أقامت كلية الشريعة في الجامعة الأردنية يومها “العلميّ” السنويّ تحت عنوان “الحاجة إلى الدين حقيقة أم وهم؟”، وفي صفحة الفعالية على فيسبوك زيد على العنوان علامة تعجب (!)، بخلاف صورة الغلاف والتصميمات، وقد ظهر بصورة واضحة أن المنظمين لهذا اليوم يحسنون التعامل مع أدوات التواصل الاجتماعي، أو يوكلونه إلى من يحسنونه، وهذا في صالحهم، لكن ثمة مصائب كثيرة تناهت إلى إدراكنا، من خلال هذه الصفحة.
بمجرد الإعلان عن الفعالية، وُجّهت للمنظمين اعتراضات وجيهة بالغة التأدب حول أمور كثيرة في الفعالية، لكن لم يحدث أي تعديل على جدول الفعاليات والضيوف، حتى بقيت الفعالية مقتصرة على التعامل مع سؤال الفعالية بنَفَس ردّ الشبهة، لا بنفس البحث عن إجابة موضوعية، أعني السؤال: هل الحاجة إلى الدين شيئ حقيقي أم وهم؟ ولا يهمني النتيجة التي يخلص إليها من يتساءل، بقدر ما يهمني أن يتساءل فعلا، لا أن يتجمّل بصياغة خطابه في سؤال.
احتجّ عدد من طلاب الكلية وربما كانوا من المنظمين، بكون الفعالية موجهة لطلاب الكلية، ولذلك لم يستجيبوا للاقتراحات بعرض وجهة النظر المخالفة لهم، مع أن الفعالية لا يمكن أن تكون مقصورة على طلاب الشريعة فعلا، وهذا واضح في طريقة الدعوة إليها، وفي نوعية ضيوفها وروّادها، ومكان إقامتها، وكون الباب مفتوحا للجماهير من خارج الجامعة، وفي المقام الأول من خلال طبيعة التساؤل نفسه.
وهذه إحدى الاقتراحات التي وردتهم:
آملُ ألا أرجمَ عن قوس واحدة إذ أشارككم أفكاري حول هذا اليوم.
من الطبيعي جدا أن تكون الحاجة للدين حقيقة في نظر “المتدين”، فكيف سيكون النقاش منتجا إذا كان أكثر سمات الفعالية بحثية هو العنوان؟ إذ العنوان يسأل سؤالا مفتوحا فيقول: الحاجة للدين حقيقة أم وهم؟ مع أن السؤال البحثي يجب أن يكون: هل ثم حاجة للدين؟ ثم ينطلق الجميع في تقديم أوراقهم أو مناظراتهم حول السؤال.
هذا السؤال الذي يظهر أنه يتعامل مع القضية كشبهة يجب ردها ودحضها، هو أكثر شيء يتسم بالعلمية في “اليوم العلمي” لكلية الشريعة، أما سوى ذلك من منشورات وعناوين وأسماء متحدثين، فهي تظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن المنظمين يتعاملون مع القضية بصورة أعنف فكريا من السؤال نفسه.
عندما نقول “الحاجة للدين حقيقة أم وهم؟” فنحن نقرر ابتداءً أن الجميع يلمس هذه الحاجة، والحيرة متعلقة بكون ما نلمسه أتى من الحقيقة أو من الوهم، ومع ذلك فقد رأيت على الصفحة من يعترض على العنوان من الأساس، ويطالب بتغييره إلى “الحاجة إلى الدين حقيقة لا جدال فيها”، ومن يرفع أشرطة يقول طيَّها ما معناه أن العملانية قناع ومظلة لتخفي الإلحاد (وهذا من كلام أمجد قورشة)، وغير ذلك مما هو أكثر تطرفا.
