نشر موقع “سواليف”، الذي بدأ ساخرًا وتحوّل إلى مسخرة، مقالةً للنائب في البرلمان الأردني ديمة طهبوب، تحت عنوان “رسالة مفتوحة الى وزير الداخلية و مدير الأمن العام: حرمة رمضان“ تشكر فيها مخالفة مساعد متصرف لواء ناعور للقانون، هو وعدد من رجال الأمن، وتطلب فيها إغلاق المطاعم السياحية، التي يُسمح لها بسلطة القانون أن تفتح أبوابها، في نهار رمضان.
المقالة قصيرة نسبيّا، سنوردها كما هي بعلاتها، ونرقّم جمل فقراتها ليسهل التعليق عليها عقب كل فقرة، إذا لزم ذلك:
الفقرة الأولى
“مجتمع أصيل هو مجتمعنا الاردني (1) في عادات الاحترام و اللياقة العامة (2) ليس بسلطة القانون فقط و لكن بعمق التربية ايضا (3) فالاكبار للدين و العادات و التقاليد و كبار السن سمات متجذرة فينا (4)، و لكن في السنوات الاخيرة بدأنا نشاهد للاسف ممارسات دخيلة على حياة مجتمعنا الأردني (5) تستهدف قوة نسيجه الاجتماعي (6) التي يعضدها دين و أخلاق و عرف قويم محروسة كلها بقانون يعاقب من اساء التصرف (7)، و لذا بقي للاردن سماته المميزة و سمعته الطيبة و مواسمه الخيرة (8) و من هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي يُحتفل بثبوت هلاله رسميا و كذلك بعيده و تزدان المساجد و تكتظ بالمصلين و يتكافل المجتمع و يتراحم و تزداد البركة و تُسد الحاجات(9).”
1- التقديم والتأخير هنا سمج جدّا، وهو محاولة بائسة لإضفاء جوّ أدبي على النص البعيد عن الأدب.
2- هل سمعتم من قبل بمصطلح “عادات الاحترام”؟ ثم إن النائب كما سيظهر من المقالة لا تحترم غيرها، بل ولا تعترف بوجوده.
3- هذا كما سيتوضح مقدمة لجعل من يخالفونها “قليلي تربية”.
4- قالت: “إكبار الدين والعادات والتقاليد وكبار السن”، لاحظوا كيف ستأتي فيما بعد بما لا يحترم دينا ولا عادات ولا كبر السن، وسنبيّن ذلك في حينه.
5- بالنسبة لها الإفطار في رمضان ممارسات دخيلة، يعني كل من لا يصوم فهو دخيل على الأردن، وهذا بالطبع يشمل أصحاب الديانات المختلفة، وأصحاب العادات المختلفة، وهكذا فطهبوب تنعت كل هؤلاء بأنهم دخلاء، ولا أدري كيف تنعت المسيحيين بأنهم دخلاء، وكذلك كثير من البدو الأردنيين الذين لم يكونوا يصومون رمضان، وليس في عاداتهم ذلك أبدًا. ولمن يشك فليسأل المسنّين منهم عن طفولتهم.
6- هذه الممارسات “الإفطار في رمضان” اتضح أنه برأي طهبوب يستهدف “قوة النسيج الاجتماعي”، وهذا تلويح واضح بأن من تتحدث طهبوب بلسانهم سينقضون نسيج هذا المجتمع إذا استمرّت هذه الممارسات. وأؤكد لسعادة النائب أن المفطرين لا يستهدفون شيئا سوى وجبة تسدّ جوعهم.
7- عند طهبوب، ما بقي للأردن هو ما تعدّده، وهذا يعني أنه لم يبق شيء آخر. لكنني سأعدّ هذا خطأ في التعبير فقط، فلا أحسبها تقصد (بقي للأردن “من الإسلام” كذا وكذا وكذا)!
8- تجترّ النائب طهبوب درسا ربما تعلمته في الصفوف الابتدائية، عن الذي يحدث في رمضان، وتتحدث عنه وكأنه جنّة زمانية، مع أنه كما نعلم، شهر مليء بالعراكات، والمشكلات الاجتماعية، يفقد فيه الناس مدخراتهم، حتى المستقبلية منها، وتُرمى فيه كميات هائلة من الطعام في القمامة. لدرجة أن شابا أردنيا أسس، منذ سنوات، “بنك الطعام”، ليقلل من هذا الهدر الرمضاني.
