هذه المقالة ليست ساخرة تماما، ولا هي بالجدية المطلوبة لتناول موضوعها، فقد لا تتوفر الجدية من المستوى المطلوب في دولنا العربية كلها، من مراكز الدراسات فيها إلى الحكومات، فما بالكم بمقالة من نحو ألف كلمة! يلزمنا لكي نحد من الإرهاب، أن نعرف مركباته، ولكي لا يظن الناس أن هذا إغراق في التنظير البعيد عن الواقع، فهذا مثال على كيفية تحول الإنسان الطبيعي إلى إرهابي، صيغ على صورة دليل يمكنك من أن تكون إرهابيا خطيرا، إذا اتبعته خطوة بخطوة! فاحذر أن تتبعه، واحذر من كل من يمارس أيّا من الخطوات الواردة فيه!
أولا: الدافع
لكي تكون إرهابيا يلزمك دافع قوي، ومهما سمعت عن قوة الأيدولوجيا فهي أضعف من اللازم، يجب أن تتحول الأيدولوجيا إلى دوغما “Dogma” _وهي العقيدة الصارمة العمياء_ لكي تفي بالغرض، وأنجح الايدولوجيات في التحول إلى دوغما هي الأديان، لا سيما أنك من الممكن أن تدخل بوساطتها طور الدوغما فورا، دون المرور بطور الأيديولوجيا، فقد مرت بأطوار كثيرة قبل أن تصل إليك.
الأفكار لوحدها وإن تحولت إلى تصديق أعمى فهي لا تخلق إرهابيا فورا، ولذلك لابدّ من خلط الدوغما بالمظلومية، والتعصب للهويات الفرعية، فهذا كفيل بفقدان السيطرة على النفس، وتسليم العقل للعاطفة تماما، ويا حبّذا لو كان عقلك ضعيفا بالأساس، ولم تدرك من المعارف شيئا، سوى مجمل آراء أصحاب الهوية الفرعية، التي تنتصر لمظلوميتها، ويا حبذا أيضا لو كنت مفتقرا لقضية حقيقية يشغلك تطورها الذي تستطيع لمسه.
عليك انتهاج الترديد لما حفظت من النصوص المؤسسة لجماعتك، أو آراء أعلام مذهبك أو فرقتك، دون الوقوف على المعاني، وحذار من امتلاك نظرة نقدية تجاه ما تفهمه منها، فالنظرة النقدية قد تهدم الدوغما، كذلك عليك أن تصدق ما يرد لك من طرف جماعتك، وتكذب ما يرد لك من أي طرف آخر.
حتى تحافظ على نار الدافع متقدة في قلبك، فعليك أن تقصر احتكاكك على من يتبنون آراء جماعتك، ولا تحتك مع من يخالفها، فاحرص على ارتياد الأماكن التي يكثر فيها من يشاركونك الانتماء نفسه، وعلى مقاطعة كل من يخالفك، وسائل “التواصل الاجتماعي” توفر لك خاصية الحظر، فاستخدمها معهم، فإن كنت متدينا فاحسبهم في الكفار ولا تسمع لهم.
شارك جماعتك في أي هستيريا جماعية، ففي التجمعات الكبيرة، والأحداث التي تلقى تفاعلا كبيرا، احرص على أن تكون بين أبناء جماعتك، ويا حبذا لو شاركت أبناء جماعتك في سفر يعزلك عن بيئتك، التي قد تفرض عليك الاحتكاك بالآخر، عند السفر في سبيل واجب بصورة جماعية، ستشعر بالعزلة التي تهدمك وتعيد بناءك، كل هذا من شأنه أن يجعل حرارة نار الدافع المعنوية التي في صدرك تجففك بالكامل، وثمة كثير من أسباب السفر عند كل فرقة أو مذهب.