وبما أن العنوان يعمم السؤال عن الدين بكونه دينا، لا عن ديانة محددة، فإنني أفتقد أن أرى أسماء من ديانات أخرى غير الإسلام “السنِّيّ” تتحدث عن حاجة الإنسان للدين، أو ترى ما تراه هي، وتشارك طلبة الشريعة آراءها، التي هم بحاجة لأن يسمعوها ليعرفوا أن إخوانهم في الوطن أو في العروبة أو في الإنسانية، هم بشر مثلهم تعتريهم تساؤلات، وعندهم أفكار يرونها يقينا، وهكذا تضرب كلية الشريعة مثالا في التفكير الحر، وجعل طلبتها يحتكون بغيرهم فلا يرون الجميع أعداء يجب مكافحتهم.
وأخشى أن مثل هذا الغياب إذا اقترن بهذا العنوان، هو تكريس لمقولة “لا دين إلا الإسلام”، فإما أن تكون ثمة استضافات كهذه، أو يغير العنوان إلى: الحاجة إلى “الإسلام” حقيقة أم وهم؟ هكذا يكون الأمر منطقيا أكثر.
بل إن على كلية الشريعة، برأيي، أن تفتح المجال لأصوات تخالفها، فتجعل من يرى أنه لا حاجة للدين يعرض فكرته كاملة، بل وتوفر له الحماية وتحسن ضيافته، لأنه من غير المطمئن في سوق الأفكار، ما لا يطمئن في سوق البضائع، من أن يحاول صاحب البضاعة احتكارك كزبون، فلا يسمح لك برؤية غيره، ولا النقاش معه، إذ يفترض أن صرحا علميا ككلية الشريعة ليس غضا لدرجة أن يخشى على نفسه من الرأي الآخر، ولا يجب أن يبدو على هذه الصورة.
لا أقول ما أقول مهاجمة للطرح، فعقد مثل هذا اليوم تحت مثل هذا العنوان، هو خطوة للأمام، ولكن يجب أن نتحول عن نَفَس رد الشبهات، إلى نَفَس طلب الحق، والتساؤل واقتراح الإجابات، والتفضيل بينها.
أتمنى أن لا أكون أوغرت صدر أحد علي، والله يعلم أني أقول ما أقول ناصحا، والنقد من النصح، وإخلاص الطوية، فنحن في النهاية نعيش معا، وما يترك أثرا إيجابيا على حياتنا هو شأننا جميعا، حتى لو لم يعجبني كثير مما أراه نتاجا للفهم التقليدي للإسلام، وحتى لو لم يعجب أحدا ما أقوله، نحن على المركب ذاته، والنصيحة واجبة.
ثم جاءت الطامة الكبرى بما نقلته لنا الصفحة من مجريات اليوم “العلميّ”، وأوجز هنا أفظع ما نُقل إلينا، برأيي، في ثلاث نقاط:
الأولى: الافتراء على نظرية المعرفة.
وهذي صورة أخذت من الفعالية، لمنشور نشره حساب الكلية على فيسبوك:
لاحظوا في منشورهم النقاط الآتية، وهي المصائب الكبرى وليست النقاط الخلافية الموجودة على طول المنشور:
1- أضافوا مصدرا جديدا من مصادر المعرفة، وهو المصادر “الإسلامية” حسب زعمهم، وهذا لعمري هراء لا قبل لي بشرحه لمن لم يفهمه بمجرد رؤيته، فليس لي طاقة على تعليم الأبجديات من خلال مدونة. اعترض أحدهم على من أشار للمصيبة في هذا المنشور، لا على المنشور نفسه، وقال: ثمة خطأ في النقل، هي تحدثت عن منهج إسلامي في نظرية المعرفة، وليس عن مصدر. وإذا كان قوله صحيحا، فالمصيبة أكبر. المسلمون ليس لديهم منهج مستقل ولا حتى خليط يصل لتسميته نوعا مستقلا من مناهج المعرفة، وهذا يوضحه أن المحاضرة صرحت بأنها تتبنى الشك المنهجي الديكارتي. وأما عن وجود مصادر إسلامية للمعرفة على غرار البنوك الإسلامية، والنبيذ الإسلامي وغير ذلك من البدع التي تتمسح بالإسلام لتكتسب شرعية لدى العوام، فهذه فرية ظاهرة كما أسلفت.