تعليق إجمالي، على الفقرة الأولى:
ألا تريد النائب أن تتعلم اللغة العربية، وتضبط الهمزات، وعلامات الترقيم، وتعرف مكان الفراغات، فلا تضعها بعد الواو! قدرتها على الكتابة، وإصرارها على النشر، وشهادتها العلمية، ومنصبها، وانتماؤها الديني، كل ذلك إذا أضيف إلى بعضه بات إهانة للشعور الديني والقومي والوطني، فكيف للأردن أن تكتب فيه دكتورة وناشطة ونائب في البرلمان، مقالة بهذه الركاكة اللغوية والمنطقية.
ثم إن كثرة النقاط، التي علقنا بها على المقدمة، سببها اضطرابها في اختيار مدخل لا يظهر فيها تطرفها الفكري الذي يباري التطرف الفكري عند الجماعات التي تنتهج الإرهاب، الذي ستصرّح به لاحقا.
الفقرة الثانية
“ولقد قامت الحكومة (1) على مر السنين بمتابعة الحفاظ على حرمة الشهر (2) و ما انفكت تنبه المواطنين على مراعاة ذلك والنصح بالحسنى (3) الا أن المخالفات أصبحت تزداد جهارا نهارا دون احترام لمشاعر الصائمين من قبل بعض المحلات (4) بل وصلني على الايميل من مدونة باللغة الانجليزية رسالة بعنوان دليل غير الصائمين في عمان لعام ٢٠١٧ و يقول كاتبه باسمه العربي (5) ان رمضان فاجأنا على حين غرة و لنمكنكم من ان تعيشوا حياة طبيعية في عمان اثناء رمضان هاكم اسماء المطاعم التي تفتح نهارا وتقدم الفطور والغداء والعشاء ثم يسوق عشرات اسماء المطاعم في عمان التي تفتح ابوابها و تقدم خدماتها طوال اليوم!!!!(6)”
التعليقات التفصيلية على الفقرة الثانية:
1- تعني الحكومات، فالحكومة هذه لم يمرّ عليها ما يقال فيه “على مر السنين”، لكنها تستخدم كلمة الحكومة كما يستخدمها صغار الخارجين على القانون، بمعنى “الدولة”.
2- بالنسبة لفكرة “حرمة الشهر”، فالأشهر الحرم هي ثلاثة سرد، وواحد فرد، الثلاثة هم: ذو القعدة، ذو الحجة، محرّم، والفرد هو: رجب. وليس من بينها رمضان، والمفروض بنائب عن تيار إسلامي أن تعي ذلك.
3- ألم تكن طهبوب قد نفختنا في أول المقال حديثا عن أن هذه من ثوابت المجتمع الأردني! فما بالها تحوّلت في القول، فبات الأمر من صنيعة الحكومات!
4- هنا يبدو بصورة واضحة أن النائب طهبوب لا تفهم القانون، مع أنها من السلطة التشريعية، فالقانون _الذي أراه جائرا، وغير موافق للإسلام_ يقول: المادة (274): من ينقض الصيام في رمضان علنًا يعاقب بالحبس حتى شهر واحد أو بالغرامة حتى خمسة عشر دينارًا. فهو يتحدث عن فرد يأكل في الشارع، وليس عن مطعم يفتح أبوابه للمفطرين والسواح، ويسدل ستائره.
5- لاحظوا أن النائب طهبوب لم تكن لتعلم عن المطاعم لأنها لا تكون ظاهرة “علنًا” لولا رسالة خاصة على بريدها، وأن هذه الرسالة هي ما جرح “مشاعرها الدينية”! لاسيّما وأن صاحب المدوّنة عربيّ، وهي لا ترضى بأن ترى عربيا لا يصوم، وعلى القانون أن يحمي مشاعرها!
6- تستغرب طهبوب أن غيرها يرى رمضان مفاجأة، مع أن المخاطَب هنا ينطق بالإنجليزية. هي ربما لا تعرف حال الأسواق أول ليلة في رمضان، فالمجتمع بالفعل يظهر عليه أنه تفاجأ وذهب إلى السوق ليتزوّد، وإلا لكان اشترى ما يحتاجه مسبقا. تشعرني طهبوب أنني لو سألتها في يوم عاديّ: ما تأريخ اليوم؟ ستجيبني: الثالث عشر من صفر عام 1400 وكذا للهجرة!
