كشّاف العيوب في مقالة طهبوب

قرأت على موقع صحيفة السبيل “الإخوانية” نصًّا، لنائب الكوتا النسائية عن التحالف “الإخواني”، د. ديمة طهبوب، بعنوان “اطلبوا الدين من مناهج فنلندا“، تحاول فيه استغلال بعض الوقائع المنقوصة بطريقة ملتوية، لتدعم طرح المعترضين على تغيير الكتاب المدرسيّ 2016، في الأردن، فرأيت أن فيه مثالًا جيّدا على إفرازات الذهنية الإسلاموية، لذلك قررت إعطاء ملخص عن هذه الذهنية بوساطة تشريح هذا المقال.

قبل أن نبدأ، أريد أن أؤكد أن ما أعيبه على هذا المقال، بعضُه حاضرٌ في ما هو وراء المنصب الذي تشغله د.ديمة طهبوب نفسها، فالتيار الإسلامويّ الذي يقف حجر عثرة في طريق تحرير المرأة، يطيب له قانون كقانون الكوتا، الذي يوصل مثيلات طهبوب إلى المجلس، فيتصرفن بعكس المطلوب من وجود هكذا قانون، وكذا كل قانون أو فكرة لا تتعرض لهم صراحة، فالإسلامويّون زئبقيون لدرجة أن يوظّفوا ما يظنّه الليبرالي نقيضًا لهم، في صالحهم، وهذا عدا عن كونه توصيفا للإسلامويين، فهو تخطيء للّيبراليّين بالدرجة الأولى.

القضية التي يدور عنها الحديث، وهي التعديلات الجديدة على الكتب المدرسية، يجدر تلخيصها بصورة محايدة قبل بدء نقاش كلامها، حتى نكون على بيّنة من أمرنا، ونقيم كلامنا على أرضية واضحة التضاريس:

  1. تعديل “المناهج” _أضعها بين مزدوجين لأن المناهج لم تعدّل والذي عُدّل هو الكتاب المدرسيّ_ لم يقم بشطب الآيات، ولا دعاء دخول الحمام، ولكنه _كما يحدث دائما_ استبدل بعض الأمثلة بأخرى، وذكر الأدعية في أماكن أخرى، وذكر آيات آخرى في مواضع أخرى من الكتاب.
  2. التربية الإسلامية والتربية المسيحية كانتا تدرسان من قبل، وما زالتا تدرسان اليوم، والتعديلات كانت تخففا من الحمولة الإسلامية في بعض الكتب المدرسية الأخرى، وتوظيفها بصورة لم تزل كبيرة ومبالغا فيها.
  3. الهجمة المسعورة على التعديلات كانت مليئة بالأكاذيب، وهنا لا أتحدث عن تحريف أو اجتزاء، فأكثر ما حصل على تداول ومشاركات هو الأكاذيب المحضة، التي لم توجد في كتبنا أبدًا.
  4. التعديلات التي تنبع من التطبيع مع العدو الصهيوني، حدثت من قبل، ولم نسمع عنها ضجة تذكر، ولم تكتب عنه طهبوب أو غيرها من التيار الإسلامويّ، فيما أعلم، حرفًا واحدا.
  5. التعديلات التي أغضبت قادة الإسلامويين هي مجرّد مراعاة للحقيقة، وتخفّف من حشر الإسلام في كل شيء، لأنهم استنتجوا منها، أنهم على المدى الطويل سيخسرون أهم رافد لهم بالتعاطف الشعبيّ والأعضاء الجدد، وهو المدرسة.
  6. المؤيدون للتعديلات منقسمون بين من يؤيدها لأن الإسلامويين يعارضونها، ومن يؤيدها لأنها بالفعل لها أثر تربوي جيد وحقيقي، لو نزع عنها سياق تأثيرها الذي حصل، والذي أدى لتكشير المتطرفين عن أنيابهم، وكسبهم للناس من خلال الكذب، وبين من يؤيدها لأنّه يعارض أن تعود للوراء خطوة، بينما يطالب بتغيير جذري للكتاب المدرسي، ليوافق المناهج الجيدة التي لم تتغير بالمناسبة.