2- “أفكر بعقلي قبل ورود النص”، دعك من الصياغة الركيكة “أفكر بعقلي” وكأن التفكير يتم عادة بالإصبع، لكنها تقصر التفكير على ما ليس فيه نص، فإما إذا ورد نص “شرعي” فالتفكير محظور كما يبدو.
3- “مجال عقلي في التفكر في الخلق لا الخالق.” واضح تفكركم بالخلق، والاختراعات التي تزجون بها إلينا، وكيف تنقاد لكم البشرية بسبب علومكم الطبيعية المزدهرة! والأهم من استهزائي بما قالت في شقه الأول، الالتفاتُ إلى الشق الثاني من الكلام، الذي يحظر التفكير في الخالق، ويجعله مسلمة يُمنع التفكير فيها، فأي يوم “علميّ” هذا!
4- “دور العقل تمحيص الخبر، ونحن لا نلغي العقل” نعم أنتم لا تلغونه، أنتم تحددون له مهمته، وهي التفكير في ما قاله القدماء من “قال فلان حدثنا فلان عن فلان ثنا فلان، نا فلان” وبعد هذا عليه أن يأكل العلف الذي يجده كحمار “الشيخ يعقوب”، ومن لم يكن يعرف حمار الشيخ يعقوب، فليشاهد هذا الشريط:
الثانية: هي بند في كلام طالب وصف أنه باحث في الفلسفة والفكر الديني، اسمه علي ناصر، إذ أوردت الصفحة في رأس البنود المحورية لمحاضرته قوله: النظريات العلمية لا يمكن إدخالها ضمن الحقائق.
وهذه فاجعة في حق العلم، فالنظرية مفهوم علمي يشمل عددا هائلا من الحقائق والقوانين، والتجربة والفحص، والقدرة على تفسير مختلف الظواهر، وهي أعلى درجة يصلها مفهوم علمي، وليست كما يستخدمها العوام بمعنى فرضية.
الثالثة: وهي سبب كتابة هذه السطور، هي محاضرة طبيب نفسي اسمه عبد الرحمن ذاكر الهاشمي، وهو قد أثار حفيظة كثيرين، منهم من هو من حضور الفعالية كما يبدو، فقد زعم أن القرون الأولى للإسلام خالية من الأمراض النفسية، وأن الأمراض النفسية تزامنت مع دخول الفلسفة. وقد ضمّ صورة الناقد للمؤسسة الدينية، الشهيد فرج فودة إلى صور مجموعة من الملحدين في مادته كما نشرها حساب كلية الشريعة على صفحة الفعالية، وتستطيعون الضغط هنا لتقليب المادة والنظر للصورة.
ثم لما اعترض عليه مجموعة من الشباب الذين يعملون عقولهم، جاء رده على النقاط التي أثارت الناس كالآتي، نورده كما نشره حساب الكلية على صفحة الفعالية:
لافتة من الدكتور عبد الرحمن ذاكر
___________________
لافتة متعلقة باليوم العلمي / كلية الشريعة الذي كان قبيل أيام تحت عنوان: الحاجة للدين حقيقة أم وهم؟!
وخصوصا ما يتعلق بورقتي المعنونة: التدين فطرة أم اكتساب؟
لافتة: لمن يودون الرجوع إليها، نشرت المادة المعروضة يومها، وهي على قناة تيليغرام.
