العربيّة للعرب| #2

سبق في المقال الأول أن بيّنّا القواعد الرئيسة التسع، وسنضيف إليها هنا بقية القواعد كما نلاحظها، قاصدين من ذلك أن نختصر قدر الإمكان، فتكون القواعد قليلة، ومتعلقة بالمعنى المعقول كما لاحظها صاحب مقال (النحو المعقول) د. محمد كامل حسين، وهذا بغرض جعلها قابلة للاستدعاء بسهولة، فيزداد احتمال الاعتياد عليها، لتتكوّن السليقة العربية السليمة.

إليك بقية القواعد:

10- في التكملات ينصب كل ما كان ممكنا أن يدخل عليه الجرّ دون تغيّر معناه، باستثناء وحيد وهو المضاف إليه.

أي أننا ننظر في الكلمة داخل الجملة، فإن كانت قابلة لاستقبال حرف من حروف الجرّ دون تغيّر المعنى، فهي منصوبة ما دام حرف الجرّ لم يلحق بها، وهذا نلاحظه في المثالين الآتيين:

رأيتك أثناء ذهابي إلى السوق. (أثناءَ: منصوبة، لأننا نستطيع إدخال حرف الجرّ “في” عليها دون أن يتغيّر المعنى، فنقول: رأيتك في أثناء ذهابي إلى السوق).

ظنّنت الضيف عارفا قدرَه عندي. (قدرَ: منصوبة، لأننا نستطيع إدخال حرف الجرّ “ل” عليها دون أن يتغيّر المنعى، فنقول: عارفا لقدره).

لكن في حال الإضافة فالوضع يبقى على الجرّ، وذلك متعلّق بالتغيير الطفيف الذي يظهر في المعنى. نحو:

قلم الأستاذ سلس الخطّ. (قلم الأستاذ: مبتدأ مضاف ومضاف إليه، قد يدخل عليه الجرّ فنقول: قلم للأستاذ، لكن هذا ينكّره.) (سلس الخطّ: خبر مضاف ومضاف إليه، قد يدخل عليه الجرّ فنقول: سلس في الخطّ، لكنّ هذا فيه انزياح طفيف في المعنى.)

لذلك فالإضافة هي الشذوذ المتعلق بهذه القاعدة.

11. المنادى بحرف نداء أو بدونه، يكون مرفوعا إذا كان مقصودا لذاته، ويكون منصوبا إذا كان مقصودا لصفة فيه.

عندما نقول: يا أحمدُ، يا اللهُ، يا رجلُ. فنحن ننادي على منادى مقصودٍ لذاته.

عندما نقول: يا مرشدًا للناس، يا رحيمًا بالعباد، يا سائرًا تبغي رزقك. فنحن ننادي على منادى مقصود لصفة فيه.

12. تعامل أسماء الاستفهام غير المبنيّة كما تعامل سائر الأسماء، فتنصب إذا كانت تكملة، وترفع إذا كانت موضوعا أو تتمة، وتجرّ إذا كانت مجرورة، ولا تغيّر بناء الجملة في شيء.

نحو: أيُّ الناس أحق بصحبتي؟ (أيّ: موضوع الكلام، ولذلك فهي مرفوعة.)

أيَّ الممثلين تحبّ؟ (أيّ: تكملة منصوبة، فموضوع الجملة هو “أنت”، وتتمتها “أنّك تحبّ”.)

 13. الاستثناء لا يغيّر فيما سبق من القواعد، فإذا كان بأداة (إلّا) عدّت أداة وصل، وأخذ المستثنى حكمه في الجملة موضوعا كان أو تتمّة، حسب المعنى، وإذا كان الاستثناء بسوى وغير وعدا فهو مضاف، ويكون المستثنى مضافًا إليه، وبذلك يجرّ.

14. كلا وكلتا اسمان تعدّ ألفهما أصليّة إذا سبقا المثنى، أمّا إذا جاءا بعده فيكونان توكيدا تابعا، فيرفعان بالألف لأنهما يعدّان مثنى، ويجرّان وينصبان بالياء للسبب نفسه. فإذا جاءا بعد تقسيم بغرض الإجمال عادا إلى صورتهما الأصلية بالألف، وإذا استخدما بغرض التوكيد كان لهما حكم المثنى، ووجب إكمال الجملة على أنّهما كذلك.

