الفيلم يحكي “قصة كفاح” رجل أمريكي من أصول إفريقية، يعمل كرجل مبيعات جوال مختص بجهاز طبي غير مرغوب يقيس كثافة العظام، يدخل في مغامرة لتغيير مهنته لمهنة مدرة للدخل بشكل أكبر بعد أن عاش حياة من عدم الرضا عن وضعه المعيشي، في ظل شكوى زوجه الغاضبة، التي يئست من كثرة وعوده المؤجلة، فتركته لتدخل في صراع قصير معه حول حضانة الطفل، ينتهي بكفاح مرير ليبقى مع ابنه، منتقلا من نُزُل لآخر، بعد أن اضطر لإخلاء شقته لأسباب مالية، ويصل به الأمر إلى قضاء ليلته مع ابنه في حمام عام داخل محطة القطار، ثم مزاحمة المتشردين للإقامة في دار رعاية كنسية، كل ذلك يحصل وهو في مدّة تدريبه داخل مجتمع من مضاربي الأسهم، ميسوري الحال لحد بعيد، والعامل المؤقِّت في الفيلم هو انتهاء فترة الاختبار والتدريب في الشركة، إذ سيختارون رجلا واحدا من بين ٢٠ تم قبول طلباتهم في حين رفضت طلبات كثيرة جدا، وفي انتظار هذا الموعد تتعدد الأحداث وتتصاعد الدراما ويتم تمرير الكثير من الرسائل والقناعات للجمهور.
في بداية الفيلم يظهر ويل سميث وهو يصحح خطأ إملائيا لكتابة Happyness على حائط في محلته، يقول لابنه أنها تكتب Happiness، بالآي بدل الواي، وهنا يجب ألا نهمل أن كلمة السعادة في صورتها المكتوبة على الحائط وفي عنوان الفيلم، هي فعليا كلمة استحدثها الفيلم، وسنرى ماذا تعني خلال مرورنا، في هذه الحادثة وحوادث أخرى مثل تعامله مع أحجية المكعب، وترتيبه الدراسي بين زملائه، يشدد الفيلم على كونه من القلة الأذكياء، حتى أن النسبة ترد في الفيلم على لسان مذيع يتحدث عن أحجية المكعب، حتى هذه النسبة لها دلالتها، ففي صناعة الفيلم لا شيء عفوي، لا شيء. من خلال مذيع التلفاز أيضا وهو يمثل صوت الحقيقة نعرف عن الأزمة الاقتصادية العامة، وتتمظهر هذه الأزمة على الفرد البطل في الفيلم، لكن الحل لهذه المشكلة العامة في الفيلم يأتي فرديّا.
الحي الذي يعيش فيه بطل الفيلم يبدو وكأنه خاص بالأمريكيين غير البيض، إذ لا يظهر فقير أبيض إلا نادرا وفي وقت متأخر في الفيلم في لقطة وحيدة تكاد تكون وضعت فقط لتجنب وصم الفيلم بكونه عنصريا، كما أن ويل سميث هو الأسود الوحيد في بين المضاربين الأغنياء حتى المتدربين منهم، كأنه خال شامة سوداء تجمّل وجه المجتمع الغني الأبيض، كذلك يتجنب الفيلم تقريب الصورة على وجوه الفقراء ولكنه لا ينفك يقرب الصورة على وجوه البيض السعداء حتى ولو كانوا هامشيين، مشهد السيارة المكشوفة المليئة بالبيض السعداء، التي تمر بجموع الأشقياء السود وبطل الفيلم ينتظر مع ابنه دوره للإقامة في دار الرعاية الكنسية، مثال جيد على هذا، حتى تلك اللقطة الوحيدة التي تحتوي على فقراء من البيض هي أقرب من غيرها وفي وقت يكون فيه جميع من هم في الصورة ضحية لتزاحم فقراء آخرين أخذوا نصيبهم هم من العمل الخيري.
