الحقيقة أن إثباتات كون الحجاب مسألة عرفية (ثقافية) تشتق من التاريخ ومن المنظومة الإسلامية نفسها، من التاريخ نعرف أنه أمر سابق على الإسلام، وهو في العرف العربي لتمييز الحر من العبد وهذا عليه شواهد كثيرة جدا من الشعر مثلا، ومن المنظومة الإسلامية نجد عورة الأمة غير عورة الحرة، وبذلك فهو يستحب للحرة بكونها حرة وليس بكونها أنثى، وهذا له إثباته القرآني والحديثي، وفضلا عن ذلك فهو أمر يرد مع علته، وبانتفاء العلة ينفى الأمر من أساسه.
مع دخول أقوام تتسم بذكورية هائلة إلى الإسلام، وإمساكها زمام الدول العربية، تحول المجتمع في الحواضر، إلى أن فرض النقاب وهو عادة غير عربية، وبقيت الصلاة والحج كطقوس تكشف المرأة فيها وجهها، دليلا على أن النقاب دخيل، وليس من الشريعة، لكن هنا يشكل الأمر مع الفهم السابق له، أو هكذا يبدو، فما حقيقة الأمر؟
الصلاة والطقوس بعمومها، حملت عبر الأجيال بما يمكن أن نسميه التواتر الجمعي، وهي في المشترك المتقاطع منها، أعلى في الرواية إسنادا من القرآن نفسه، ويفضلها القرآن بالتدوين والجمع، وهي حملت كممارسات بظاهرها، ولقدسية فيها فإن التغييرات التي مستها كانت طفيفة، لاسيما وأنها تنقلها الجموع عن الجموع، ولنلاحظ أن الاختلافات فيها تعزى لتنوع في طريقة صلاة الرسول لو صدقنا عنه روايات كل المذاهب، لكن كلاًّ منهم روى ما رآه وقلد، بل ونزيد على ذلك أن هذه الطريقة في الصلاة أقدم من الإسلام نفسه، ومن ذلك الروايات التي تتحدث عن صلاة نفر قليل (أقل من خمس أشخاص) مع الرسول في مكة، قبل فرض الصلاة، ومنها ما هو أثري لا يمكن الالتفاف عليه، مثل كتاب الخروج إلى النهار، وهو يسمى أيضا “كتاب الموتى”، أو لفائف الأهرامات، التي تظهر العرب في وادي النيل وهم يصلون ذات الصلاة، بل ويتوضؤون ذات الوضوء، بل وتبدأ بقول يكاد يتطابق مع سورة الإخلاص!
وبهذا فإن هذه الصلاة انتقلت كطقس شكلي عرفيا دون تعديل، ومنذ قديم الأزمان، لهذا فظاهرها التقليد المحض، وهذا يفسر اشتراط الحجاب في الصلاة، وما من دلائل وثيقة قديمة تتوفر لدينا على اشتراطه أيضا على الجواري أو عدمه، فمن نقل حركة الأصابع واليد والصوت فمن المؤكد أنه سينقل الشكل أيضا، ويضع كل شيء بمرتبة التقديس والبعد عن الابتداع والتجديد، ونذهب إلى الاعتقاد بأن المساواة بين الناس أمام الله قضت بارتداء الجارية زي الحرة عند الصلاة والحج، لكن يبقى كونه شرطا على الحقيقة أو لا محتاجا لسؤال الرسول، وهو أمر متعذر، فإبقاؤها كتقليد طقسي مما لا يؤثر على حياة الناس، بكل شكلياتها، ومن ضمنها الحجاب (الذي كان نوعا من الزينة التي تؤخذ حسب القرآن عند كل مسجد) لا يتناقض مع كون الحجاب زيا عرفيا (ثقافيا) للحرائر، لا يوجبه التصديق برسالة محمد، ولابد من الانتباه لكون غطاء الرأس عند الرجال الأحرار والذي كان يحظر على العبيد، تغير مع الزمن وبات الرجال يصلون حاسري الرؤوس، وهذا يفتح الباب أمام أنه ليس من المتعذر عرفيا، إلغاء الحجاب للمرأة في الصلاة، لكن لأنه أمر طقسي غير متصل بشؤون الحياة، فهو ينتظر تبدل الأعراف، (حتى المسيحية العربية تحافظ على غطاء الرأس في دور العبادة) فالرجل العامل لم يكن ليلبس زيا خاصا بالصلاة، ومن هذا تبدل زيه فيها، أي أن عمل المرأة إذا انتشر حتى بات عرفا، وانتشر معه أن تحسر النساء عن رؤوسهن، فسيتغير شكل الصلاة عرفا، لتصبح ممكنة للمرأة دون غطاء رأس، لكن هذا تحول ثقافي اجتماعي (عرفي) لا يتم بالنظريات والفتاوى بل هو رهن سيرورة المجتمع العربي.