الآن لنبدأ مع ما تظنّه النائب طهبوب مقالة، تردّ فيها على من يدعون لاستبعاد الدين من المدارس، وأنا في الحقيقة لم أرَ هذا من أحد البارزين من مؤيدي التعديلات، ولا من التعديلات نفسها، ونبدأ تحديدا مما أراه منطلقات مغلوطة انطلقت منها المقالة، وبدل أن أورد المنطلقات سأورد الردود عليها محمّلة بها:

  • إنّ المؤيدين لتعديل المناهج لم ينادوا بإلغاء تعليم التربية الدينية، وهي في كل ما تقول توهم أن خصمها يقول بذلك، وهذه مغالطة منطقية معروفة اسمها “رجل القش”، إذ يقوم المغالط بالرد على حجة أخرى لم يقلها خصمه، تشبه تمثالا من القش للخصم يحرقه المغالط، فيظنّ أنه انتصر على خصمه.
  • إنّ ما يجعل فنلندا متفوّقة في مخرجات التعليم، حسب العيارات الدولية، هو شيء آخر تماما، غير أنّها اختارت أن تجعل تعليم التربية الدينية إلزاميّا، وهي توهم بذلك، وتتوهّم أيضا أن التعليم متراجع في بريطانيا وفرنسا بسبب انتهاجهم نهجا مخالفا، حول تعليم التربية الدينية!
  • إنّ التربية الدينيّة التي تدرّس في فنلندا لا تشبه بشيء، التعليم الدينيّ الذي تنادي به طهبوب، وهما أمران مختلفان تماما، لا يمتّان لبعضهما في الواقع بأي صلة، وهي توهم القارئ أنهما الشيء نفسه.
  • إنّ لكل شعب وثقافة صورته المثلى، وصورة التعليم الأمثل لأبنائه، وكل شعب يكتشف طريقه إليهما بنفسه مسترشدا بتجارب الآخرين، وليس كما تتوهم طهبوب أننا يجب علينا أن نستنسخ صورتها المعيبة عن التعليم في فنلندا، وهي غير مطابقة للواقع إطلاقا.

 

الآن بات لزاما علينا أن ننقد، وربما ننقض، ما تقول به طهبوب، نقطة بنقطة، ونبيّن للناس أنها تحدثت في غير فنّها فأتت بالعجائب، كما يقول المثل:

التناصّ في العنوان مضروب منطقيا، وغير صالح، هي قصدت أن تقيم تناصًّا مع المروية الحديثية الخلافيّة: (اطلبوا العلم ولو في الصين)، وكانت تقصد أن نطلب التعليم من فنلندا، وليس الدين، عموما، هذا عيب فصاحة وليس عيب طرح، ولذلك لن نطيل الأمر في بيان عدم صلاحيته.

“الفيلم القصير”، الذي تشير له طهبوب، ليس فيلما قصيرا، وإنما مقطع من فيلم وثائقي طويل، اسمه (أين نغزو لاحقا)، يقول فيه مايكل مور، الليبرالي الأمريكي: سأغزو البلاد بجيش من رجل واحد، وأجلب للأمريكيين ما ينفعهم، أكثر من النفط. ثم يزور بلدانًا عدة، من بينها تونس العربية، ليقنع المحافظين من الأمريكيين أن يتبنوا تشريع الإجهاض، وفنلندا ليقنعهم بتطوير العملية التعليمية، إلخ… لكنه ليس فيلما قصيرا أبدا، وما يحمله من أفكار قد يصيب طهبوب بالجلطة من توّها ولحظتها، فتخيّل درجة اطلاع نائبنا التي تريد أن تنظّر علينا في التربية!

لم تكن فنلندا في أدنى السلّم العياري من جهة نتاجات التعليم، كانت قرب أمريكا، وكلاهما كانا يحصلان على ترتيب قريب من 25 على العالم، فهي لم تنتقل من ذروة الفشل إلى ذروة النجاح، كما فهمت النائب طهبوب، من المقطع الذي شاهدته من الفيلم، فانتقالها كان من الحالة المتوسطة العليا إلى المتفوقة.

