ثقافة الخلوّ

عندما تريد أن تستأجر عقارا، لاسيما محلا تجاريا، في الأردن، فإن عليك أن تدفع فوق أجرة المحل، مبلغا كبيرا من المال، يسمونه “خلو”، وهذا الاسم مختصر عن الاسم الأصلي الأطول، وهو “خلو رجل”، وهذا التقليد يفتقر لأي سبب واقعي، لكن الذاكرة المجتمعية هي وحدها من تعطيه شرعية.
 

القصة تعود لقانون الاستئجار القديم في الأردن، الذي ألغي وحل محله قانون آخر، فالقانون القديم كان يمنع مالك العقار من فسخ العقد، حتى يخلي المستأجر العقار بإرادته، أو لقاء تفاهم ما، يتضمن تلقي المستأجر مبلغا ماليا لقاء إخلائه العقار، كان هذا المبلغ يسمى “خلو رجل”.
 
كان المستثمر الذي يريد افتتاح محل في عقار، يشغله مستأجر آخر، يتكفل بدفع مبلغ الخلو للمستأجر القديم، ويحافظ على عقد الإيجار نفسه، الذي قد يعدل تعديلا بسيطا، لتزيد الأجرة بمقدار بسيط، ولا يملك مالك العقار فسخ العقد.
 
صدر قانون الاستئجار الجديد، وانتفى أي سبب لوجود “خلو الرجل”، لكنه ما يزال موجودا، وهو عامل أساسي في صعوبة بدء استثمار جديد، مما يؤثر على النشاط التجاري، ويرفع سعر السلع على المستهلك، ويقلل هامش الربح المرتبط بالنشاط التجاري، ويزيد هامش الربح المرتبط بحجم رأس المال.
 
تحت قش الثقافة الاستثمارية القديمة، يسيل ماء الاستثمار الحديث، إذ توفر التقنية، ومواقع التواصل الاجتماعي، فرصة لمن يريد ممارسة النشاط التجاري، دون أن يمتلك محلا تجاريا من الأساس، وربما سيلغي هذا ثقافة الخلو.
 
كم أمر في ثقافتنا تشبه مسيرته مسيرة “خلو الرجل”، يبقى بعد أن ينتفي سبب وجوده، حتى يجيء شيء يلغيه، وهذا يشمل تقاليد مرتبطة بالزواج، أو الدين، أو السياسة، كلها انتفى سبب وجودها، لكنها باقية حتى يأتي ما يلغيها بالقوة.