يستعيد الأردنيون الجدل حول تبديل التوقيت، بعد أن حسموه في سنة سابقة بسبب حادثة مقتل فتاة، فعادت الحكومة عن قرارها بتثبيت التوقيت الصيفي، إثر غضب شعبي على القرار، الذي وجد الأردنيون أنفسهم بسببه يستيقظون على تخوم فجر الشتاء، ولم تعطهم الشمس قبلة الحياة بعد.
خلال هذا المقال سنتعرف على حقيقة مستوى القدرات العقلية، المتوفرة عند المجموعة التي تدير بلدنا، فنحن بأغلبنا نفسّر سياسات الحكومة الأردنية باستخدام تفكير تآمري، يجعلنا نظنهم أذكياء جدًّا، لكنهم لا يريدون مصلحة الوطن، بينما قد نتفاجأ في نهاية المقال بأنهم ليسوا بهذا الذكاء، دون أن نعفيهم من اتهامهم في إرادتهم تجاه مصلحة الوطن والشعب.
انتشر قبل مدة من قرار رئيس الوزراء السابق شريطٌ فكاهي قصير، يوضح أصل فكرة تبديل التوقيت، ويقرر أنها لم تعد لازمة، وأن ملابسات هذا الاختراع قد فات عليها الزمن الذي يجعلها مفيدة، فهي لم تعد توفر الكهرباء في العصر الحديث، بل وعلى العكس تماما، هي تزيد من استهلاك الكهرباء، وهذا مثبت إحصائيا في ولاية إنديانا الأمريكية حسب ما يقول الشريط، ويعزو أيضا زيادة حوادث السير إلى تبديل التوقيت، أو نظام التوقيتين، وهذا الشريط من أصداء تبني كثير من الدول قرار العدول عن فكرة تبديل التوقيت، وتثبيت توقيت واحد.
يبدو أن الشريط، أو فكرته على الأقل، وصلت رئيس وزرائنا السابق متأخرا، ولأننا ضعاف تجاه أي فكرة غربية وإن كانت مجرد شريط فكاهي، أخذ القرار بتثبيت توقيت واحد، فظهرت مشاكل كبيرة، ارتفع استهلاك الكهرباء، وزادت حوادث الإجرام، وحوادث السير، واستحضر هذا غضبا شعبيا ما جعل المسئول يعيد النظر في قراره.
تتردد الأخبار، التي أتمنى أن تكون محض إشاعات، حول إعادة قرار تثبيت التوقيت الواحد بالطريقة ذاتها اليوم، ولأن الخلل الذي حدث يوشك على التكرار، دون أن تتناول صحافتنا الغراء الموضوع من وجهة نظر علمية وتاريخية سليمة، لا في المرة السابقة، ولا هذه المرة، ولذلك أجد نفسي ملزما بالكتابة عن هذا الموضوع.
حقائق حول تبديل التوقيت:
- الأردن تقع عاصمته عمّان تقريبا على خط الطول 35 شرقا، أي أن المسافة الزمنية بين عمّان وبلدة غرينيتش هي ساعتان، حسب التوقيت الأردني المعتمد، وهو فارق تقريبي، لأن كل خمسة عشر خط طول تمثل ساعة واحدة.
- توقيت غرينيتش هو “التوقيت الشتوي”، وإن لم يذكر هذا صراحة، فالتوقيت الصيفي هو الطارئ، وقد اعتمد أيام الحرب العالمية الأولى.
- تقوم فكرة التوقيت الصيفي، على توفير عدد أكبر من ساعات الضياء خلال النهار للناس، مما يوفر الاستهلاك اليومي للوقود صيفا، فالناس يستيقظون أبكر صيفا بعد تعديل الوقت، لتنتهي أعمالهم قبل الغروب، مما يستغل ساعات الضياء أكثر.
