هذه ليست مقالة، هي رصاصة قنّاص، أحاول أن تنتظم رؤوسا عدة معًا، أولى هذه الرؤوس هي رأس أنموذج فاسد، موغل في الوقاحة، تكرّر كثيرا، وآخرها هي رأس الشخص المعني، أو الجزء منه المشتغل بما لا يتقن، وبينهما تأتي رؤوس من غُرّر بهم، وبعض رؤوس الساكتين عن الهراء عجزا.
النموذج الفاسد الذي أتصدّى لبيانه هنا، يشمل رؤوسا كبيرة، مثل حجازي محمد يوسف شريف، المكنى بـ”ـأبي إسحق الحويني”، ومثل محمد حسان، المكنى زورا “الشيخ الدكتور محمد حسان”، ويشمل عددا هائلا من “أعلام” هذه الأمة، التي يصح فيها المثل الشعبي القائل: “إلعب يا فليفل!”، وفليفل هذا _لمن لا يعرف المثل_ قرد، وتقول قصة المثل: إن حاويا كان يلاعب قردا، أمام الناس، فإذا أتى بمعجبةٍ صاح الحاوي في الناس: صلوا على من مخبطته من الودع، ولجامه من الحديد. فيصيح الناس مصلين على النبي، ليقول الحاوي لقرده: إلعب يا فليفل، في بلاد لا يعرف أهلها القردَ من النبيّ.
ولتوضيح كونهم قردة لا أنبياء، حسبنا أن نطلب من الناس أن يتحققوا من سيرتهم الذاتية، فحجازي “الحويني”، خريج لغة إسبانية، يضلل في سيرته الذاتية، بكونه “اتصل” بالألبانيّ فشهد له، قائلا: “صحّ لك ما لم يصح لغيرك.” والتضليل هنا مزدوج، فاتصاله بالألباني لم يكن اتصالا لطلب العلم، بأن يلازمه ويصحبه، بل وهو يوضح أن الألباني لم يقبله ملازما له، إنما هو اتصال هاتفيّ، وجملة الألباني تتعلق بما قاله حجازي محمد عن نفسه، بأنه استقرت له وظيفة قليلة العمل، استطاع خلالها قراءة بعض الكتب، لكنها تفهم على أن علمه صحيح، أو ما شاكل ذلك.
أما محمد حسان، فهو خريج صحافة وإعلام بدرجة البكالوريوس، ادّعى زورا أنه حصل على الدكتوراة، وشهادته مكذوبة، وهي من “الجامعة الأمريكية فرع لندن”، جامعة غير معترف بها، يسميها الأكاديميون بمطحنة الشهادات، استأجر قاعة في الأزهر، وصوّر فيها مسرحية هزلية، لمناقشة رسالته، وقد أصدر الأزهر بيانا يشرح أن محمد حسان لم يتخرج فيه، وأنه استأجر القاعة فقط. انطلت المسرحية على الناس، وهي مصورة موضوعة على اليوتيوب.
وللعلم فقط، كاتب هذه السطور لا يقيم للشهادة وزنا، وقد وصفها غير مرة، بأنها “وثيقة يصدرها مجموعة من الأغبياء، تثبت أن حاملها بات أقرب إليهم.” لكن الذين يلجأون للكذب، باختلاق مرجعية لهم، ويحرصون على إرهاب الناس بالألقاب، هم فارغون، ولولا ذلك لاكتفوا بالدليل، واستغنوا عن الكذب والتضليل، وما يضرّنا حينئذ أن نتبع ما نراه حقا عندهم، ولوكانوا منظفي مداخن، أو خريجي دورة مدتها خمس دقائق، لضبط ضغط الهواء في إطارات السيارات!
دعونا من حجازي محمد، ومحمد حسان، تاركين أمرهما لمن يتقن التثبّت من إدعاءاتهم الفاسدة، ولنلج في موضوعنا الرئيس، وهو النموذج الذي يتبعه كل منهم، وسنأخذ عليه مثالا أكثر وضوحا، وأكثر استخفافا بالجماهير، التي لا تميز بين قرد ونبيّ، وسنبدأ بمقالة كتبها الشخص الذي نأخذه مثالا لحديثنا هنا، وهو رأى الناس تمجّد أمثال الحويني وحسان، فانطلق سادرا في غيّه لا يثنيه شيءـ يخلط الماء بالزيت، ويتحدث في فنون لم يمتلك ناصيتها، حديث عالم!
