هكذا كفّرنا زغلول

لعلّي لم أتفاجأ من جهل أغلبية الناس، بتاريخ فكرة الإعجازككل، ولا بتاريخ فكرة الإعجاز العلمي، لكني أقول الحق إذ أقول إنني قد تفاجأت وصعقت من جهل الإسلاميين بهذا، ومن جهالتهم على غيرهم! فقد سمعت تكفيرا من العامة قبل ذلك على إنكار أمور شائعة، ليست من الدين في شيء، بشهادة كبار الفقهاء، لكن أن أسمع تكفيرا من إسلاميين على طلب مناقشة فكرة، هامشية في الفكر الإسلامي مثل ما يسمى الإعجاز العلمي، ينكرها أكثر فقهاء الدين، فهذه عجيبة العجائب!

(ملاحظة: اضغط على العبارة التي تحتها خط، لأنها رابط، سيفضي بك إلى معاينة الشيء المذكور.)

بداية يجب علينا ذكر أنّ جميع القائلين بالصرفة، وهي نظرية شهيرة من نظريات تفسير التحدّي القرآني، يقولون بأن القرآن غير معجز في ذاته، وإنّما بتدخّل إلهيّ، يقولون إنّ الله صرف العرب عن الإتيان بمثله. 

هؤلاء ليسوا مهندسين أردنيين، غضبوا من استفزاز منظمي محاضرة زغلول النجار لهم، هؤلاء فقهاء ومراجع إسلامية، كان لهم السبق في وضع أسس علوم إسلامية كثيرة، ومن بينهم هذه الأسماء: الشيخ المفيد، الأديب والفقيه الجاحظ، القاضي عبد الجبار، الشريف المرتضى، القطب الراوندي، الشيخ الطوسي، إبراهيم النظّام. ولتلاحظوا أن بين هؤلاء سنة وشيعة، وأنا عددت فضلة مما أعانتني عليه ذاكرتي، ولكم أن تبحثوا عن غيرهم.

أمّا الرافضون لما يسمى “الإعجاز العلميّ” من الشخصيات الإسلامية المشهورة المعاصرة، فهم كثر لا أكاد أحصيهم، ولكن سأشير إلى أعلام الاتجاهات الشائعة، وإلى أشهر من تصدّى للفكرة، من منطلق إسلاميّ قرآنيّ، ومنهم: عائشة عبد الرحمن “بنت الشاطئ”، الشيخ ابن عثيمين، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ رسلان، الدكتور عدنان إبراهيم. وهؤلاء أيضا فضلة مما أعانتني عليهم ذاكرتي، ولكم أن تبحثوا عن غيرهم.

الآن قد نعذر غلاما إخوانيّا، يظنّ أنّ من استثارت حفيظته طروحات زغلول النجار هو بالضرورة ملحد، ولكن كيف لنا أن نعذر من يقرّ بكون الإعجاز العلميّ فكرة خلافية، ثم يشتم خصوم زغلول على المنبر، ويفتري عليهم بأنهم مدفوعون أيدولوجيّا! وما إلى ذلك من أوصاف، كما فعل الدكتور بشّار الشريف في خطبة الجمعة التي تلت الحادثة! لاحظوا لدى مشاهدتكم الخطبة كيف كان مسيئا بما لا يليق بمنبر المسجد، في حقّ مهندسة أردنية، اعترضت ككثير من العلماء على طروحات زغلول، وكيف أنه يقرّ أنها فكرة خلافية ثم يطعن في من يخالفها!

وهاكم أحد أقطاب الإخوان المسلمين يقرّ ضمنيّا بكون فكرة الإعجاز العلميّ فكرة جدليّة، وهو الدكتور رحيّل الغرايبة.