نحو: إنّ المعلّم والطبيب كلاهما لا ينصح. (لاحظ أنّ “ينصح” مفردة، وذلك لأن “كلاهما” عملت عمل الإجمال).

إنّ المعلّم والطبيب كليهما لا ينصحان. (لاحظ أن “ينصحان” مثنى، وذلك لأن “كليهما” عملت عمل التوكيد.)

15. الشرط يجزم إذا كان فيه معنى الشرط، وكذلك الطلب. أما إذا كان تقريرا لتعلّق حدث بحدث، فليس بشرط جازم.

نحو:

إن تدرس تنجح. (هذا شرط حقيقي جازم).

ادرس تنجح. (هذا طلب وفيه معنى الشرط، ولهذا فهو جازم).

دعني أخبرك. (الطلب هنا “دعني” مجزوم لأنه فعل أمر، لكن “أخبرك” فعل مضارع مرفوع، لأن الجملة لا تحمل معنى الشرط).

16. ما يأتي بعد كم، ينصب إذا كان المعنى سؤالا، ويجرّ إذا كان المعنى تكثيرا.

نحو:

كم ساعةٍ نمت! (يعني أنك نمت عددا كبيرا من الساعات).

كم ساعةً نمت؟ (يعني  أنني أسأل عن عدد الساعات التي نمتها).

17. يجرّ بالفتحة، ويمنع من التنوين، ما كان ممنوعا من الصرف، ويمنع من الصرف ما كان دون “ال” التعريف من الآتيات، ولم يقع مضافًا:

من الصفات ما كان على على وزن: أفعل وفعلاء وفعلان. نحو: أزرق، أحمق. صفراء، رقطاء، سكران، حيران.

من الأعلام ما كان : أعجميا (ممرت بيعقوبَ)، على وزن فِعْلٍ من الأفعال (سلمت على يزيدَ)، مؤنثا أو على صيغة التأنيث (أخذت من عائشةَ، أكرم بحمزةَ)، على وزن فعلان (غضبت من عثمانَ).

من الجموع ما كان على وزن: فعلاء، أفعلاء، مفاعل، مفاعيل.

18- يقاس ما دون ذلك من أوضاع الجمل على المأثور من كلام العرب.

19- قواعد العدد والمعدود، وهي موجودة على الشبكة وتجدها ببحث بسيط، غير أنك تستطيع أن تذكر العدد ملحقا إياه بالمعدود مجرورا مسبوقا بـ”من”، فتتجنب الصعوبة في تذكّرها، أو تحتال عليها بطريقة أخرى، وهي سهلة الحفظ والتذكر لمن كرّس لها وقتا.

نحو: أخذت منه مئتين من الدنانير.

هذه القواعد النحوية الـ19 تجنّبك أكثر اللحن والخطأ، ولو عرفها معاوية لما قال (شيّبني صعود المنابر وخوف اللحن)، فمن عرفها وتدرّب عليها، اكتشف أنّه من السهل أن يتجنّب اللحن، ولا داعيَ لكثرة التفكير في القواعد الكثيرة.

خاتمة الجزء الأول

يحسن بنا أن نؤكّد على أن صفة كلام العرب ليست كما يتصوّر الناس، بسبب ما يرون من المسلسلات التاريخية، وإنّما أكثر كلامهم على الدرج، لا يستبين فيه السامع إعراب الكلمات، ولا يبالغ في إظهار الحركات إلا المتفيهقون، الذين يمطّون الكلام مطًّا.

ولهذا فإنك إذا وعيت هذه القواعد، وتدرّبت على الخطابة باستخدامها، فستعتاد الحديث مع الناس بالعربية الفصيحة، ولن يكون الأمر بالصعوبة التي رأيتها بسبب أكثر من ثمانين قاعدة تدرّس.

ومن أفضل مما تتدرب عليه في ذلك، أن تقرأ مقالة في الأخطاء الشائعة في زمنك، فتعفي نفسك من الأخطاء الباقية التي لم تتطرق لها القواعد.

في المقالات القادمة سنتطرق إلى الصرف والكتابة، مما يجنّبنا طيفا واسعا من الأخطاء، قد تشمل كثيرا مما ستجده في ما كتب عن الأخطاء الشائعة.