تعليق إجمالي:
كتابة علامات التعجّب بهذه الطريقة: “!!!!” توحي بأنها تصرخ، وهي كتابة لا تليق خارج ملاسنات الواتساب!
الفقرة الثالثة
“لا بد أنكم في الوزارة والمديرية تلقيتم نقدا من البعض على مداهمة المطعم الذي انتهك حرمة رمضان و لكن لم يصلكم شكر كثير من الممتنين لكم لحفاظكم على صومهم و شعائرهم و ضبط التصرف في المساحات العامة التي يجري عليها قانون البلد لا اهواء الاشخاص!”
التعليق على الفقرة الثالثة:
جهل نائب في السلطة التشريعية بقانون البلاد، وبمعنى النص القانوني، فضيحة حقيقية: فهي لا تميّز معنى القانون الذي أوردناه، ولا تعرف أنه لا يجوز للأمن “مداهمة” محلّ إلا بإذن من النائب العام، ولا تعرف بأن المحلات التجارية لا ينطبق عليها وصف “المساحات العامّة”، وأن قانون البلد لا يمنع المحلات السياحية من أن تفتح أبوابها، بل وحتى المحلات التي تبيع أطعمة جاهزة تؤكل خارج المحلات، كالأسواق التجارية، وغيرها.
وصيتي للنائب طهبوب أن تتصل بشركات اللانشون والألبان، لتسألها عن حجم ازدياد مبيعاتها في رمضان. فهل، إذا سيطر حزبها على السلطة، ستغلق الأسواق التجارية التي تبيع مواد كهذه؟ ماذا عن الإذاعات التي تبث “الموسيقا المحرّمة”؟
وطهبوب تشكر رجال الأمن الذين خرقوا القانون!
الفقرة الرابعة
“ليس القصد من كلامي التشهير بالمطاعم و المحلات و الا لكنت نشرتها و قاطعها الكثيرون، و ان كنت سأعطيكم القائمة لمتابعة التزامها بالقوانين، القصد هو المطالبة بترسيخ سلطة القانون اذا لم تنفع اللياقة و الحس الاجتماعي في فرض سلوك عام يحترم القوانين و الانظمة و هوية المجتمع في الأماكن العامة”
التعليق على الفقرة الرابعة:
إذن، ما تريده النائب طهبوب هو “فرض سلوك عام”، هذا السلوك هو ما تراه هي وجماعتها صحيحا، إن لم يكن بالحسنى، فبالقوة. لا أعرف ما الفرق بين خطابها وخطاب داعش؟ نعم داعش لا تكتب المقالات، بل تقتل، لكنها كفكرة بدأت من الكتب أيضا، لاسيما والنائب تقول إن هذه هي “هوية المجتمع”! فالكل هنا إسلاميّ برأي النائب العتيدة. لو استلم حزبها زمام السلطة فهل سيقفل البنوك “الربويّة” في رمضان، ويسمح فقط للبنوك “الإسلامية” أن تعمل! “بالمرّة يعني!”.
الفقرة السادسة
“نعم نعيش حالة من الاحترام و التناغم الديني يندر وجودها في عاصمتنا و محافظاتنا و قرانا و نتجاور و نتزامل و نتصادق، و لدينا روح تسامح جميلة بين اطياف المجتمع المختلفة و لكن كل هذه قائمة على الاحترام المتبادل، الاحترام الذي ان ضاع،لا سمح الله، ضاع معه كثير من مقومات استقرارنا!”
التعليق على الفقرة السادسة:
هنا نلمس التهديد الواضح للدولة، فهي تذكر “التسامح” مع “أطياف المجتمع المختلفة”، مع أن هذه الأطياف هي من يتسامح مع طيفها، فهم لم يفعلوا شيئا ضدها لتتسامح معهم هي، ثم تقول ما ترجمته: إن لم تغلق هذه المطاعم، فإن الاستقرار الذي نعيشه مهدد.
في الحقيقة هذا تهديد سافر، يجب محاسبتها عليه، وهو تلويح واضح بالعنف.
