قبل أن تتفاقم ظاهرة هذا المغفل، ويصبح “قامة عالية خدمت الدين والعلم”، كما يرد علينا كل من يسمعنا نهاجم زغلول النجّار وغيره، فإنه بات لزاما علينا أن نعطي ردّا علميا مبسطا يشرح للناس كيف تكون مشاهدة شرائط المعماري علي الكيالي مضرة للدين والعلم والعقل معا…
في هذا الشريط المعنون : “نهاية العالم وما بعدها” سنجد المغالطات المنطقية تبدأ من العنوان بل من الدافع وراء الحديث ذاته وتستمر إلى نهاية الحديث، في قالب منمق بمؤثرات بصرية وصوتية، تضفي احتراما على هراء يلوكه هذا الشخص الذي لا نحسب أنه اشتهر إلا بسبب سرعة كلامه وحشوه مصطلحات علمية في كلامه والازدحام العقلي الذي يورثه لسامعه، وتأثير هذا الاختناق المروري في المعلومات على النفس، يشابه تأثير الحوار المعرفي الحقيقي الذي يقدح الذهن، فيخيل للناس أنها كانت تستمع لعالم، ولكنه حقيقة جاهل جهلا مركبا، وهنا سنتناول في نقاط أهم الأخطاء العلمية واللغوية والمنطقية التي وقع فيها، مرتبة ترتيبا زمنيا حسب ما ظهرت في الفيديو:
١. كل شرائط نهاية العالم، هي في تناقض واضح مع الدين، وليس لها مقدمات علمية حقيقية، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الأعراف ١٨٧
أما سبب شيوعها عند كل الأمم هي أنها تلقى صدى عند العامة وبالمختصر هي تجلب نقودا، ومن باب “السوء عايز كده” دخل علينا كل السوء، من أفكار أو دعاة.
٢. العنوان الذي يقول (نهاية العالم وما بعدها) وهو يتكلم بصيغة علمية، هو بحد ذاته مغالطة منطقية، مثل أن تقول (الذي قاله فلان بعد موته).
٣. يبدأ الشريط بشخصنة الطرح من خلال شخصية “العالم” وإرهابنا بدرجاته العلمية المترجمة خطأ، فكونه يحمل درجة في الفيزياء لا يجعله عالما فيزيائيا أبدا، وكذلك كلمة خبير التي تطلق عندما لا يكون هناك شهادة علمية، و٣٠ عاما من الدراسات القرآنية!!! وكأن العلم يقاس بالزمن، عموما هذا كله ليس مهما فلو كان أحد أنبياء الله وأخطأ فهذا لا يجعله مصيبا، لكن التدليس واضح في وضع هذه القائمة من المعلومات عنه والتي تحاول إضفاء صفة عالم عليه.
٤. يقول دعنا نتفق أن القرآن كتاب سماوي، في محاولة لتحديد منهج حلقاته الذي نفهمه في النهاية وهو : الحجج المبنية على الإعجاز العلمي —> كون القرآن كتاب سماوي —> ماذا يقوله القرآن عن نهاية العالم (وما بعدها!). وهذا الطريق نفسه غير صالح منطقيا فيمكن مجابهة هذا التسلسل في كل مفصل من ناحية الاستنتاج بالكثير من الطروحات فهو ليس شرطا لازما عليها، لكن ما يهمنا في عيوب المنهج سنرجع له في الخاتمة.
٥. الحديث عن المستوى الذري وما هو أدنى منه في القرآن: مسألة (مثقال ذرة / نقيرا / فتيلا) هي كلمات عربية مستخدمة قبل القرآن في الشعر وفي خطب العرب وأمثالها، ولها معانيها التي تعيها العرب وليس هناك أي جدوى أو داع، للالتفاف على معناها حتى تعني ما يريد هو لها أن تعني، فهذه هي المغالطة اللغوية.
أما الخطأ التأريخي والعلمي فهو يقول (ثبت في اليابان)، ولعله يقصد العالم ذا الأصل الياباني المقيم في الولايات المتحدة (ميتشيو كاكو) صاحب نظرية (م)، التي يحاول من خلالها تفسير كل شيء، ولكنه يتحدث عن نظرية (الوتر الفائق المتردد)، وهي تفسر مادة الكون الأساسية وليس (فوتون الضوء)، وهنا يستخدم مصطلح الكوارك وغيره وليس بالطريقة التي استخدمه هو، وهذه أخطاء في النظرية وخطأ في فهم ما الفرق بين النظرية العلمية التي تفسر وما زالت تحت التطوير وبين أن يقول ثبت، ثم تدليس في مطابقة النظرية على الكلمات العربية، التي لا تعني ذلك ولم تعني ذلك، وكل الأمر أننا عندما عربنا كلمة (اتوم) لجأنا للجذر العربي ذرّ.