هذا كلّه يا أخوة في جانب، ومعرفة زغلول النجّار بأنه ثمة علماء مسلمون لا يوافقونه على فكرة “الإعجاز العلميّ” في جانب آخر، فهو بالتأكيد جادل المخالفين، وسمع آراءهم، ولا أستطيع أن أقتنع أن زغلول لم يعرف رأي ابن عثيمين مثلا!

زغلول الذي وصلته مقالة “الإعجاز الزغلولي“، فانبرى يرقّع بعض طروحاته، وتستطيع أن ترى الفرق بين رأيه قبل المحاضرة، الواضح في هذا الشريط، ورأيه في محاضرة النقابة وهذا شريطها، لا يُقبل منه أن يكون على غير علم أنّ مخالفته في طرحه الدجليّ تمّت على قاعدة علمية وإسلامية مكينة!

للتوضيح… الفرق بين الكلام في الشريطين هو الآتي: قال زغلول في محاضرة النقابة: اللغة العربية لم تعد كافية لفهم القرآن! وحاول أن يردّ فصاحة القرآن بقوله هذا. (اضغط واستمع لدقائق). فلابدّ أنه كان يعلم أنّه ثمة معارضون له في القاعة، يرفضون الفكرة لسبب إسلاميّ، يتعلّق بعلاقة القرآن باللغة!

إذن، زغلول يعلم ما علمتموه، وعزّزناه بالدلائل من الشرائط والكتب الموثِّقة له في الأعلى، من كون كثير من المسلمين الذين يُعدّون مراجع إسلامية، رفضوا فكرة الإعجاز العلميّ، وتندروا عليها، وأن رفضهم لها كان على قاعدة فهم اللغة العربية، وفهم القرآن، وما يجوز ولا يجوز في ذلك.

حتى أنّه أشاد بالجمهور الذي جاء ليسمعه وسمعه بأدب، ولك أن تعيد الشريط لتتأكّد أن أحدا من معارضيه لم ينبس ببنت شفة وهو يتحدث، وعزا في تصريح له لموقع خبّرني، الضجة التي أعقبت المحاضرة التي تلت محاضرته، للتنافس على الانتخابات، ولك أن تضغط على رابط خبرني لتتأكد.

ولكن تدخل تنظيم الإخوان ليجعله يبدّل أقواله، ففي مقابلة له في إذاعة حياة إف إم ذات الطرح الإخواني الواضح، قال شيئا آخر، تستطيع أن تسمعه بالضغط على الرابط: هنا. 

لقد قال: “لكل أمة حثالاتها، ولكل شعب المتخلفون عقليا وذهنيا فيه، والذي حدث في يوم الأربعاء الماضي أساء للأردن إساءة بالغة… وأغاظ ذلك أدعياء العلمانية، والعلمانية بالمناسبة تسمية خاطئة هي أصلها العالمانية أو الدهرية، يعني الناس الذين لا يؤمنون بالآخرة، ولا يؤمنون بالدين، ولا يؤمنون بالوحي، ولا يؤمنون بالقرآن، ولا يؤمنون بنبوة محمد… ليست منسوبة للعلم… يريدون أن يمنعوا الخير بالقوة”

إذن فمخالفوا زغلول، الذين بينهم فتيات ملتزمات بالحجاب، وأناس استطاعوا أن يتوقعوا محاضرته بالكامل، وأن يردّوا عليها قبل أن تحدث، وفيها مواطنون أردنيون، ومهندسون، بل ومهندسون إخوانيون عرفوا من العلم ما جعلهم يكفّوا عن تصديق الكذبات التي يأتي بها، هؤلاء كلهم في رأيه، الذي جاء بإملاء إخوانيّ على قناة إخوانية: حثالات ملحدون أبعد ما يكونون عن العلم!

شكرا لك يا زغلول النجار، لقد فضحت بتناقضاتك دناءة جماعتك، لقد بيّنت لمن يقرأ هذه الأسطر بما لا يدع مجالا للشك، أنك غير صادق مع نفسك، وأنك ألعوبة في يد الإخوان سياسيا، وعقولهم ألعوبة في يدك علميا، وأنهم تكفيريون إرهابيون يتلاعبون بعواطف المسلمين البسطاء.