مقاله بعنوان: (بين الخِلافةِ العُثمانيّة و”إخواننا البُعَدا”) سأورد منه مقتطفات، معقبا على أهمها، حتى آتي على مقاله كلّه:
يقول: “إنه وفي هذا الزَّمَنِ الرديءِ الأغبَرِ المُصفَرّ، قد يختلفُ اثنانِ فيقول الأولُ:
إنّ الشمسَ قُرصٌ.
فيرُدّ الآخر:
هي وجهة نظركَ ليس إلا، (يُقال) إن هناك (دراساتٍ) أثبتت أنها مربّعة ولكنها تبدو للعين قُرصًا بسبب بُعدِ المسافة، وبالتالي لا نرى زواياها القائمة!
نعم هذ يحدث، ولكن لن يجرؤ هذا الآخر _ حتى الآن _ أن يُنكر أن النور الذي يُضيءُ نهارَهُ _سوَّدَ الله نهارَهُ _ منبعثٌ في الحقيقة من الشمس.”
يبدأ صاحب القلم مقالته بهذا المدخل، موهما أن ما سيقوله عقب هذا هو الحق المبين، فإن خالفه أحد، فإن المخالف كمن يزعم أن الشمس مربعة الشكل، وأن سبب فساد العقول هو فكرة وجهة النظر، لكنه لم يوفق في ضربه المثال، فالقرص بالفعل هو ما يظهر من صورة الشمس، لكنها كرة وليست قرصا، ولذلك نقول: نعم، إن ما خيّل لك ولأجدادنا أن الشمس قرص، هو زاوية النظر.
وفكرة المدخل كله، مسروقة من كتاب آخرين، وهي إلى حد ما صحيحة، لكنها عليه لا له، إلا أنه يتمادى بعد ذلك، فيلحق وصف الشمس بـ”ـالخلافة الإسلامية في العهد العثماني”، كما يسميها، وهذا توسّع مضلّل في المثل الذي ضربه، ناهيك عن أنها دعوى فاسدة، سنبيّن فسادها في حينه.
يكمل “الدكتور” الكاتب فيقول: “في زمنٍ يُضطرُّ فيه العاقلُ أن يُكلِّمَ مثل هؤلاء؛ فعلى مثلِ هذا نقول وبالله التوفيق:
إنّ (الخِلافةَ الإسلامية في العهدِ العثمانيّ) امتداد (تاريخيّ) للخلافة الراشدة فالأموية فالعباسية مرورًا بالدّويلات .. واسمُها (الخِلافةَ الإسلامية في العهدِ العثمانيّ) وليس اسمَها الإمبراطورية العثمانية، ولا الدولة العثمانية، التي درّسها الطغاةُ في العالم العربيّ والإسلاميّ في المدارس على أنها (الاستعمار العثماني في منطقة كذا) تماما كما درّسونا (الاستعمار الإنجليزي والفرنسي في منطقة كذا) في كتب التاريخ المزيّف ومناهجِ الدولِ اللقيطة.
وجودُ طُغيانٍ في هذه الدولة لا ينفي كونها خلافة بِحال، إلا عند مَن يرى من خلال عدسةٍ إسرائيلية بريطانية أمريكية، أو من عدسةِ جهلِهِ وإعلامِ طُغاته، فقد وردَ مثل ذلك الطغيان والإساءة في تطبيق الإسلام في الدولة الإسلامية في الحقبة الأموية والعباسية وغيرها من بعدها، ولكنّ أثرها على موازين القوى في العالم أنذاك هو هو.”
وهنا، علينا أن نقول: إن الامتداد التاريخي ليس حجّة بحال من الأحوال، فإذا كانت الصلة بين العثماني من جهة، والأموي أو العباسي من جهة أخرى، يمكن أن تسمّى امتدادًا تاريخيًّا، فالصلة بين الإنسان الأول وإنسان العصر الحديث، هي امتداد تاريخي أيضًا، أفيصلح أن نطبق أحكام هذا كلها على ذاك!
ثم إن مُلك بني أمية ومُلك بني العباس، على تناقضهما العظيم، لم يكن أيٌّ منهما إلا مُلكًا، ليس من مفهوم الخلافة في شيء، بل إن تسمية هذا المُلك بالخلافة، تسمية متأخرة، لم تكن تطلق قديما إلا لمامًا، وفي كل مفصل بين “خلافة” و”خلافة” كان ثمة قطيعة مع السابق، تمنع أن يطلق، على العلاقة بين أي من هذه المراحل، اسم “امتداد تاريخيّ”.