بلغني أن بعض المخالفين ممن كانوا في الجمهور، خرجوا بتعليقات فيها افتراءات وبهتان وسوء أدب وسوء عقل، وراحوا يتغنون بها وينشرونها
مثل: ادعاء أني (كفّرت) فرج فودة، ادعاء أني نسبت إلى الإنجيل ما ليس فيه، ادعاء أني اعتبرت الثورة الصناعية شرا مطلقا، ادعاء أني وصفت القرن الأول الهجري بما ليس فيه من صحة نفسية، ادعاء التهرب من الأسئلة، وغيرها من افتراءات اعتدنا على مثيلاتها
وهذه ردود سريعة، على عجالة:
الحكم على الشيء فرع عن تصوره
والبحث عن الحق يتطلب نفسا صادقة قوية مجتهدة
ومن الطبيعي أن يتواجد في الجمهور من جاؤوا ليسمعوا ما في نفوسهم هم، لا ما يعتقده المتحدثون حقا
بل إن البعض ربما خرج بنتائج مناقضة تماما لما تم طرحه أو قوله على المنصة، لأنهم سمعوا ما في نفوسهم، لا ما نطق به المتحدثون
ولقد اعتدنا على هذا النوع من المخالفين، وهم صورة مكرورة من النفوس المنهزمة التي لم تزل تائهة حائرة، لا تطمئن بسهولة
أولا: جاء ذكر (فرج فودة) في معرض ذكر أمثلة من القرن العشرين حيث الظروف التي جعلت من الدين شيئا يتوجس منه بعض العوام، خصوصا عندما يرتبط الدين بتصور استحلال الدماء وعدم قبول الآخر ولا فقه الاختلاف. أما أمر (فرج فودة) وغيره فهو إلى الله، وليس بيدي أو بيدي غيري من العالمين أمر الآخرة والجنة والنار؛ وإن كان صدر منه كلمات (كفرية) فهذا لا يعطيني الحق في تكفيره حتى تقوم عليه حجة دامغة، ومع هذا، فليس شغلي تصنيف الناس، فلا أعلم ما هو حالي عند الله لأشتغل بحال غيري؛ ولكن هذا لا يعني أيضا أن أكون ساذجا لا أعلم حال من أتعامل معهم في حياتي اليومية أو من أتعرض لتراثهم من أعلام ورموز. أما (التكفير) فهذا أمر ليس من اختصاصي ولا من اختصاص كثيرين غيري، خصوصا بعض المراهقين الذين يظنون أن أمر إقامة الحدود في أيديهم؛ وإنما هو أمر يقوم به، على تخوف وتوجس، ثلة من أهل الذكر ممن لهم الأولوية في هذا، وفي عالم ليس كهذا العالم المضطرب الذي نحيا فيه. ومن هنا، فإن من أساؤوا الفهم وادعوا عليّ بأني (كفّرت فرج فودة) = يحتاجون إلى مراجعة العقل أولا، والأدب ثانيا
ثانيا: عبارة (من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا) موجوة في الإنجيل، في إنجيل متى الإصحاح 5/39. وفي إنجيل لوقا 6/29 (من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضا، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضا). وليس المقام هنا لمناقشة العبارة وسياقها أو سوء فهمها عند كثير من المسيحيين وغيرهم من مخالفيهم. ولكن، من الطبيعي أن يتعجل شاب في الجمهور ليزعم أن النص غير موجود؛ فهذا انفعال متوقع من شاب حائر. والسؤال هنا: إذا كان هذا الشاب مسيحيا، فما الذي يعرفه عن دينه؟! وإذا كان غير ذلك، فما الذي يعرفه عن أدب الحوار ومنطق الاستفهام؟!