٦. “فيزياء الليل” اسم شاعري يطلقه هو على شيء ما، ثم يعيب على العلم الحديث الذي كان من قبل مرجع الحقيقة عنده، تقصيرهم في اكتشافه، ويورد كلمة (عسعس) التي لها معنيان متضادان في اللغة ترجح المقابلة المستطردة في الآيات قبلها وبعدها معنى واحدا منهما، ليستنتج من تكرار المقطع الصوتي الذي يتشابه في كونه تكرارا مع كلمة زلزل و كلمة دمدم، وبالتالي فمعنى عسعس هو هذه الحركة البندولية التي يستعين بالصورة لفرض المغالطة وتكريسها مع أن الكلمات العربية التي على هذا النسق والتي لا تعني الزلزلة ولا الخراب كثيرة مثل (زقزق، جعجع وغيرهما الكثير)، ثم ومن هذا يستنتج أنهذا دليل على أن القرآن كلام الله!!!! فلا عسعس تعني حركة جيبية بالضرورة، ولا الحركة الجيبية شيء عنيف بالضرورة، ولا كل هذا له أي علاقة بكون القرآن آي من الله.
٧. ترتيب مستويات الصوت في القرآن هو ذاته ترتيب مستويات الصوت عند العرب، لأن القرآن نزل بلغة العرب، وهو موجود في كتاب الثعالبي (فقه اللغة وسر العربية) لمن أراد، والمعماري علي كيالي يورده بأخطاء جسيمة لا تطابق التصنيف العربي، لكن ليس هذا هو المهم، المهم أنه يفترض من تحت أباطه قيمة بوحدة (ديسيبل) يخلعها على كل اسم صوت يراه في القرآن، ثم يخرج من كل هذا ليقول من خلال الباطل الذي ابتناه أن ورود اسماء أصوات عالية لم يكن موجود مثلها في أيام العرب دليل على كون القرآن كلام الله!!!! وينسى علي الكيالي أن العرب وإن لم يخترعوا الطائرة إلا أنهم سمعوا الرعد والزلازل.
٨. يتحدث عن اكتشاف طبقات الغلاف الجوي (في رحلة يوري غاغارين) وهو في الحقيقة خطأ تاريخي، ثم يتكلم عن كون الغلاف الجوي من سبعة طبقات وهذا غير دقيق، ولا يمكن مطابقتهن مع آية (سبعا شدادا) فما طبقات الجو بسبع وما هن بالشداد، فمالكم كيف تحكمون، نعم بعض المناهج تتكلم عن سبع طبقات جوية، ولكن هذه ست مجالات وطبقة الأوزون ضمن أحد هذه المجالات، ولسنا في درس علوم، حيث يكفيكم أن الله يقول : (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ١٢ فصلت. فالسماء الدنيا هي السماء التي فيها النجوم، فكفوا عن هرائكم.
ومع كل انتصار معرفي مزعوم ملصق بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنطلق موسيقا تدغدغ العواطف، وتؤكد حالة الذروة التي وصل لها المستمع، مع أنه كلام لا يقيم بعضه ولا يأخذ بعضه بأطراف بعض، مليء بالغش والتزوير والخداع، ولكن أين مكمن قوته حتى يبدو رائقا ويجلب عددا هائلا من المشاهدات؟
هنا لا بد أن ننوه أن الجمهور قسمان، من يؤمنون بالقرآن إيمان العجائز ويريدون أي تأكيد من أي شخص يقال له عالم على أن ما آمنوا به هو الحق، و القسم الآخر هم الذين يعملون عقولهم إيمانا بالقرآن أو إيمانا بالعلم، وهؤلاء قد لا يأبهون بما يقوله هذا بتفاهته ولأنهم لا يريدون أن يصنعوا منه شيئا، إلا أن يكونوا محاربين للدين، وهذا يسقط هجومهم على علي كيالي وأمثاله، من باب أنهم مغرضون، لكن الذي حركنا هو الغيرة على العلم الذي يزور في هكذا برامج، وعلى العقل الذي يفسده كثرة الهراء، وعلى الدين الذي لا يحتاج للباطل، فالحق غني بذاته غير محتاج للباطل والأغاليط كي يقوم ، لكن من يسمع ما يحب لا يرى العيب القاتل في منهج الاستدلال عنده وهذا نابع من طبيعة الجمهور وليس من طبيعة القول أو العلم.