلاميا عربيا، ومشغل دراما متفوقا في المنطقة، لكنه ومنذ سنوات في تراجع مستمرّ، يشبه تراجع قوى الأردن الناعمة كلها، حتى داخل حدودها.

تقع إدارة الفعاليات الثقافية والفنية تحت تخصص الإدارة الثقافية، وهو  تخصص لم أسمع عنه أنه يدرّس في الجامعات الأردنية، وقلما تجد مؤلفات عنه في المكتبة العربية، لكنه موجود في العالم كله، وباستخدامه تدار المتاحف والحدائق والمكتبات والمهرجانات، وهو يشمل إدارة الحملات الإعلانية والإعلامية الخاصة بالفعاليات، وكذلك مسح الجمهور المستهدف ومعرفة توجهاته، ومسح السوق الثقافية ومنتجاتها، والتواصل مع الفنانين والمؤثرين، والتعامل مع المراسلات والأمور اللوجيستية، وما إلى ذلك.

الأردن لا تفتقر إلى متخصصين في هذا المجال، وكثيرا ما تحدث فعاليات ناجحة فيها، لكن وزارة الثقافة تواكب التطوّر بعرج واضح، ولا تلحق بالركب، كما سنرى عندما ننظر إلى الحملة الإعلامية المرافقة للمهرجان.

كثير من المؤسسات الحكومية تفشل في التواصل مع الجمهور خارج أسوار المؤسسة، بل وتفشل داخل الأسوار أيضا في هذه المهمة، وهي لا تولي هذه القضية الحساسة اهتماما ظاهر الأثر.

لو أردت بسط الحديث في شأن نقد حملة المهرجان، فإنني سأطيل كثيرا، وفي الوقت نفسه أنا لا أريد أن أبدو في موقع المهاجم لهذا المنتج الأردني الحضاري الذي نودّ له أن يتطوّر، ولا أن أبدو في صفّ من يحاول إحراج الدولة الأردنية بمراسلة المفتي برسالة عامة، طالبا منه أن يفتيه في مدى مشروعية المهرجان من منظور الشريعة الإسلامية.

لكن لننظر إلى محاور محددة…

الشعار (لوجو):

35144943_1755902984485631_1058738146025406464_o

هل أعلنت وزارة الثقافة عن مسابقة للشعار؟ وهل وقع الاختيار بعد هذا على هذا الشعار الضعيف جدا! فلولا أنك تعرف أن المقالة عن مهرجان جرش، فقد لا يسعفك بصرك في إظهار كلمة جرش مكتوبة داخل الصفر!

على هذا الملصق ملاحظات أخرى مثل اجتماع خطوط متنافرة في لوحة واحدة، وخلفية لا علاقة لها بمحتوى الملصق، ولكننا كنا نتحدث عن اللوجو حصرا.

الشعار المنطوق (سلوجن): 

“فدوى لعيونك يا أردن”

هو مقطع من أغنية تعبوية تقول (فدوى لعيونك يا أردن، ما نهاب الموت حنّا) لماذا يقع الاختيار على هذه الجملة؟ وما دخلها في الثقافة أو الفنون أو جرش؟ هل هو مهرجان أغاني تعبوية! لا … إذن لماذا يوحي بذلك السلوجن؟

ملصقات الشارع: 

انظروا أولا لهاتين الصورتين:

 

هذه اللوحات مشوّشة جدا، لا يمكن معرفة ما تريده، وهي ليست جذابة بصريا، ولا تراعي أي معيار من معايير التصميم.

لو كنت راعيا للمهرجان فلماذا أصر على إظهار شعاري على ملصق بطريقة تجعل من المستحيل ملاحظته!

لم يراع صاحب القرار أن هذه اللوحات موضوعة على شارع السرعة فيه أكثر من 40 كلم في الساعة، وهذا يعني أن المتنقل في سيارته لا يكاد يقرأ اسم المطرب حتى يكون مرّ عن الإعلان، المكتوب أصلا بخط لا يراعي بعده عن اللوحة!

ثم لماذا يقع الاختيار على خامة قماش أو ورق مصقولة! أليست بلادنا بلاد الشمس الحارقة! كيف سنبصر مع كل هذا الانعكاس!

بربكم ما هي العناصر التي تدل على جرش، باستثناء رؤوس الأعمدة الموضوعة للزخرفة بطريق لا تظهرها أصلا! وخلفية صورة المطرب!

التطبيق: 

في خطوة موفقة جدا، صنعت إدارة المهرجان تطبيقا للهواتف الذكية خاصا بالمهرجان، وهو يجيب عن كثير من الأسئلة، وتصميمه جيد من ناحية تقنية.

لكن عليه الملاحظات الآتية:

  • مكان تغيير اللغة غير واضح أبدا، ولا يراعي قواعد تصميم تجربة المستخدم.
  • لغته العربية مضطربة جدا، ولا تليق بمهرجان مثل جرش، لأننا نجد بنودا فصيحة ثم بندا واحدا مكتوبا بالعامية (شو في بمهرجان جرش) والصواب حتى في العامية أن نقول (شو في مهرجان جرش) أو (شو فيه بمهرجان جرش)، وكذلك نجد خطأ نحويا في (اشتري تذكرتك) والصواب (اشترِ تذكرتك)، والأصل أن نكتب (لشراء التذاكر) وفقط، لكي نتخلص من تحديد جنس المخاطَب.
  • مع أن التطبيق مقام على أساس موقع إلكتروني، إلا أنه متاح فقط على سوق الآندرويد، وتصدير نسخة آيفون منه لا تحتاج لجهد كبير، إلا إذا كانت خيارات بنائه أصلا اتخذت آندرويد كبيئة برمجية واحدة، وهذا في حد ذاته خيار غريب.

صفحة فيسبوك الخاصة بالمهرجان جيدة نسبيا، ولكنها تلبي الحدّ الأدنى فقط، ولا يبدو أن الذي رسّم عليه عطاء إدارة الصفحة يملك خط “عمان سانس”، الذي يعدّ الخط الرسمي في منشورات المهرجان، ولذلك فهو يعتمد في تصميماته تشكيلة من الخطوط مثل الرقعة وغيرها، ويضعها على اللوحة الواحدة.

هذا كان حديثا مقتصرا على رؤس الأقلام، ويمكن إطالة هذه المقالة حتى تصبح كتيّبا، نظرا لكثرة الأخطاء في الحملة الخاصة بالمهرجان.

نتمنّى أن تظهر علامات وجود مختصين في الإدارة الثقافية في إدارة مهرجان جرش وحملاته، لكي ندافع بقوة عن المهرجان أمام الهجمات الشرسة عليه، دون أن نقلق من مراكمة الفشل.