الذي تترجمه طهبوب خطأ على أنه “تعليم ديني”، بسبب لبس في فهمها للتركيب الإنجليزي، ليس تعليما دينيا، أو تربية دينية، ويمكن أن نسميه حال إدراكه بالتثقيف الديني، ولا يقوم به كهنة أو قساوسة أو شيوخ، بل أناس من المجتمع المحلّي، وهدفه ليس إنتاج أفراد متدينين أو محافظين على ديانتهم، وإنما تعريفهم بالأديان عموما، مع التركيز على الدين الذي يختارون _وهو ليس بالضرورة الدين الذي يولدون عليه بالوراثة_ والتوصل لقبول الآخر، وليس إلى إلغائه، كما يتجاهل الكتاب المدرسي الأردني الذي يطالب تيارها بالعودة له، أي وجود آخر لغير “المسلمين” في الأردن.

الدهشة التي تتملك طهبوب من أن دولة عَلمانية تختار أن تعلّم الأديان، تشي بأنّها على جهل تام بمعنى العَلمانية، والتي ليست نقيض الدين إلا عندها هي وتيارها، بل هي حسبانُ الموجودات في عالم الأعلام المشاهد المحسوس عند تقرير السياسات، وليس الاعتقادات الغيبية، وغالبية الدول العَلمانية تعلّم الأديان في مدارسها، ولا تصل مرتبة قريبة من مرتبة فنلندا.

تتجاهل طهبوب الكلام الذي تورده كمرجع، القائل: إن للطلاب حرية اختيار مادة الأخلاق العَلمانية. وتدلّس بذكرها على أنها “أخلاقيات” فقط، وهذا مؤشر واضح على إلغاء الآخر، الذي تنتهجه طهبوب، فهي تسقطه من الترجمة، التي شغلت حيزا كبيرا من مقالة نسبتها لنفسها، دون أن تقتبسه، ما يؤشر على أخلاقيات الأمانة العلمية المتدنية حتى عند الصحيفة التي نشرت لها.

تتساءل طهبوب عن الذي يدفع فنلندا إلى هذا، بعد أن أوردته، وهو الالتزام بالمواثيق الدولية، ثم تخلص إلى أنه لابدّ أن يكون شيئا آخر، مناقضةً نفسها، وتدّعي أن ذلك بسبب “قناعة هذه الدول بأن القاعدة الأخلاقية للمواطنة الملتزمة والمنتجة لا يمكن أن تتشكل إلا به”، مع أن فنلندا، كما ذكرنا من قبل، تسمح بتعليم الأخلاق العَلمانية!

تدّعي طهبوب أن سردها هذا يضع مخالفيها في مأزق، ويبطل ما “ادّعوه” من تطوير وتنوير، طبعا هذا عندها، وعند من لا يبصر العيوب المنطقية، والتدليس في كلامها، أو ربما يكون مجرّد فهم خاطئ تصدقه هي، لكنه بالتأكيد ليس حقا، حتى يكون له أي أثر على أحد غير الذي اعتقد بصدقه.

تتابع بأنها وجماعتَها، كانت لتقبل أن نسير على خطى الدول المتقدمة بانتقائية تفرضها هي، بتبني كذا وكذا، وتُحمّل لغتها شحنة سلبية وادعاءات هامشية، كلها باطل، تقول: إن ما حدث كان مسخا للدين، واللغة، وسببه هو رؤية الدين على انه تخلف ورجعية. ولاحظوا أنها عندما تقول الدين، فهي تقصد الإسلام، بل والنسخة الإخوانية منه، وهذا تعبير لا واعٍ عن إلغائها لغيرها، ناهيكم أنه حتى لو سلّمنا بهذا فهو بعيد عن الصحة.

تلفتني جملة فريدة أتت بها النائب طهبوب، جعلتني أدور في مكاني من الدهشة، فهي تقول: “ما حصل خبط عشواء لفكر ومنهجية ترى في الدين تخلفا ورجعية” لاحظوا معي هنا “خبط عشواء” و”منهجية”، هل يقرن عاقل هاتين الصفتين بالشيء نفسه، العشوائية ضد المنهجية تماما!