الفقرة السابعة
“كل المواسم الدينية اصبحت بحاجة للحماية من كل اشكال الانتهاك و الاستفزاز للناس، و بارك الله في جهودكم و ما أجمل أن نختار نوع التعزير الذي يؤدي الى فعل ايجابي في المستقبل لا الى مزيد تجاوز، تعزير يكره الخطيئة لا المخطئ تعزير يعرف بالمعلومة الغائبة و لا يزيد الجهالة، تعزير يقرب من الحق لا يؤدي الى التمادي في الباطل، تعزير يقلل من التجاوزات في المستقبل و لا يفاقمها.”
التعليق على الفقرة السابعة:
مصطلح “تعزير” لم يرد في القانون الأردني أبدًا، فأين ورد؟ لقد ورد يا سادة في قوانين داعش، وهي كلمة قانونية عربية قديمة، تجدها في فتاوى ابن تيمية: “يقتل حدّا، و يقتل تعزيرا”، وهو نافذة فقهية تترك لـ”وليّ الأمر” أن يفرض العقوبة التي يريد على الناس.
تنسى طهبوب أن الناس من مذاهب وطوائف شتى، وأنها لن تجد في الإسلام في أي مذهب عقوبةً لمن يفطر علنًا، فمن المعروف أن الأطفال لا يصومون، وهم محتاجون لتوفير الطعام لهم، والأمهات العاملات يجدن في المطاعم ملاذًا. وتنسى أن اللواتي يَحِضن “تأتيهن الدورة الشهرية” يجب أن يعوّضن نزيف الدماء بالطعام، ولا يجوز لهنّ الصيام. وهي ربما لا تعرف عدد حالات الإغماء بين مرضى السكريّ والمسنّين الذين يمنعهم القانون الظالم، من تناول ما يقيم صلبهم وهم في مواصلة عامّة.
الخاتمة
طهبوب في هذه المقالة حرّضت على انتهاك القانون، ولم تناقشه نقاشا عقلانيا. أنا مثلا أرى هذا القانون ظالما لكني لا أحرّض ضدّه، أبيّن خطأه وأكتفي بذلك. طهبوب صفقت لرجال من الأجهزة المسؤولة انتهكوا القانون، وقالت إنها لهم من الشاكرين، هي وغيرها ممن وصفتهم بالكثيرين.
دين طهبوب تهدّده لقمة جائع، يتناولها في نهار رمضان، مسافرا كان أو طالبا أو مصابا بالسكري، أو غير مقتنع بالصيام، أو على دين آخر غير “إسلامها الخاص والحصري”، ويجرح مشاعرها الدينية مقالة في مدوّنة، يدلّ السواح والأجانب المقيمين في عمّان على مكان يأكلون فيه.
طهبوب تهدّد بنسف جوّ الاستقرار و”التسامح الديني”، مع أنه تسامح من طرف واحد، إذا استمرّ جرح مشاعرها الدينية!
طهبوب تدرّس في الجامعة ولا تتقن الإملاء!
طهبوب تشغل مقعدا في البرمان ولا تعرف القانون!
طهبوب تمثل حزبا “إسلاميّا” ولا تعرف أحكام الدين الإسلامي!
طهبوب تحتاج من يضع لها حدّا، فهي عدلت عن إغلاق صفحتها في فيسبوك من بعد النقد الذي استثاره مقالها “اطلبوا الدين من مناهج فنلندا”، والذي رددت عليه بمقال تفصيليّ “كشاف العيوب في مقالة طهبوب“، ورجعت لتتحفنا بمقالاتها المحرجة لكل من تمثله!
مشاعر طهبوب مرهفة، وإذا استمر القانون بحمايتها فستكون طفلة مدللة، وسيغلق كل شيء لا يرضيها، ولا يأتي على “دين” مصدره هواها وهوى جماعتها.
أتمنى على الجميع، أن يعلّموا النائب طهبوب، فأنا أشعر بالحرج وتُخدش مشاعري الدينية، والوطنية، من كونها تشغل مقعدا في البرلمان، هي وآخرون وأخريات غيرها، مكانهم الطبيعي هو مقاعد الدراسة، ليتعلموا التفكير، واللغة العربية، وأحكام الدين الإسلاميّ، ومعاني مفردات القانون.