لم يكلّف الكاتب المستخفّ بقرّائه، الذين يجدر الاستخفاف ببعضهم، نفسَه أن يقرأ عن تحالف العثمانيّ مع البريطانيّ والفرنسيّ، فتجرأ على الحديث عن موازين القوى، وأنها بقيت في العالم هي هي، على مدّ “امتداده التاريخيّ” المزعوم، قد يدري عن حرب القرم، التي شنّها الاحتلال التركيّ على روسيا القيصرية، لمصلحة بريطانيا وفرنسا، لمنعها عن مدخل إلى المياه الدافئة، وقام الكاتب يصف كل من يخالفه في تسميته العجيبة، التي لا أصل لها، أنه ينظر من عدسة بريطانية، فضلا عن كون عدسته “إسرائيلية” أيضا، أي منسوبة لأقوى حليف لتركيا في المنطقة، والوليد المحبب للدولة العثمانية على أرض فلسطين المحتلة.
وفوق ذلك، ففكرة الخلافة نفسها _والحديث هنا حول المصطلح الإسلامي_ فكرة فاسدة، فليس ثمة شيء يدعى خلافةً، إلا في عقول العامة الذين هم ضحايا المناهج البريطانية، الإخوانية، التي درَّستها الدول المستتبعة، فمصطلح الاستخلاف القرآني، يشمل البشر جميعهم، بكونهم خلفاء الله في الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة)، والحديث في الآية عن البشر كلّهم، أمّا من يتولى أمر المسلمين، فاسمه في التراث العربي، أمير المؤمنين، منذ عهد عمر، لأن تسمية خليفة، وقفت عنده، لكن الحديث عاد عندما أرادت بريطانيا شق الهند إلى نصفين، ثم انتقل إلينا عن طريق جماعة الإخوان الإرهابية، وحزب التحرير، وداعش وغيرها.
أما كونها “إسلامية”، فلا نعرف ما هو الإسلامي في حكم الأتراك لأجدادنا، ولا في حكم الأتراك اليوم على بلاد ليست لهم في الأصل، وهم كانوا يسومون الناس سوء العذاب، ويشنعون على العرب، ويأخذون محاصيلهم غصبا، ويخطفون بنيهم وبني غيرهم، ليذهبوا بهم إلى حروب، ليست لصالح العرب، ولا المسلمين، بل وليست لصالح الأتراك أنفسهم، فهي ليست إلا حروبا بالوكالة لصالح بريطانيا وفرنسا، ثم من بعدهما ألمانيا.
يكمل “الدكتور”، فيأتي بما أشرنا له، من سحب فكرة الشمس على أنها وصف للدولة العثمانية:
“وإنّ مَن كان يلبسُ الأسمالَ الباليةَ المُخرّقةَ فليس له أن ينتقِدَ مَن يرتدي أفخر الثيابِ أنّ على شيءٍ من ثوبِهِ شيئًا من غُبار..
ولولا أني أخشى أن أُطيل لفصّلتُ القول في خير وفضل (الخِلافةَ الإسلامية في العهدِ العثمانيّ) ولكن نُشيرُ إشاراتٍ لصاحِبِ الشمسِ المُربّعةِ تهديه إلى معنى نورِها وإن رآها مربّعة!”
دعنا من شمسك الساطعة، التي سنبين لك أنها ليل بهيم، يا حضرة “الدكتور”، ولنعد خطوة إلى مثالك الفظّ، فمن الذي علّمك أن الفقير ليس له أن ينتقد الغبار على ثياب الغنيّ؟! ضعيف الحال في أي جانب كان، له أن يرى وينظر، ويطلق أحكامه، وإلا فلماذا تتحدث أنت أصلا! فعدم قدرتي على شراء ثياب ثمينة، لا يعني أنني لا أملك ذوقا، ولا أعرف معنى النظافة، ناهيك عن الطهارة والنجاسة!