تقع طهبوب في مغالطات كثيرة، ومن بينها ذكرها للأندلس، على أنها القدوة الأولى، ثم ذكر أن المدارس كانت تضع على مداخلها عبارة كيت وكيت، وهذا كله حديث مقاهٍ ومضافات، لكن المغالطة الأكبر هنا أنّ وجود حضارة معتبرة في الأندلس، لا يعني أبدًا أن كل شيء حدث فيها قدوة، ولا يعني على الإطلاق النتيجة التي خلصت إليها طهبوب من ذلك، وهو أن أي منهج لا يراعي عدّة أشياء من بينها الدين، سينتج أفرادا أميين بالإنسانية، ثم تقول: إننا ما نسينا هيروشيما ونغازاكي! مع أنّ هاتين القنبلتين ألقتهما دولة متديّنة جدًّا، يطالب مايكل مور، صاحب الفيلم الطويل، الذي أشارت له، سياسييها بالتوقف عن استغباء الناس باسم الله!

تورد طهبوب مقولة لديورانت في قصة الحضارة، على أنها اعتراف من الغرب بأهمية الدين في بناء الحضارة، وأنه أول ما تبنى به، ثم يأتي بعده النظام، والمقولة بعيدة عن هذا المعنى، فالأولوية هنا هي أسبقية تاريخية، وليس معناها أن الدين فوق القانون، وإلا فالمقولة يمكن ردّها بالاستشهاد بكل هذه الدول العَلمانية التي تضع القانون فوق التديّن!

ثم تورد تعريفا تدّعي أنه للتعليم، ثم يتضح أنه للتربية، مأخوذا من دائرة المعارف البريطانية، Encyclopædia Britannica، بأنها “الجهد الذي يقوم به آباء شعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة، إن وظيفة المدرسة أن تمنح للقوى الروحية فرصة التأثير في التلميذ”، وهذا الكلام بهذه الترجمة مردود، فهو قد يكون أتى على سبيل توصيف الحاصل، وهذه وظيفة الموسوعة أصلا، وأنا على يقين من أن فهمها للقوى الروحية بأنها المؤسسة الدينية، فهم مغلوط.

أخيرا تختم مقالها بأن تقول: إن علينا أن نترك للأجيال القادمة فرصة اكتشاف طريقها، دون المساس بلغتهم ودينهم وتاريخهم ومستقبلهم. وهي تقصد دينها هي طبعا، أي النسخة الإخوانية التي فرضها إسحق الفرحان، علما بأن الأردن فيها أطياف إسلامية بعيدة عن هذا، وفيها أيضا أديان أخرى، وفيها من لا يرى الدين هويته، وسأعود لموضوع اللغة في فقرة قادمة.

هكذا نكون قد أنهينا سرد العيوب في مقالة طهبوب، وكان سردا على الترتيب، لكن ثمة عيوب منهجية، أخرى، هي أكبر من مغالطة هنا، وتدليس هناك، وسوء فهم بينهما، وهي عيوب تختص بالمقالة ككل:

  • الأخطاء اللغوية، والنحوية، والإملائية، وأخطاء الترجمة في مقالة شخص يحمل درجة الدكتوراة، تشكك في نوعية التعليم الذي تلقته طهبوب، فهي تهمل الهمزات، ولا تراعي علامات الترقيم، وغيرها من مشاكل في لغتها تتعب من يريد أن يقتبس منها، ناهيك عن نوعية قسم التحرير في الصحيفة التي نشرت مقالها، فلماذا يصرّ “الإخوان المسلمون” على أنهم سدنة اللغة والدين، مع أن قادتهم ورموزهم لا يتقنون الإملاء، وماذا عن مؤسستهم الإعلامية!
  • الاجتزاء كان حاضرا على طول المقالة، فضلا عن كونه حاضرا في جزئياتها كما توضّح، فهي لم تراع كامل الظروف في فنلندا، ولا في أي من الأمثلة التي ضربتها، فتلك الدولة تبيح تبديل الإنسان لدينه، أو التخلي عنه لصالح الإلحاد، وما يدور في المدرسة هو نقاش عقلانيّ عن الأديان، قد يؤدي بالتحوّل من ديانة إلى أخرى، وبالآتي من مبحث ديني إلى آخر.
  • لا يحفّظ الأطفال الفنلنديون، أو من يدرس في مدارس فنلندا، الآيات ولا الأحاديث، ولا يطالب بالبصم، ولا بأي مما تطالب هي وجماعتها به.
  • المقارنة فاسدة من طرف تناول التعديلات، فالتعديلات كانت على كتب اللغة والعلوم، ولم تصل لدرجة استبعاد الآيات، ولكن مع التسليم بالفرض الساقط، بأنها استبعاد للدين، فهي تخفف من الأمثلة الإسلامية في كتب لا تختص بديانة محددة، كالعلوم واللغة، وهي عقدت المقارنة مع وجود التعليم الدينيّ نفسه، والذي لم يلغه أحد هنا.
  • المقارنة فاسدة من طرف أن الطائفة اللوثرية، التي تشكل أغلبية في فنلندا، عندها نسخة واقعية من المسيحية، تُعلي من شأن إتقان الصنعة، ولا تشترط الممارسات الطقسية، بينما نحن عندنا إسلام سلفيّ، غارق في الماضوية، بعيد عن العقلانية، فلو كان المذهب المعتزلي هو السائد لما كانت مشاكلنا معه، هي المشاكل ذاتها التي نعانيها مع الإسلامويين.
  • المقارنة فاسدة من طرف أن التعليم في فنلندا لم يكن يشكو من المعلم الهزيل، الذي أنتجته الحقبة التعليمية الإخوانية، بل كان تعليما جيدا في الأصل وارتفع على سلّم الجودة، فنحن نعاني من ندرة في المعلمين القادرين على إدارة حوار مسالم حول الأديان.