- البلدان التي تعتمد نظام التوقيت الواحد، بدل التوقيتين، جميعها بلا استثناء، تعتمد التوقيت الشتوي على طول السنة، وهو بالمناسبة لا يستحق تسمية خاصة، إذ إن التوقيت الطبيعي، هو التوقيت الشتوي.
- تبكير وقت الدوام للناس له آثار عدة على حيواتهم، فمثلا في بلادنا تصلي شريحة واسعة من الناس الفجر في الجوامع، ثم تمضي إلى أعمالها المبكرة، وهؤلاء يمرون في الشوارع قبل ساعات الازدحام، لكن استيقاظ الناس مبكرا، يجعل الشوارع تزدحم أبكر، ويزيد من كثافة الازدحام.
- الاستيقاظ المبكر جدا له أضرار سلبية على الطلبة، صحيا ونفسيا، كما تقول دراسة صادرة عن جامعة بتسبيرغ، نشرت في 2015، وكان لها دور في تبني دول عدة، نظام التوقيت الواحد، التوقيت الشتوي!
- التوقيت الذي ثبّت في الأردن سابقا هو التوقيت الصيفي، وليس التوقيت الطبيعي، أي التوقيت الشتوي، أي أن الحكومة قامت بتثبيت توفير ساعات الضياء نهارا، في الشتاء حيث هذه الساعات معتمة لا ضياء فيها.
- التوقيت الذي يراد تثبيته حسب الإشاعات المنتشرة أيضا هو التوقيت الصيفي، أي أن الحكومة مقتنعة أن الأردن تقع على خط طول 45 شرقا، وليس 30!
- أصحاب مهن عديدة في الأردن، تعتمد مهنهم على ضوء النهار، يغادرون إلى بيوتهم عند غياب الشمس، وهؤلاء لا يهتمون للتوقيت، ولذلك فالشوارع ستبقى مزدحمة حتى ساعات متأخرة، ولن يفيد تثبيت التوقيت الأردنيين، في تقليل استهلاك الطاقة، لاسيما وأن التوقيت المثبت هو التوقيت الصيفي.
- الشعب الأردني غاضب من توقيع اتفاقيات استيراد الغاز من العدو الصهيوني، ويحاول توفير الطاقة، وقد احتج مرات عدة بإطفاء الأضواء، وتنزيل القواطع، وجعله يستهلك مزيدا من الكهرباء لن يعود بخير على أحد غير العدو.
- أسعار الكهرباء في الأردن لم تزل مدعومة بدرجة ما، حتى بعد خصخصة قطاع الكهرباء، ولم تزل تكلفة زيادة الاستهلاك تقع على عاتق ميزانية الدولة، التي تدفع فارق السعر للشركة الخاصة، وأي زيادة ستكون ذات تكلفة كبيرة على الميزانية.
صدق أولا تصدق، عزيزي القارئ أن النقاش احتدم في الأردن حول تثبيت التوقيت، ولم تنشر أي صحيفة أي خبر أو مقالة تتناول الموضوع من هذه الزاوية، وقد بحثت في ما كتبه الناشطون أيضا، فلم أر ذكرا للحقائق التي أشاركك إياها، فتخيّل حقيقة حالنا، أو ببساطة تلفت حولك جيدا، واجزع، فالأمر يستأهل الجزع.
فهل من يديرون بلادنا بالذكاء الذي كنت تتوقع! نحن نتحدث هنا عن حملة شهادات دكتوراه، وأشخاص شغلوا مناصب عالية من قبل، ومعارضة تتسقط أخطاءهم، وفيها ما فيها من أهل “الخبرات”، كل هذا الخطل والحماقة في إدارة أمر ثانوي كتبديل التوقيت، يستدعي أن تفكر في قرارات أكبر من هذا، وكيف أخذت، ماذا عن وادي عربة، وفك الارتباط، ودخول التحالفات، والخروج منها، ومهادنة الإسلامويين ومناكفتهم، والخصخصة وغيرها من القرارات؟
تذكر قبل أن تعيب على غيرك جهله، أن تتخلص من جهلك أولا.