في كتابه المندالا المثولوجية، يشرح خزعل الماجدي كيف أن المندالات الموجودة عند الأقوام القديمة كلها، يمكن أن تطبّق على الأساطير المثولوجية، ليكشف لنا نظرية جديدة في بناء الأساطير، يسميها المندالا.
المندالا أو الماندالا هو رسم رمزي، ذي طابع قدسي، يظنه الناظر للوهلة الأولى ضربا من الزخرفة، يبدأ بأشكال هندسية مختلفة في المركز، لينتهي إلى دائرة تلتف حول محيطه، أقدم المندالات كانت تبدأ بمربع في المركز، وتستخدم المثلثات على أطرافه، لتكوّن دائرة في النهاية.
تم تبسيط المندالا قديما لتكون ممكنة الرسم بسرعة على الصخور، لاسيما عند الأمازيغ، فظهر حرف أمازيغي، اعتمدته أحزاب عدّة في العالم، كرمز لها، وهو “الصليب المعقوف” الذي اعتمده الحزب النازي، ومنه أيضا رمز الزوبعة، الذي يعتمده القوميون السوريون الاجتماعيون رمزا لهم.
لا نتحدث هنا عن اقتباس قام به أحد عن أحد، ولكنها طريقة تعبير رمزية اشتركت بها الإنسانية جمعاء، فمن السهل أن تجد مندالات عند الحضارات القديمة كلها من وادي النيل حتى الصين شرقا وحتى المايا والإنكا غربا، وعندما نذكر الأمازيغ فإننا نعني أكبر تجمع للنقوش الكهفية في العالم، في طاسيلي ناجر، حيث أقدم المندالات التي عرفتها البشرية، حسب معرفتي، وهي على شكل أربعة شمعدانات ثلاثية، تنطلق من مصلّب، وتلتف حولها دائرة.
يبقى سر اشتراك الإنسانية في المندالا عصيا على الكشف، لكن تحليل صورتها الأقدم، اللصيق بالحضارات الزراعية الأولى، يشير إلى أن الدائرة التي تحيط بها ترمز للسنة، ولكون الشكل الرباعي في منتصفها يرمز للفصول الأربعة، والأشكال الثلاثية المتفرعة منه ترمز لثلاث دورات للقمر تمتد على كل فصل من الفصول.
تعقدت صور المندالا اللاحقة، ودخلت فيها النقوش الهندسية والنباتية والحيوانية، واستخدمت المندالات كزخارف وتمائم وتعويذات ووشوم، لكن كما يبدو لي، فأصل هذا كله صورة المندالا الأولى، كتقويم، يرمز لدورة الحياة على الأرض.
نعود لفكرة خزعل الماجدي العبقرية، وهي تحليل الأسطورة وفق نموذج المندالا، فالقصص الشعبي، أو الديني، لاسيما في منطقتنا العربية، يلاحظ أنه ينتظم تحت نموذج يتكرر، وهو نموذج يشمل أربع مراحل، كل مرحلة منها تشمل ثلاث أطوار، وهذا ينطبق على نموذج القص القديم تماما، وينطبق تماما أيضا على رسم المندالا، أقصد هنا النموذج الأقدم منها، فالشخصية تمر بمراحل أربعة، وهي: النشأة، الغربة، التمكين، العودة، ودونك القصص القديم كله، منذ الإغريق وحتى السيرة الهلالية، مرورا بقصة يوسف، افحصه وتأكد منه.
وبما أن المندالا كانت رمزا لدورة الحياة، ونموذجا للقصص المثولوجي، فقد كانت النموذج الذي يرى بوساطته الإنسان الحياة وتحولاتها، ومع القدسية التي اكتسبتها، فقد ابتدأت، منذ القدم أيضا، محاولات استقراء المستقبل بوساطتها، ومن ضمن نماذج المندالا التي استخدمها الرمّالون، قارئوا الغيب الذين يخطون على الرمل، وكتبة التمائم والحُجُب، كانت الزايرجات، وهي رسوم مندالية الشكل، تحوي على أبيات شعر، وخانات فيها رموز وكلمات، تعين المنجّم على قراءة الطالع.