وبعد كل هذا الخلط، وإساءة الفهم، والتدليس على العوام، والأخطاء المنطقية واللغوية، والمغالطات المتعمّدة، الصادرة كلها من نائب في البرلمان، تحمل شهادة الدكتوراة، اشتهرت بسبب عاطفي متعلّق بزوجها المتوفّى، الذي كان يعمل في قناة لا يخفى على أحد تأييدها للحركات الإسلامية المتطرفة، وكتبت عدة مرات ما يريد الجمهور الإسلامويّ سماعه، انتصارا لدكتور إسلامويّ آخر هو قورشة، المبالغ في خطابه المتطرف، والذي لا يجيد اللغة ولا المنطق أكثر منها، وبعد كل ما نراه من سوء منتجات التعليم الذي جاء بهؤلاء كأساتذة، ما زلنا نشكك أن التعليم بحاجة لتطوير، ولأن المشككين جبناء، لا يريدون التصريح بأسباب حربهم على الكتاب المدرسي الجديد، الذي لم يزل مبالغا في إسلاميته، إن صح أن للعلم دين، فهل نأمن هؤلاء على عقول طلبتنا!

التعليم في الأردن كان سيئا لدرجة أن إلغاءه أفضل من الاستمرار به، وكان يلغي “الآخر”، ويجبره على دراسة كتب لا تعترف بوجوده، وعندما همّ أحدهم بالمناداة بالتخفف من الحمولة الدينية في تدريس علوم أخرى غير الدين، مع بقاء الدين في المقررات، وحدث بعض التغيير المنادى به، انطلق الكذب “الإسلامويّ”، وانطلقت الافتراءات، لتخيّل للشارع أن الدولة على حرب مع دينه، ثمّ أخرجت بعض أسوأ رموزها المنخرطين في التطبيع لتدافع عن التعديلات، ليجد الإسلامويّون ماءً عكرًا ليصطادوا فيه، مع أنّ المنادين بالتغيير الجذري الذي لم يحصل، هم وطنيّون شرفاء، يحملون همّ أمتهم العربية، ويغارون على كل مكوناتها، وفي مقدّمتها الإسلام.

التلاعب بالناس ليس حاصلا من طرف طهبوب في هذه المقالة حسب، بل ومن طرف الإسلامويين عموما، ومن طرف الدولة التي استعجلت التعديل فاقتصر على جملة هنا وكلمة هناك، وصورة المرأة، وتكريس التنوّع الأردنيّ، وهي أمور على أهميتها، لم تزل سطحية أمام التطوير الذي نطالب به، والذي قد نحرج طهبوب بقولنا عنه: إننا نمرر كل مغالطاتك، ونقبل استيراد النموذج الفنلندي، الذي صدعت رؤوسنا به، بشرط أن نستورده كله، ونراهنك أنك لن تقبلي بذلك لا أنت ولا من هم وراءك، لأنكم تعلمون أنه يحدّ من ذخيرتكم في تطرف الغوغاء في مجتمعنا.