إلحاد البرستيج : الفيزياء الإنكليزيّة المُسلّية.

كتابة: بشار عباس.

قال شارل ديغول : لا سُلطة من غير برستيج . وكلمة “برستيج” بالعربيّة هي تماماً : الأُبّهة.

يوضّحها جُرجي زيدان في مؤلّفه ” تاريخ التّمدُّن الإسلامي – الجزء الأوّل ” بأنّها : العَظمة والبهجة والكبر والنّخوة، ونُريد بها مظاهر الدّولة في أبهج أحوالها وأفخم أطوالها ” .

أمّا استعمال ” البرستيج” في اللّغة المحكيّة، والمختلط بالبروتوكول والأتيكيت، فلا يعدو مفهوماً ضبابيّاً مشوّشاً عن طريقة لباس معيّنة، أو ماركة سيّارات، ربطة عنق، عادات سلوكيّة مُتقنة على الغداء والعشاء، لغة مخلوطة بمصطلحات إنكليزيّة أو فرنسيّة، فيللا، خاتم ألماس .. إلخ.

وفي الإنكليزيّة وفق أوكسفورد، البرستيج هو: الاحترام والاعجاب بسبب الجودة والنّوعيّة والانجاز.

بجميع الأحوال: سواء كان البرستيج على مستوى السّلطة كأن تقوم دولة ما بتنظيم ألعاب أولمبيّة مهولة أو مهرجان سينمائي، أو على مستوى الشّعبي الشّخصي كأن تقوم عروس باستئجار فستان عرس مصحوب بمجوهرات مزيّفة، فإنّ المعنى يدور حول المظاهر، والادّعاء، ولفت الأنظار، وحبّ الظّهور، فالأصل واحد للبرستيج سواء قامت به السُّلطة، أو الفرد.

والآن يزوّدنا المركز العولمي للمعرفة بنوع جديد مختلف للبرستيج، وهو: الإلحاد الفيزيائي !

سابقاً : كان الإلحاد الماركسي – اللينيني جزءاً من الفلسفة الماركسية، والّتي كانت لا دينيّة وعلى عداء مع الدّين،و تدعو إلى المادية في فهم الطبيعة والمجتمع، فالدّين بالنّسبة لهذه الفلسفة هو أفيون الشعب، يؤدّي إلى القبول السّلبي للمعاناة على الأرض أملا في الثواب الآخروي.

وأيضاً: كان الإلحاد العُمّالي القومي الإشتراكي ( النّازي ) يقوم على مبدأ أنّ المسيحيّة سبب انحطاط أوروبة، ويجب حمل لواء الأمبراطوريّة الرّومانيّة مجدداً، وأنّ الأمّة هي المؤلّهة، والعِرق – الإثنيّة – هو المقدَّس.

وهناك إلحاد ” وجودي ” يُمكن أن يتمرّد على نوعي الإلحاد ” السّياسيين” السّابقين، يقول هنريك أبسن: ” أنا فيما يخصّ السّياسة كافر، إذا أردتَ أن تنفيني ضعني ضمن نظام سياسي، إنّني لستُ رقماً حسابيّاً، إنّني أنا” الإلحاد الوجودي غرضه التّأكيد على تفرُّد الإنسان ف” الجحيم هو الآخرون”، وأنه صاحب حرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى وصاية.

وقبل ذلك بكثير: عندما يقول أبو بكر الرّازي : ” من أين أوجبتم أنّ الله اختصَّ قوماً بالنّبوّة دون غيرهم وفضّلَهم على النّاس” .. فهو يرفض التّمييز الّذي كان قائماً على زمنه بين العرب والعجم. وعندما يسخر ابن الرواندي من معركة بدر قائلاً ” إنّ الملائكة كانوا مفلولي الشّوكة عديمي البطش، لأنّهم على اجتماع أيديهم مع أيدي المسلمين لم يقتلوا زيادة على سبعين رجل،وأين كانوا يوم أُحد ؟ ” .. فإنّه يعرض رأيه في كتاب ” فضيحة المعتزلة ” في سعي إلى تقويض ” العقل ” المُعتزلي، بعد أن أصبح وسيلة للتسلُّط في البلاط، وينفصل عنهم بإعلان استحالة استعماله إلى جانب النصّ الدّيني، من خلال استعمال” الرّقم” في مواجهة الحقيقة التّاريخيّة.

في كلّ زمن: كان الإلحاد مسألة فلسفيّة، تأخذ موقفاً من المجتمع، الطّبقات، الصّراعات، الحريّة الفرديّة، ومن المسائل والقضايا الرّاهنة المُلحّة

اليوم أصبح الإلحاد ” فيزيائي” ، يُناقش مسائل مرتبطة بالكواكب، إلحاد ” مرّيخي ” فلكي، يقترح الأسئلة ثمّ يُجيب، وذلك تحت مبرّر العلم، في كتب مصمّمة للعامّة من القرّاء.

إلحاد ” دايت ” مبني على الإعجاب بتجربة شخصيّة إنسانيّة عن مواجهة المرض والإنجاز ، ، نعلمُ عنه القليل بما يكفي للإعجاب بمصدره، وتداول النّقاشات اللطيفة ريثما يأتي النّادل بالصّحون، أو بالأقداح، أو بالفاتورة.

تاريخ الصّراع الطّبقي، تاريخ العبوديّة، تاريخ النّهب الاستعماري، تاريخ تحويل دول وأمم إلى تصدير العبيد و الخادمات واللّفايات، تاريخ الكبت الوطني والمعرفي ، تاريخ ثراء وفقر الأمم ، كلّ ما سبق: أين هو في “تاريخ موجز للكون”، أو تاريخ الزّمن ؟
إنّه غير موجود، فالحديث الآن عن كون من النّوع الفيزيائي، وزمن مرتبط بالثّقوب السّوداء.

إلحاد من نوع ” البرستيج الإنكليزي” … لا يقترح أيّ سلوك، أو موقف، أو ردّة فعل تجاه أيّ قضيّة، إلحاد لا وقت لديه ليشرح .. لأنّه من اختصاص ” كهنة ” الفيزياء، الّذين يقدّمونه بلغة بسيطة سهلة، لا تنغّص على القارئ لا بالتّفكير، ولا بالاستهلاك.
برستيج يصدر عن مركز طبقة اللّوردات في الغرب، فيتلقّفه ” البرستيج” الثّقافي المحلّي، من غير حاجة للتعمّق بالقراءات ” المبسّطة ” لأنّها للاختصاصيين.
إلحاد يؤدّي إلى الإعجاب بالأبّهة الملكيّة.

إلحاد للإلحاد، أو: إلحاد بوست – مودرن.