احرص على الاحتكاك بمن يذكرونك بالمظلومية، وبكره الآخر، ويعززون الدوغما في نفسك، من أشخاص وفعاليات جماعية، وهذا حسب طائفتك أو جماعتك: جمع، آحاد، دروس دينية، ندوات تعرض رأيا واحدا، صلاوات جماعية تبتهل فيها إلى الله أن يقضي على خصمك، وسلّم عاطفتك وعقلك للمتحدث باسم الجماعة.
ثانيا: الشرارة
كثير ممن توفر لهم الدافع كاملا، لم يتحولوا إلى إرهابيين، فعليك الحرص على انتظار الشرارة التي ستجعل يباس نفسك جحيما محترقا، شاهد الأخبار التي تستفزك عاطفيا، صور الدماء، قصص القتلى، أو اطلع على روايات أبناء جماعتك عن أقوال الجماعات الأخرى التي يرهقك مجرد معرفة أنها موجودة، حدث نفسك بقتلهم، تصور نفسك وأنت تفعل ذلك.
ردد صورا تشبيهية من قبيل القبض على الجمر، وأن الوحشة قدر الملتزمين بالمبدأ، واطعن في نية كل من تسوّل له نفسه التطاول على أفكارك، احكُم عليهم، دعك من مسألة أن النية تخص صاحبها، فمن لم يقف مع قضيتك فهو ضدك حكما، ردد لنفسك أن هؤلاء مباحو الدماء، أو استمع لمن يردد لك ذلك.
في خضم كل ذلك، انتظر تلك اللحظة التي يشتعل فيها قلبك الجاف، تلك هي اللحظة المناسبة لمعاهدة نفسك على الانتقام، خذ هذا العهد، فمن لم يحدث نفسه بهذا مات على شعبة من شعب النفاق، خذ القرار، وانتظر أي فرصة لتنفيذه، ستأتيك هذه الفرصة ما دمت تحتك بالبيئة الصحيحة.
ثالثا: التفكير في الخطوات
اطّلع على تاريخ العمليات الانتقامية التي حدثت من قبل، لاسيما تلك التي نفذتها جماعتك ضد الآخرين، فهذه تقبلها نفسك دون التشكيك بجدواها، أو التساول حول أخلاقيتها، ألم تسمّ جماعتك من قاموا بها بالأبطال! إذن بالتأكيد هي شرعية تماما، دون الحاجة إلى التأصيل والتدليل.
مهما كان عدد المنفذين المحتملين ستجد عملية تشملهم، المنفذون الذين سيشاركونك، قد تلتقيهم في فرق كرة القدم، وهناك قد تلتقي أيضا بمن يجندك، وإن لم يجندك أحد قد تكون أنت الذي يجند الناس، وبعد أن تتعاهد معهم، اختر العملية التي ترغب، والهدف الذي ستضربه، وليكن متوافقا مع أهداف جماعتك، حتى لا يستطيع أعداؤك أن يموّهوا فعلتك بكونها جريمة عادية، لكل جماعة بنك من الأهداف، اطلع عليه، ستجده في نشراتهم، في مواقعهم الإلكترونية، في تغطية القنوات الفضائية التي تتغنى بالرأي والرأي الآخر، لتصريحات أمراء جماعتك، اختر العملية التي ستقوم بها.
جزّئ العملية المطلوبة إلى خطوات وفكر في كل خطوة على حدة، وفي التدريب اللازم لكل خطوة، وليموّه كل من أفراد الخلية الإرهابية دافعه للتدريب على المهارة المنشودة، بعضكم سيذهب في رحلات الصيد ليتدرب على القنص، بعضكم سيتدرب على الكيمياء، بعضكم سيلتحق بنوادي الدفاع عن النفس، كل حسب مهمته.
كل ما ترغب بمعرفته ستجده على الانترنت، الأرشيف الأمريكي، مثلا، فيه الكثير من المواد التي وضعتها السلفية الجهادية، تشمل كل شيء تحتاجه، من إعداد الأحزمة الناسفة، حتى إدارة الاتصالات بين الخلية الإرهابية، التشفير، التخطيط، يوجد أكثر من 50 ألف مادة حول كل ما تريد معرفته حول هذا هناك فقط، وكله باستخدام أدوات قريبة من متناولك.