ثالثا: الثورة الصناعية، منذ بدأت وحتى الآن، كغيرها من التحولات المهمة في تاريخ البشرية، لها وعليها، ولكن جاء ذكرها في معرض الحديث عن أثرها على الدين في حياة الإنسان، وعلاقتها بالاستهلاك واشتغال النفس الإنسانية بالترف والدنيا والسرف، وشعور النفس بالتسيد على هذا العالم بعد أن طوعت الحديد والفولاذ، خصوصا مع اعتبار فترة الصراع مع رجال الدين؛ فنتج عن الثورة الصناعية شرور كما نتج عنها خيرات يسرت للإنسان كثيرا من العقبات اليومية في حياته. ومع أن الإسلام لا يعادي العلم ومنتجاته المدنية معاداة مطلقة كما يحلو لبعض المخالفين أن يتصوروا أو يصوروا لأنفسهم وغيرهم، فإن الخصوم والمخالفين يريدون لمنتقدي المدنية الحديثة أن ينزعوا كل أمر له علاقة بالمدنية، ويرون ضرورة العودة إلى الخيمة والجمل وبول البعير وغيرها من سخريات، فتكثر عبارات مثل: لماذا تستخدمون الكمبيوتر وهو من صنع الكفار؟ لماذا ترتدون ملابس من صنع البوذيين؟ لماذا تستخدمون الإنترنت وهو من صنع الملاحدة؟ وغير ذلك من ثمرات اللاعقل وقصور الفهم. وهذا طبيعي، فالأمر عندهم = إما هذا وإما نقيضه؛ فهم لا يعرفون التوسط الذي علمنا إياه الإسلام، ذلك الدين العظيم الذي كان يملأ الأرض مدنية يوم كان قدوات هؤلاء في ظلامهم وعصورهم الوسطى. لهؤلاء أقول: الإسلام دين عمران، وإذا كان الدين قد ارتبط في نفوسكم بصور العصور الوسطى حيث كان الإنسان يعاني الطبقية والعبودية، فهذه مشكلة في فهومكم أنتم. ولعل هؤلاء يراجعون ما كتبه بعص الغربيين مثل (جان جاك روسو) في نقدهم لما جرى في بدايات الثورة الصناعية والتحولات الطبقية والسرف
رابعا: اعترض البعض على ما زعمته من خلو أول قرن ونصف القرن في الأمة الإسلامية من المرض النفسي كما نعرفه الآن. ولقد ذكرت بأني بحثت في التاريخ والتراجم، التي عُرفت عند المسلمين بالدقة والشمولية التي يشهد لهم بها غيرهم من المخالفين؛ فقد كانوا يسجلون كل شيء، وترجموا لكل الناس، مشاهيرهم ومغموريهم، غنيهم وفقيرهم، بل ترجموا حتى لأهل المهن المختلفة والطبقات الاجتماعية المتعددة، ومع هذا، لم نجد تصنيفا لأهل المرض النفسي كما نعرفه الآن. يورد البعض قصة المرأة التي كانت تصرع، وهم يجهلون بأن المرض النفسي شيء والصرع العضوي شيء آخر. ويفرح البعض لما جاء في ترجمة (محمد بن سيرين) أنه كان به شيء من الوسواس لأنه كان يتوضأ فيعتني بأن يبلغ الماء أعلى قدمه، فأقول لهم: إذا كانت جبالكم قد تمخضت فولدت لنا هذه الفأرة، فهذه حجة لنا لا علينا؛ فإن دراسة الوسواس الذي نعرفه الآن لا يكاد يكون لها علاقة بمثال كهذا. ويقول آخرون: هل درست كل الحالات لتخرج لنا بهذه النتيجة؟! فأجيبهم: قرأت ما وردنا من تاريخ دقيق وشامل، فلم أجد فيه مرضا نفسيا كما نعرفه الآن، فإذا كان لديكم شيء جهلته أو غفلت عنه، فأنا أنتظر منكم أن تمدوني به، وإلا، فالزموا جهالاتكم، وأريحونا من أمراضكم.
خامسا: مع ضيق الوقت، فلقد تجاوزت حقي في محاولة الإجابة عن معظم ما وردنا، ولكن الوقت على المنصة لم يكن يسمح بالإجابة عن كل الأسئلة، خصوصا مع وجود غيري على المنصة؛ ومع هذا، فلقد صبرت بعدها قرابة الساعة على كثيرين استوقفوني خارج المسرح في أسئلة وإيرادات كثيرة.
هذا ما لدي على عجالة
ونصيحتي لمن يتعاملون مع أمصال هؤلاء المخالفين:
لا تشغلوا أنفسكم بهم، ولا تظنوا بأنفسكم السوء لمجرد تشغيب نفوس قلقة على ما تعتقدون أنه الحق
وادعوا لنا ولهم، ولأنفسكم، بالهداية والفلاح.
د.عبد الرحمن ذاكر الهاشمي طبيب واستشاري العلاج النفسي والتربوي.
