عن اللغم في الوسادة|التبليغ والدعوة

في الأردن اليوم، وأمس وقبله أيضا، وفي بلاد كثيرة معه، كان الآلاف من جماعة الدعوة والتبليغ يجوبون أرض الوطن، في أحيائهم وأحياء غيرهم، ليدعوا المسلمين إلى الإسلام، ويتأكدوا من بلوغ كلمة التوحيد إلى المسلمين.

 da3wapng.png
جماعة الدعوة والتبليغ حسب تصنيفات الأنظمة وغالبية المجتمعات العربية هي جماعة مسالمة، لا يمكن الربط بينها وبين الإرهاب.
الاعتراض على جماعة مثل هذه يثير سخط الليبراليين من يسار مزيّف وسحّيجة الداخل والغرب، وقد يستجلب سخط بسطاء المسلمين، لأنها ببساطة لم تقم بأي عمل إرهابي حتى هذه الساعة، بل وإن تعاليمها وأدبياتها خالية من العنف حسبما يراه الغالبية.
يتّهم من يجاهر بعداوته لهم بالسطحية، وبالعداء للدين نفسه. كيف لا وهو يعترض على جماعة مسالمة! فهو بالتأكيد لا يرى منهم سوى ما يتقاطعون به مع الإرهابيين، من هيئة خارجية، ومن أفكار تخص العقيدة الوهّابية، فهم لا يتحدثون بالسياسة من الأصل.
الأجهزة الأمنية مطمئنة لهم لأنها تخترقهم، ولهم في كل خلية من خلاياهم عميل يتجوّل معهم ويفعل ما يفعلون، وينقل ما يطمئن الجميع.
لكن تعالوا نتمّ رسم الخطّ على طوله! سنبدأ ببداية الخطّ المرسومة أصلا، ثم نكمل الرسم:
الجماعة بخطابها البسيط تستجلب البسطاء من أبنائنا، وهم في غالبيّتهم لم يتلقوا تعليما لائقا، عاجزون عن التفكير النقدي، وكثير منهم أصحاب سوابق جرمية “بسيطة”.
تناديهم للخروج من أهلهم ومالهم في سبيل الله، ويطيعونها في ذلك، يذهبون في رحلة إلى مناطق في المملكة وخارجها، تدوم لأيام وأشهر، يبلّغون المسلمين رسالة التوحيد.
هذه الرحلة تمثّل عزلا لهم عن بيئتهم، وزراعة في بيئة جديدة، يتداولون فيها أحلامهم الطوباوية عن الماضي الإسلاميّ، والمستقبل البعيد في الحياة الأخرى، ويكون بينهم “أمير” طاعته واجبة.
أثناء هذه العزلة، يكون الجوّ مناسبا لإعادة برمجة الإنسان منهم، حتى وإن كان رجل أمن، فهو في النهاية مسلم بسيط، لاسيما من حيث إسلامه، وقد تتعدد البرمجات حسب دراسة “الأمير” لهذه الحالة.
دعونا نتذكر أنّ صناعة الجنديّ المقاتل تستلزم هذه العزلة، لذلك نرى أن الجيوش لا تسمح بالإجازات في بداية الخدمة العسكرية، فهي تريد أن تكسر الإنسان المدنيّ فيه لتعيد تشكيله جنديّا منتميا لجيشه لا لبيئته الضيقة!
التقاطع بين ما تقوم به الجيوش وما تقوم به جماعة الدعوة والتبليغ لا يقتصر على هذا، فالزي الموحّد يلغي فردية الجنديّ، ويذوّبه تذويبا في جيشه، وهذه الجماعة تحرص على نوع من توحيد اللباس والمظهر والسلوك.
تذكّروا ونحن على وشك أن نصل طرف الخط أن هؤلاء تمّ إقناعهم باستخدام الدين أن يتركوا تجارتهم أو وظيفتهم وأهلهم، وكثيرا ما يتركونهم دون مُعيل ليتكفّل بهم الله، لماذا؟ ليتجوّلوا بين المسلمين لكي يدعوهم إلى الإسلام! أتتخيّلون صعوبة إقناع شخص عاقل بأن يقوم بهذا! بل وأن يسمّي ما يفعل خروجا في سبيل الله!
ما تزال جماعة الدعوة والتبليغ موزّعة بين عدد من القادة، فهي جماعات وليست جماعة واحدة، وكثير من هذه الجماعات لها قيادة خارجية، ونحن هنا نتحدث عن جماعات بدائية التنظيم لا يمكن رصد تنظيمها بالكامل إذا استخدمنا الوسائل الحديثة، فهي تعمل على تردد لا تلتقطه أجهزتنا.
كل جماعة من هذه الجماعات لها أمير، والأمير لها أمراء في المناطق المختلفة، وكل مجموعة من ثلاثة أو أكثر منهم بينهم أمير، أي أننا نتحدث عن تنظيم، وعن ولاء، وعن مجموعات تعرضت لغسيل دماغ.
إذًا فليس من المستغرب أن نكمل الخط على منوال الخطوط التي رأيناها من قبل، فجماعة الإخوان المسلمين بدأت وعظية إرشادية أيضا، وكذلك بدأ حزب التحرير الإسلاميّ محرّما للعنف، لكنهم وصلوا للحظة المناداة بدولة الخلافة، ورفدت هذه الجماعات التنظيمات الإرهابية بالمال والرجال في لحظة ما.
ماذا لو غيّر أمراؤهم آراءهم في مسألة العنف؟ ماذا لو  نادت جماعة من هذه الجماعات بالعنف؟ نعم هم احتضنوا عددا كبيرا من الناس الذين تحوّلوا لإرهابيين، لكنني أتساءل عن تحوّل على مستوى الجماعة لا على مستوى الأفراد فيها.
من يستطيع أن يقنع شابّا يعيل أسرته أن يخرج من ماله وأهله، وأن يترك أهله لله يرزقهم هو كيف يشاء، ليبلغ المسملين بدعوة التوحيد، يستطيع أن يقنعه بأي رأي سياسي، ويستطيع أن يحوّله إلى إرهابيّ في أي لحظة.
قد يتهمني مسلم بسيط أو ليبراليّ ذو جينات أيدولوجية غربية أنني أعاني من الإسلاموفوبيا، لكن من يعلم أنه ينام على لغم ليس كثيرا عليه أن يعاني من الكوابيس!