خلال الفيلم يتكرس مفهوم أن السعادة تكمن في مطاردة وهم السعادة، وأنها مرتبطة بالمال أوثق ارتباط، والأهم أنها شعور فردي، حتى في طريقة كتابتها في عنوان الفيلم هي تحوي على لاحقة مصدرية، لوصف فرد سعيد. نقطة الانعطاف في الفيلم هي اقتراب البطل من رجل يملك سيارة مكشوفة حمراء، ليسأله مطريا على حالته المادية “ماذا تعمل؟ وكيف تقوم بعملك؟” وكأن كل ما يلزم لتصبح سعيدا (ثريّا) هو المعرفة والرغبة، وجعل نقطة الانعطاف إرادية قصدية من بطل الفيلم هو في حد ذاته تصريح، يؤكده موقف زوجته من مغامرته من جهة أخرى، والتصريح يقول: (سبب فقر الفقراء هو عدم رغبتهم بالتغيير). وليس طريقة عمل النظام الرأسمالي المقيت! حتى جذر مشكلة البطل تكمن في أنه تزوج بعد أن حملت منه حبيبته بسبب سوء التدبير، مما غير مسار حياته، وحرمه الانتظام في الدراسة التي كانت ستجعله منضبطا ومتصالحا مع النظام، إذ تظهر مشكلته في التأقلم من بداية الفيلم، وما الفيلم إلا رحلته للتأقلم، مع “النظام العادل”!
يبدأ ويل سميث برحلته في التأقلم، بعد أن تسرقه عازفة جيتار متجولة (ذات مظهر هِبّي)، وحينها يتعلم الدرس، وهذه الدروس لا يتورع صانع الفيلم أن يظهرها بصوت الراوي بصراحة، الدرس هنا هو (لا تأمن أحدا) ويبدأ بذلك مع زوجته التي يستعيد ابنه منها ويبقيه معه في أحلك الظروف لأنه لا يأمن أحد عليه، التأقلم يعني بالنسبة لصانع الفيلم أن تؤمن بمقولة (أنا ومن بعدي الطوفان!)، فخلال الفيلم نشاهد البطل يغير أخلاقياته، يسرق ويكذب ويهدم حاجز الحياء، يفعل أي شيء في سبيل “النجاح” (أي الثروة حسب الفيلم)، والفيلم يتجاهل تماما فكرة كما تدين تدان (المثل الإنجليزي المكافئ: الذي يجري حواليك يجري عليك) فالبطل يحصل على دينه _من الغني طبعا_ فالفقير غير نبيل كفاية بالضرورة كما يبدو! لكنه لا يرد الديون التي عليه، بل ويسخط إذا اضطر لذلك، وبعد أن يبدأ بالسعي المحموم ويتم تحوله لشخص فاقد لأي إحساس جماعي نراه وقد تحول هو لرفيق ابنه في النوم بدل دمية (سوبرمان) التي سقطت من ابنه ورفض التقاطها، فصار هو ذلك الإنسان الفائق!
الفيلم يكرّس الجذرين اللذين يقوم عليهما نمط الحياة الرأسمالي، وهما (المنافسة والربح)، نجده يركز على الفرد الذكي العصامي الناجح الذي فاق الجميع بأنه أراد السعادة فعلا فحصل عليها (الثراء)، وهذا من جهة أخرى يقول بأن الفقراء عموما هم أغبياء لئيمون عاجزون فشلة ولا يريدون التغيير، بل إن نسبة الأثرياء في المجتمع هي ذاتها نسبة الأذكياء! ومن جهة أخرى فالفيلم خصوصا في الفترة الخاصة بالتدريب يشدد على ضرورة التأقلم، وهذا لدفع الطبقتين الوسطى والعاملة إلى المزيد من الدوران في الحلقة المفرغة للبحث عن الثروة وتسيير عجلة رأس المال، التأقلم هنا لا تعني فقط إدراك النظام، بل ألا تغضب من الطبقة الثرية، وأن تحرص على إرضاء سيّدك، ومقولة الفيلم يمكن إيجازها بالقول: (لكي تصبح سيّداً، كن عبداً جيّداً!)، وفي النهاية يظهر الأفق المفتوح الذي كان غائبا على طول الفيلم، نرى الشاطئ بعد أن كنا نرى البنايات العالية تسد الأفق. هذه الرسائل هي رسائل سياسية بامتياز فهي تؤكد على أن تغيير الواقع يتم بالانخراط في النظام القائم والتأقلم معه، لا بالثورة عليه، ويتم بشكل فردي لا جماعي، والغاية تبرر الوسيلة… إلخ، ويذكر أن هذا الفيلم يستخدم كثيرا في قطاع ما يسمى بالتنمية البشرية التي تعتاش على أحلام المسحوقين وخداعهم، ففي عفن رأس المال حتى الأحلام يمكن بيعها.
كُتِب المقال تلخيصا لنقاش دار في نادي كابوس للسينما.
اقرأ أيضا: هل الفقير كسول؟