يهمني هنا من كلامه المليء بالأخطاء الطباعية والإملائية والمنطقية ما قاله في فرج فودة وفي خلو العصور الإسلامية الأولى من المرض النفسي، وها أنا سأعلق على منهجه في القول والرد على من اعترض:
أولا في تكفيره لفرج فودة، قال أن فرج فودة تكلم بالكفر لكنه لا يكفره، وما هو التكفير إلا أن تصف أفكار شخص ما بأنها كفر! ثم أنه يحيل التكفير على مختصين في التكفير، نظنه يقصد أمجد قورشة، وأبو بكر البغدادي، والجولاني، وابن لادن، وسواهم، وإليكم إهداء فرج فودة في أحد كتبه، لعل شعرة مروءة تتحرك في أجسادكم البليدة، أو تنبت حياة في قلوبكم الميتة:
أما ثانيا فما زعمه من أنه راجع كل كتب التراجم والتاريخ فلم يجد دلالة على مرض نفسي واحد، فهذا يؤكد على أنه يصدق بالسحر والشعوذة، واستحواذ الجان على الإنسان، فكل ما ورد عن هذه الأمور في كتب التاريخ ليس في حسابه من الأمراض النفسية.
ويتجاسر هذا البعيد عما يمت للعلم بصلة، فيزعم أن التدوين العربي دقيق ومشهود له عند المخالفين، ولو كان مشهودا له في شيء لصدق الناس كلهم برسالة الإسلام، خصوصا المخالفين، ولم يعودوا مخالفين، والتدوين العربي مليء بعلل النقل والتناقض، وإلا لما انبرى من يظنون أنفسهم يحسنون صنعا، لتنقية التراث من الشوائب، فإن كان يصدق د.عبدالرحمن ذاكر بكل ما ورد، فما الذي يميزه عن أبي بكر البغدادي غير طاقيته!
ثم إنه ينهج في ردّه نهج مستضيفيه، الذين وصفوا اعتراضاتنا الوجيهة على فعاليتهم الهرائية، التي صغناها بأدب جمّ، بأنها هجمة على الإسلام، فيدعي أننا يجب أن نوافقه على منهجه المريض أو نلزم جهالتنا، يعني إما أن نوافقه أو فنحن جهلة، ويزيد على ذلك أن ما نقوله هو مجرد تشغيب نفوس قلقة.
ما فعله هنا يوافق قول عميد كلية الشريعة في إعلانه عن الفعالية، والخبر واضح من عنوانه، ومن أراد فليضغط عليه ويقرأه كاملا:
الخطيب: هجمة شرسة على الدين في مواقع التواصل الاجتماعي
وهنا نرى أن المنهج هو هو، لا يتغير ولا يتجدد، سوى أن يزداد جرأة على العلم، وعلى عقول الناس التي تسلم أنفسها لمثل هؤلاء. فكل من انتقدهم وانتقد منهجم هو مهاجم للإسلام، ويكفي أن تصفه بذلك حتى ينبري أحد شجعانهم، لا أقول أحد جهلتهم لأنهم سواسية في الجهالة، ليقتل من يصفونه بأنه مهاجم للإسلام، فقط لأنه لم يسلم نفسه لهم.
هذا غيض من فيض، مما وردنا عن كلية الشريعة الغراء، التي لو تحولت مبانيها إلى ملجأ للعجزة، أو مأوى للأيتام لكانت أنفع، وإن كان درء المفاسد أولى، فلتغلق مبانيها، وليرقد فيها الغبار، دون أن ينتفع بها أحد، فالضرر المتأتي منها على عقول أبناء الأردن، أخطر من هجمات داعش والقاعدة.
والطريف في زعمهم، أو دعوة القادة لهم، أنهم منوط بهم تجديد الخطاب الديني، أن تجديدهم هذا مقتصر على الأدوات، لكن الخطاب هو هو لا يتغير، فقد عهدوا بالتصميم إلى مصمم زين لهم صورة غلاف الفعالية، بلوحة تحاكي فيلم “الذكاء الاصطناعي” للمخرج المتصهين ستيفن سبيلبيرغ، وطرح اللوحة والفيلم هو أن الفضائيين هم من أوجدونا على هذه الأرض. فانظر إلى عظم المهزلة!
وأعتذر لكلية الشريعة أنني أخصها بالحديث، فإن الكليات التي خرجت الدكتور عبد الرحمن ذاكر وأمثاله، كلها تستحق أن تُهجر.