أريد أن أوضح بعض الحقائق قبل أن أختم:

زغلول لم يطرد من النقابة، كان كل معارضوه يطلبون منه أن يبقى وأن يجيب على أسئلتهم، لكن جماعته هرّبوه، لأنهم يعلمون أن افتضاح دجل زغلول، افتضاح لفقرهم العلميّ، وعدم كفاءتهم المهنية.

زغلول لم يقاطعه أحد من معارضيه، بل إن المعارضين له اعترضوا على السير بين الجمهور بالأوراق، وطلب كتابة الأسئلة، لأن ذلك يكدّر صفو المحاضرة أولا، ولأنه يفتح بابا للانتقائية في الأسئلة.

كل طلبات المعارضين، التي قاطعت المحاور الذي يوجه الأسئلة، كانت تبدأ بجمل مؤدبة من قبيل: إذا سمحت،بعد إذنك. والفظاظة السوقية جاءت من المقدّم إذ قال: “إنت جاي تشوشري المحاضرة” و”إنت مديرة الجلسة إشي!”.

جمهور المحاضرة كان عريضا بالفعل، ولكن لم نبلغ فقرة الأسئلة حتى غادر جلّه، لأنهم سئموا الإطالة والمماطلة التي كانت في المحاضرة الملحقة، غير المعلن عنها للمهندس اسماعيل الداود، الذي بلغ به مط الكلام إلى أن يقول جملة من نوع: تنقسم إلى أربعة مستويات المستوى الأول والمستوى …. وأتمّها إلى الرابع! لا يا شيخ! هل قلت ذلك حقّا؟ كنت أظنها تنقسم إلى أربعة مستويات تبدأ بالمستوى العاشر وتنتهي بالمستوى السابع والستين! وكان يلتفت إلى مراجعه التنظيمية الإخوانية، ليرى إن كان يجب عليه المماطلة أكثر حتى ينهوا تلاعبهم بالأسئلة.

اعترض على انتقاء الأسئلة اثنان من الحضور، فتاة وشاب، وأسكتا مرة بعد مرة فسكتا، وحين افتضح التلاعب للكاميرا، غادرا لأنهما علما أن لا جدية في حوار ستأتي، ولم تقم قائمة الحضور كلهم، حتى اختطف المهندس الإخوانيّ عليان مكبّر الصوت من يد من يقدّم الأسئلة، وألغى فقرة الأسئلة.

وفي الختام أقول: إنّ على الواعين في الأردنّ مقاضاة زغلول النجار بتهمة التكفير والإرهاب والتحريض على القتل، فمن المعلوم ماذا يعني عند العامة أن يطلق إسلاميّ مشهور على شباب صفة ملحدين، وهؤلاء شباب صورهم واضحة في التصوير، وقد ينال منهم أي جاهل من أتباع زغلول.

وعلى الواعين في الأردن أيضا، اللجوء إلى المحكمة لطلب حلّ جماعة الإخوان، فقد ظهر إرهابها في البلدان المحيطة، وقد أظهرت هذه الحادثة وغيرها، كحادثة استشهاد ناهض حتّر، أن الإخوان المسلمين لا يتورّعون عن تكفير إنسان، وأنهم لا يتميزون في شيء عن إخوانهم الإرهابيين في سوريا وفي مصر، وفي العراق، وليبيا، وغيرها، فزغلول يكفر فيمن يكفّر، بإملاء من جماعته، كل الأسماء المعروفة التي أوردتها، فبدأتها بالشيخ المفيد وأنهيتها بعدنان إبراهيم.

مقالة أخرى قد تهمّك عن الإخوان المسلمين: السيولة الإسلامية واللزوجة الإرهابية.