أفكار متفرقة حول “حملات المقاطعة” المحلية

هنا أنا لا أتحدث عن مقاطعة العدو الصهيوني، فتلك ثمة طريقة أخرى للحديث عنها، بعيدا عن جدواها، إذ هي التزام وطني قومي، وفي أحوال كثيرة ديني، في حال تحدثنا عن الدين بعيدا عن طبقة الكهنة، لكني أتحدث عن المقاطعة المجتمعية لمنتج ما، في سبيل تخفيض سعره.

أكثر ما يرعب مصاصي دماء الشعوب، في المقاطعة، ليس الخسارة اللحظية، فهذه مقدور عليها، إذ ما دمت من القلة الثرية، فالقوانين وبنية المجتمع اقتصاديا وسائر الظروف في خدمتك لتزيد ثروتك، وتعوض أي خسارة، المرعب في فكرة المقاطعة أن الناس تؤسس لبنية إدارية لها، بعيدا عن السلطة!

لأن مجتمعاتنا ما زالت في مرحلة الطفولة، عالقةً بين أساطير الأجداد، التي لا تراها في الواقع إلا كوابيس، فثمة دائما تصرفات طفولية، قد تتجلى هذه الطفولة في عدم إتقان طريقة المقاطعة، وهي تتجلى بوضوح في طريقة الاعتراض عليها.

أن نقفز فورا إلى تقريع الناس على عدم مقاطعتهم للمنتجات الصهيونية، عند الحديث عن مقاطعة منتج مؤثر اقتصاديا على شريحة واسعة من الشعب، لأسباب اقتصادية محضة، فهذه طفولة، ومثلها أن نرفض الاشتراك لأننا نرى المقاطعة غير مجدية لحظيا، أو نبدأ بمحاولة تعديل منهجي في حملة مقاطعة بعد أن انطلقت.

المجتمع له عقل جمعي، له خبرة جماعية، وما تقوله له خبرته الجماعية هو ما يقبله، ولا يقبل الاعتراضات التي تتصاعد بعد تقرير العمل، لاسيما إن كان المعترضون من غير المساهمين في التنظيم، بالنسبة للمجتمع هذه ليست أكثر من أعذار للتقاعس، والمشكلة أنها كذلك بالنسبة لمن يدعون إلى حملة ما، وهذا يفوّت مقدرة المجتمع على التناصح فيما بينه.

من الطفولة المجتمعية أيضا، أن تظن طليعته أوّل خطوة تؤتي أُكلها، هي أول خطواتها في الاتجاه الصحيح، فتنطلق بتصريحات نارية، تصريحات تشبه شيكات بدون رصيد، تلقي بصاحبها في السجن، وتتسبب في إضعاف همة الناس في الدفاع عنه، لأنه قال ما لا يشبهها.

المجتمعات تتطور، وأدوات الهيمنة تتطور، والسباق بين هذه وتلك، يتطلب منا أن نحابي المجتمع، حتى عندما لا نرى الفكرة التي شدّته مقنعة تماما، فتقريبا كل الذين حاورتهم من أجل مقاطعة منتجات العدو الصهيوني، قالوا لي بالحرف: أشعل حربا بيننا وبين الصهاينة، وستجدنا أول الناس على الجبهة! وما أشبههم إذ قالوا هذا، بمن يقول: اعملوا حملة مؤثرة للمقاطعة وأنا سأشارك.

هؤلاء الذين يرون في أي خطوة مجتمعية، وإن كان فيها ما فيها من الطفولة، بابا للاعتراض واعتزال الناس، هم أهم مظاهر طفولة المجتمع، وهم لا يضعون في حسابهم، ربما بسبب الجهل، أنه ما من عصا سحرية، وأننا محكومون لكوننا مجتمعا، لكنهم، وياللغرابة، إذا واجهتْ معظمَهم ظروفٌ تتعلق بثأر عائلي، أو سواها من السلوكات القطيعية، قاموا يرددون: “وما أنا إلا من غزية إن غوت… غويت وإن ترشد غزية أرشد”.