لابد من التذكير بكون الطقوس الشعائرية التي نقوم بها كمسلمين ونسميها صلاة أقدمَ من الرسالة المحمدية، وبدايتها في التصور الشعبي للدين والسيرة بداية مضطربة، ففي الحديث أن الرسول كان يصلي بخديجة التي لم تشهد الإسراء، وفيه أيضا لا تفرض الصلاة إلا في “حادثة” المعراج!
لكن علماء المصريَّات يعرفون جيدا أن حضارة وادي النيل عرفت هذه الشعائر كاملة، بما فيها الوضوء، وتصور نقوش الأهرامات المياضئ، والركوع والسجود المعروفين عند المسلمين.
اضطرب القرآنيون في محاولتهم رشوة الناس لكي يستغنوا عن المرويات الحديثية بالقرآن وحده، فأتوا بالأعاجيب لإثبات أن الصلاة ليست بحاجة للمرويات الحديثية، حتى اتخذ بعضهم طريقا سبقه إليه غيره، بالقول إنها “سنة” عملية موروثة من جيل عن جيل، يستحيل تواطؤهم على الكذب فهي تدخل في المتواتر القطعي وهي أعلى من مرويات الآحاد حتى عند فقهاء المرويات أنفسهم.
هنا سأحاول الوقوف على حقيقة الصلاة، وسبب تسمية الطقوس الشعائرية التي نعرفها صلاةً، مما أظنه يساعد على التحرر من عقدة الذنب التي تتيح للكهنة الإمساك بناصية كل فرد من أفراد القطيع.
نتلمس المعنى الصوتي للحروف فنجد أن جميع جناسات الكلمة تدور في فلك الاتصال وهو ضد الانفصال، ومنها الصل وهو الثعبان ولنلاحظ الشكل الممدود المتصل دون مفاصل، ومنها الوصول وهو معروف، والوصال وما اتصل به من معانٍ تتعلق بالجنس، ومنها الصليل وهو صوت الرنين المتصل للسيوف، وهو أبعدها لأنه قد يكون أخذ من تمثل صوت السيف باللفظ فخرج على هذا النحو.
وإذا كان السجود هو الخضوع والطاعة، والركوع شبيه به لغةً، والعبادة على ذلك المنوال أيضا، فما المعنى الأصيل لكلمة صلاة؟ إذ لكل ملة من الملل صلاتها، ويستحيل أن يقتصر معناها على التعبد الطقسي الممارس من المسلمين كل يوم خمس مرات.
وفي القرآن آيات تثير العجب فيما يخص الصلاة، فتقول عن بعض المصلين أنهم يراؤون، أي يأتون بالشعيرة الطقسية الشكلية دون روحها، ويلي ذلك أنهم يمنعون معونة الناس! فما علاقة الصلاة بالماعون؟
عند ضرب كل ما سبق ببعضه، وبما يليق أن يكون أمرًا ساميًا السموَّ الذي يدعيه الإيمان الإسلامي القرآني، نجد أن الصلاة هي صلة مع الله، مع الجوهر الإنساني، مع روح الجماعة، فيكون إتقان العمل لهذا الوجه صلاةً، ويكون بذل الجهد في صالح الناس صلاةً، أي أن المعونة أو الماعون صلاة أيضًا، وهكذا فقط يصبح وصف الصلاة بأنها لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وصفا منطقيا سائغا، دون لي عنق اللغة، أي أن تعيش يومك كله في صلاة لا تتوقف!
يبقى أن من لا يروقه هذا الكلام قد يقول إن هذا يعجز عن تفسير سبب تسمية الشعائر الطقسية، من التكبير إلى التسليم، بأنها صلاة! وهنا نعود لكون التأمل والعزلة عن جلبة الناس، ومناجاة الضمير الإنساني المشترك، وهو المكان الذي يشغله مفهوم الرب في كل العقائد، سواء أكان الله عند المسلمين أو غيره عند غيرهم، نعود لكون كل ذلك من الصلة والتواصل، واستجلاب الحكمة، وترويض النفس، والترويح عنها، وهذا كله مما يصدق عليه اسم الصلاة.
أما أن تتشاتم الفرق الإسلامية حول خطوة من خطوات الشعائر العربية التي اعتمدها أهل الإسلام صلاةً ورضيها لهم الله، فتؤلف الكتب حول وضعية الجلوس الصحيحة وكيف نحرك السبابة أو الشاهد، وكيف نضع مؤخراتنا على أرجلنا، أو أقدامنا تحت مؤخراتنا، فهذا من السفاهة، ومن الرياء، أي الاعتناء بالمظهر دون الجوهر، فما الإضافة المتحققة لأيٍّ كان من حركة الإصبع بهذه الطريقة أم بتلك!
أما الجمعة وكونها صلاة أيضًا، فدونك ما فسر به مفكرو ملة الإسلام عدم وجود خطبة جمعة واحدة تروى عن محمد بن عبد الله، وكيف فرقوا بين الجامع والمسجد، فانتظروا من الجامع مهامه الدنيوية فيما يجمع الناس، ويؤلف قلوبهم، ولكي أختصر لك كلاما طويلا، تخيل لو كانت بيعة أبي بكر في الجامع لا في سقيفة بني ساعدة، فهل كان بعض أهل الملة ليطعنوا بشرعية خلافته مثلا، وأختم بالترضي والصلاة على كل الصالحين ممن ذكرت، تاركا لك التفكير في كيف تكون هذه صلاة أيضًا