رابعا: التمويل
أسرع طريقة لجمع المال في بلادنا العربية هي الشعوذة، التسوّل، تجارة المتعلقات الدينية الخاصة بجماعتك، محلات تركيب العطور، محلات التسجيلات والبرامج المقرصنة، شبكات البسطات، الغطاء الخيري غطاء جيد، فثمة مبرر فيه لتكتمك على مصدر الأموال، تستطيع استخدام حجة أن فاعل الخير لا يريد إشهار اسمه، وثمة مبرر أيضا لتكتمك على طريقة صرف ما تجمع، تستطيع استخدام حجة أن الأسر المستورة لا يجب فضحها.
عموما الجماعات الإرهابية التي قد تتواصل معك تملك الكثير من المال، وقد تلجأ لشبكات البلطجة، تجارة المخدرات، تجارة السلاح، كل شيء مباح ما دام الهدف “ساميا”، واستتارك تحت غطاء الأعمال الخيرية سيرفع عنك الشبهات، لاسيما إن كنت من المتديّنين.
تستطيع دائما الاستعانة بأحد الأثرياء من أبناء جماعتك، لاسيما إن كان محدث نعمة، فالمال هيّن على الذي لم يكدح في تحصيله، أثرياء النفط خيار جيد ومضمون.
خامسا: التنفيذ
انقطع عن التواصل مع الجهات التي تواصلت معها سابقا، اغسل كل شبهة حولك بالانقطاع للطاعة، حافظ على الهدوء والعزلة زمنا، احرص على السرية، قد تتنقل بزي امرأة منقبة، أطلق على نفسك لقبا، الكنيات خيار جيد، من أسهلها في الصياغة: أبو كذا القادم من المكان الفلاني، أو حسب النمط الذي تنتهجه جماعتك في الأسماء الحركية.
انتظر لحظات الهشاشة في المجتمع الذي تعيش فيه، استغل أي انقسامات إقليمية أو طائفية أو ثقافية أو حول حدث ساخن، القلاقل مكان مناسب لتوجد فيه، التجمعات الكبيرة أهداف سهلة دائما.
لا تقلق بصورتك عند الناس، سيتطوع الليبرالي للدعوة إلى تفهمك، سيسميك العميل للأجنبي مظلوما، سيسميك اليساري المنحرف ثائرا، سيحاول النظام عدّك مجرما عاديا، كلهم سيختلقون لك الأعذار، سيقولون عنك: إنك فقير. سيخجل أبناء الطوائف الأخرى من مهاجمتك حتى لا يعدّهم أبناء طائفتك أعداء، وحدها جماعتك ستسميك شهيدا، قد تتبنى عمليتك دون أي صلة حقيقية بك، فمهما ظننت نفسك ذئبا منفردا، سيتضح أنك تعيش بين قطيع من الذئاب المنفردة التي لا تعرف حقيقة بعضها بعضا.
خاتمة:
هذا الدليل ينقصه التعرض للعامل النفسي لشخصية الإرهابي، الذي كان لا يحظى بالاحترام والقبول بسبب سجله القذر، ووجد نفسه يلقى قبولا وترحيبا من الناس الذي يريد احترامهم، لقاء تمثله قيم الجماعة والتشدد فيها، ولكن قصد منه فهم أن الإرهاب الذي نعاني منه، هو في الحقيقة ربيب الحالة المجتمعية التي بنيناها نحن، والظرف التقني الذي نعيشه، وهو نتيجة لممارسات أخرى تبدو في غاية السلمية والخيرية، بينما نتيجتها شر محض.
لم يسمّ الدليل جماعة بعينها، مع أننا نعاني من إرهاب محدد، معروف لنا كلنا، ولو أسقطنا ما جاء في الدليل عليه، لعرفنا أن عوامله كثيرة جدا حولنا، وأننا ننادي الإرهابي لقتلنا بصورة شبه يومية.