الآن يبدأ “الدكتور” في التعداد اللّوذعي، الذي يستغرب أن ينتج حتى عن خلاط فضلات، فيقول:
“إنّ (الخِلافةَ الإسلامية في العهدِ العثمانيّ) التي امتدّت على رقعة جغرافية تربو على عشرين مليون كيلومترا مربّعًا، كان لها أعظمُ الأثر في:
- ردّ وردعِ الحركة الشيعيّة ومدّها في العالم الإسلامي عموما والإسلامي العربي خصوصًا، عبر مواقفها مع الدولة الصفوية.
- منع اليهود من الاستيطان في سيناء وردّ محاولات كثيرة وردعها.
- الحفاظ على الإسلام وعروبة العالم العربي عموما وشمال إفريقيا خصوصا، وهذا ما نعيش في فضله حتى اليوم.
- حماية المقدّسات الإسلامية من المخططات الصليبية البرتغالية.
- أوجدت – بشكل بديهي – وحدة طبيعية بين دول العالم العربي.
- ردّت وردعت محاولات الزحف الاستعماري على العالم العربي ومناطق الثروات فيه وفي غيره.
- حدّت إلى حدّ كبير هجرة اليهود إلى فلسطين.
- عملت على نشر الإسلام في أوروبا بشكل واسع وكان لها في ذلك فضل عظيم.
وهذا غيضٌ من فيض.”
نعم هذا غيض من فيض، ولكنه فيض مخيلتك، وإليك بيان ذلك، نقطة بنقطة:
- الصفويون في الأصل أتراك، وهؤلاء الأتراك سبب انتشار المذهب الشيعي الكريم، في بلاد فارس. اعتناقهم للمذهب الشيعي، واعتناق العثمانيين للمذهب “السنيّ”، جزء من صراع العائلتين التركيتين السياسيّ، ناهيك عن أن هذا المدّ انتشر تحت سلطان العثمانيين.
- وهل دخل اليهود إلى فلسطين إلا عن طريق العثمانيين! بل وتحت سلطانهم عبد الحميد الثاني، الذي يسّر لسيطرة اليهود على فلسطين، وأصدر مراسيم تسمح لهم بالتملك، وتراجع عن بيانه الذي دُرّس لنا، بعدم بيع فلسطين لليهود، بعد ثلاثة أيام من صدوره، ودونك كتاب الدكتورة التي تعبت في شهادتها العلمية المحكمة، فدوى نصيرات، حول السلطان عبد الحميد ودوره في التيسير للحركة الصهيونية.
- عروبة العرب، حافظ عليها العرب، وسقط دونها شهداء لا قبل لأحد بعدّهم، والأتراك بالغوا في طمس العروبة، بل وإن التخلف الذي نعيش في ظله اليوم، هو نتيجة طبيعية للحكم التركي، إذ منعوا الطباعة باللغة العربية، قرابة 400 عام، فانتشر التنوير في أوروبا، وصعدت عصور النهضة الصناعية هناك، ونحن لم يكن لدينا سوى مطبعتين وصلتا متأخرا، واحدة عند الموارنة، الذين لولاهم لاندثرت اللغة العربية، وواحدة في مصر، أيام حكم محمد علي باشا الكبير، الذي صدّه عن الأتراك، حلفاؤهم الفرنسيون والبريطان.
- الأوقاف التي بيعت للبعثات المسيحية الألمانية، بيعت في العهد العثماني، وانتشر نشاطها التبشيري في العهد العثماني، وقد يسّرت الدولة العثمانية للمستشرقين من صندوق استكشاف فلسطين PEF البريطاني، وموضوع البرتغال كله هو جزء من الصراع على المستعمرات، بين قادة أوروبا الجدد، وقادة أوروبا القدماء.
- إن ادّعاءك أن الأتراك أوجدوا الوحدة بين الأقطار العربية، بالغ السفه، فالوحدة موجودة قبلهم، وليس من داع لنقاش هذه مع أحد!
- أما عن ردع محاولات الزحف الاستعماري، فهي فكاهة ما بعدها فكاهة، لاسيما وأنك تعترف بالتاريخ غير المحتاج لاعترافك، الذي يوضح أن سيطرة الإنجليز والفرنسيين على بلادنا جاءت بعد الحكم العثماني المتهالك.
- نُحيلك مرة أخرى إلى أي كتاب تاريخ، لاسيما كتاب الدكتورة فدوى نصيرات، وهي كما أسلفت لك، حازت على شهادتها ببحث رصين، عن دور العثمانيين في تيسير الاحتلال الصهيوني.
