لسبب ما لم يخطب النائب محمد نوح القضاة خطبة الجمعة في المسجد الذي زاره في الكرك، ولا يهمنا هنا أن نعرف السبب، لكنه بعد انتهاء الصلاة قام يخطب في الناس وقوفا في ما سمَّاه درسا دينيا، عندما نفى خبر أنه طرد من المسجد، وقال إنه اختصر الخلافات، فقطع الدرس، وعند مشاهدة الشريط تبين أنه كان في خضم قصة مستفزة للغاية، لا سيما لأهل الكرك المكلومين بفقد أبنائهم.
النائب الذي اكتسب سمعته من تاريخ أبيه نوح القضاة، الذي بدوره اكتسب شهرته من جريمة أخيه هود القضاة، الذي أطلق النار على مسيحيين من عجلون، في مواصلة نقل عام، فأرداهما قتيلين، لأنهما كما تقول القصة تذمرا من اضطرارهما للامتناع عن الشرب في نهار رمضان، أتحفنا من قبل بقصة فتح القفل بالبسملة، وكيف تطعم السلحفاة صغارها من خلال النظر، وفبركة قصة مضحكة عن نزاهته وتسهيل مديره المالي في الوزارة لكي يختلس، وادعاء أنه ترشح للنيابة في الزرقاء لكي يلتمس أثر الرسول في السخنة، وليس ليكون نائبا!
هذا النائب الذي يتمدد كأخطبوط فينطلق من جمعية خيرية لإذاعة لمدرسة ابتدائية لمدارس، وينتفخ ويكبر ماليا وجهويا، لم يكن موفقا أبدا في اختيار موضوع درسه، فقد تلا على المصلين نبأ الصحابية كبشة بنت رافع، وزاد عليه ما ليس فيه، مؤكدا لهم أن كبشة لم تكن تهتم لمقتل ابنها، ولا لمقتل أخيها، وتعاود السؤال عن حال رسول الله، واستنتج من هذا أن حياة أبنائنا غير مهمة، ما دامت “العقيدة” بخير، وهذا الاستنتاج هو بالضبط ما عند الإرهابيين.
تخيل أن تعطي درسا يناسب الفئة الباغية القاتلة ويتسق مع فهمها للدين والحياة، للفئة المظلومة المكلومة والتي ربما كان بينها أحد من أهل الشهداء! تخيل أن أبا الشهيد يسمعك! وأنت تقول ما يقوله الإرهابي تماما، وما أحل من خلاله دم ابنك! فكيف ستسكت!
لا يا سعادة النائب، الرسول كان يفدي الصحابة بحياته والصحابة كانوا ينافسونه في ذلك، لكنه كان يأخذ وقته ليحزن على من فقد من أهله وأخلائه وصحابته، وكان يحاول حقن الدماء، ويقول ثم يبدل قوله إن رأى فيه حياة للناس، وليس فقط للمؤمنين، وأنت تعرف شواهد كثيرة على هذا، لولا أنك تحفظها ولا ينزل معناها في قلبك، فحين تتحدث تنصرف إلى ما يذكرك به الذين تقتدي بهم بسبب شعبيتهم، وتجارتهم الرابحة.
عد إلى الزرقاء وحاول أن تحدَّ من التطرف فيها، فأنت نجحت كنائب في إحدى أكبر بؤر التكفير في المملكة، ودعك من ركوب موجة التعاطف الأردنية مع الكرك، ثم إن الضيف يأتمُّ بالمضيف، ولا يتصدر الصلاة والخطبة ولا إلقاء الدروس، وإن أذن له النشامى الذين يكرمون ضيفهم، فإن لم يجد بدا من الحديث انتقى كلامه، ولم ينس نفسه وهو يأتي بالقصص على عواهنها ولا يدري في صالح من تصب! بل وعد إلى نفسك وعالج تطرفها، فتسريحة شعرك المليء بالجِلّ، لا تخفي تطرفك!