دود الفردوس

أحلامك هي عجلة الركض لهامستر عقلك المحجوز في قفص النوم، تحلم كي لا تصحو فتجد دماغك يعاني من السمنة أو الضمور، فالواقع لا يكفي ليستغل جميع قدراتك الذهنية، في النوم تبني عالما أكثر تحديا من هذا الواقع الممل، يكون عقلك نشطا لدرجة أنه قد يبصر العيوب في العالم الذي بناه هو، هذا إذا واظبت على تمرينه في اليقظة المملة، حتى تستطيع تجاوز ذاتك، هكذا بسبب هذا الاختلال الذي أبصرته في عالم النوم تبدأ بكشف لعبة الحلم، وحتى يعتاد عالمك على حقيقة أنك بدأت تعرف زيفه، سيبقى شَموصا يفرُّ كلما خاف من مواجهتك، لهذا تفاجئك عيناك فتفتح قبل أن تعود للوعي بواقعك، لكن يوما ما، يوما ما، سيعتاد ويستأنس كأنه خيول البرية كلها جمعت لك في فرس جامحة بحذوة وسرج، لكن دون رسن!

في الألعاب الحاسوبية ثمة حدود لعالم اللعبة، مضمار سباق السيارات _مثلا_ محدود بالرصيف، كل شيء بعد هذا الرصيف هو صورة ثنائية البعد، أي أنها أدنى من العالم الثلاثي الأبعاد الذي تسير فيه سيارتك، ثمة ألعاب لا تمنعك من تجاوز حدود عالمها، فإذا فعلت فأنت أمام خيارات وضعها المبرمج: أن تخرج من اللعبة خاسرا، أو يكرر لك نمطا لن ترى غيره حتى تعود لحدود اللعبة، أو يعيدك مجبرا إليها. لكن إذا نسي المبرمج ولم تكن اللعبة كاملة، فأنت ستلاحظ عالم اللعبة وهو مضطرب بشكل ملفت، قد تتكسر الصورة، فتظهر فيها مربعات غريبة أو تتفكك الأجسام ثلاثية الأبعاد إلى أسطح عديمة العمق، شيء من هذا القبيل هو الذي كان يحدث في حلمك، خلل في اتساق شروط العالم، واتصال الوجود لعناصره، شيء من هذا القبيل سرديا أو بصريا أو شعوريا يدلك على أن وعيك سبق لاوعيك ووقف على حدود العالم الذي رسمه لك.

لكن ماذا عن واقعنا! أقصد عالم اليقظة، لو كان لعبة، فنحن قد بلغنا حدودها ونحن نلاحظ الأنماط التي يكررها مبرمج هذه اللعبة، بل إنني كنت صغيرا أعد “معضلة” مثلث برمودا تفسخا في هذا العالم بعد أن تجاوزنا حدوده، حتى أنني أتخيل أحيانا أن رحلات البحرية التي أثبتت كروية الأرض بشكل ملموس، بدت لأول وهلة كتجاوز لحدود العالم، احتال عليه المبرمج بتكوير الأرض فجأة، ومنذ ذلك الحين بدأ المستوى الآخر من اللعبة!

الضوء، المرآة، الموت، الولادة، الصوت وتأخره عن الصورة قليلا، السماء، البحر، كل هذه الأشياء وغيرها لا أعرف كيف أصبحت عادية عند الناس! أحسها أحداثا تستدعي استحضار نموذج الحلم، أو اللعبة الحاسوبية، أحسها تحديثات للعبة اعتدنا على حالتها قبل التحديث، وفوجئت أنا بها! فكرة الكون اللامتناهي الحجم ألا تبدو لوهلة على أنها حيلة المبرمج لكي نعود لحدود اللعبة، ثم كيف بدأت هذه اللعبة أساسا! تفاحة قضمها جدنا كما تقول الرواية الغيبية، تسببت بنزولنا هنا! ولو بقيت على الشجرة لأكلها دود الجنة! لعلك بدأت تشعر أن ثمة اضطراب في عالم هذه المقالة، وأننا تجاوزنا حدود عالمها؟ نعم نعم … سأتوقف وستعود للواقع الممل.