- أما نشر الأتراك للإسلام في أوروبا، فنعم قد قتلوا خلقا كثيرا، وشنعوا على الأوروبيين باسم الإسلام، وارتكبوا مظالم يدينها الجميع، حتى أن الأوروبيين الذين وصلوا بلادنا، وصولوها هربا من بطش الأتراك، فعاشوا بيننا آمنين على دينهم.
أعرفت أي غيض من أي فيض هذه الفِريات التي أتيت بها؟
ثم يكمل “الدكتور” لوك ما سبق من “كلام”، أو مما هو من مؤدّاه، قافزا عن حقبة محمد علي باشا الكبير، والوطن العربي الذي كان يغلي بسبب ظلم الأتراك، وتحالف تركيا مع الفرنسيين والإنجليز لتحجيم العرب والسيطرة عليهم، ثم انتهاء مدة صلاحية العثمانيين، حتى بعد التمديد الأوروبي لصلاحيتها، ويقفز ليتهجم على الثورة العربية الكبرى، والتي لستُ بوارد الدفاع عنها، فهي عليها ما عليها، لكن حذاء أحقر رجل فيها أشرف من تاريخ العثمانيين كله.
ثم يهزأ بالقوميين والوطنيين والعَلمانيين العرب (يسميهم “دكتور” اللغة العربية ، عِلمانيين، وهي تسمية لصيقة بعدم فهم المصطلح) ، ويتساءل عن الذي فعلوه، مع أنه هو “يقول” إنه أنهى دراسته منذ الثانوية العامة، إلى الدكتوراة، في القُطر العربيّ السوريّ، حيث الدراسة المجانية جاءت بفضل القوميين، بعد أن طرد العرب الفرنسيين منها، وبعد أن طردوا الأتراك من قبلهم، الأتراك الذين دخلوا دمشق وهي تعجّ بالمدارس، فغادروها وليس فيها إلا 30 كُتّابًا!
ثمّ يجيء بالأسد من ذيله خاتما كلامه: ” أيها العرب، لا قائمة لكم إلا بالإسلام.. لا قائمة لكم إلا بالإسلام..” (أعتذر عن الأخطاء في علامات الترقيم، في الاقتباس منه، ولكنني أورد كلامه كما هو.)
مصر التي يعيش فيها “الدكتور” اليوم، لم تكن بلدا حديثا يوما من الأيام، لولا اثنان من رموز القومية العربية، هما محمد علي باشا الكبير، والبكباشي جمال عبد الناصر، وسوريا التي ينشر “الدكتور” منشورا يفيد أنه تخرج في جامعاتها في مسيرته كلها، لم تكن ما هي عليها في عهد دراسته، لولا القوميين التقدميين، والبلاد كلها لم تتحرر إلا على يد العرب من كل ديانة ومذهب فكريّ ودينيّ.
الآن لنعود إلى النموذج، الذي ضربنا له مثالا نعرفه تمام المعرفة، وضربنا له أمثلة يعرفها الناس، ونتمنى أن يتمّوا معرفتهم بها، ونتساءل عن سبب نجاعة هذا الأسلوب عند الناس.
الأسلوب هذا ينجح، لأن العامة السُذّج، يريدون أن يرَوْا معتقداتهم، مهما بلغت سفاهتها، مصاغةً بلغة فصيحة، ومذيّلة باسم شخص يحمل شهادة عليا، فهذا يقول لهم: أنتم علماء، ولستم أدنى من العلماء في شيء، فها هي أفكاركم يجري بها قلم “دكتور”، فضلا عن أنهم ضعفاء أمام أي كلام صيغ بلغة عربية تعلو فوق لغة الصحافة.
هذا الأمر له اسم في العلم، واسمه (العقلانية المَقودة بالاعتقاد)، ونقيضها الذي ينقصنا هو (العقلانية المَقودة بالدليل)، لكي نتوقف عن ترديد كلام عار من الصحة، فقط لأنه وافق ما نصدق به، وصاغه كاتب حاذق، مع أنني أحسب لبعض الناس ممن يتابعونه أنهم ناقشوه، لكنه كانت له ردود عجيبة، قائلا ما معناه: إن المنشور ليس عن الدولة العثمانية، بل عن الذين يهاجمونها بلا دليل. ولا أحسب هذا إلا تهربا من نقاش النقاط ذات الخطأ البيّن، لكن “من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب”.