خرافات إسلامية 3

نسرد في هذه السلسلة مجموعة معتقدات خرافية، التصقت بالإسلام زورا، نحاول أن نفهم سبب وجودها، وننظر الأسباب التي تدعونا لرفضها، وهي ترد دون ترتيب محدد، واعذروا قسوة لغتي في تناولها، ولكنها محض حماقات يجب طردها من العقول لكي تعود عقولا.

هذا هو الجزء الثالث من المقال، راجع الأرشيف لبقية الأجزاء.

11
“الميت يسمع الدعاء له”
“تلقين الميت”
“دعاء الميت”

كيف يقول الإسلام بها، والقرآن يقول “وما أنت بمسمع من في القبور”؟ فهو كذب لا صحة له، الميت مات ولا يرجع، ولا يسمع لا خطوات الناس، ولا الصلاة عليه، ولا الدعاء له، وتلقينه قد يكون بسبب تذكر الأحياء للموت، لكنه لا معنى له عند الميت إطلاقا!

أما تناول بداية الآية لتجعل الله مسمعا للموتى، وساعيَ بريد بيننا وبينهم، فهو هراء محض، التفّ به الذين يتخذون من المقابر بابا للرزق، على القرآن، فهم قالوا إن أول الآية “والله يسمع من يشاء” يدل على إمكانية إسماعهم، والكلام هنا ضرب لمثل، يقول فيه القرآن : إن الذين يعملون عقولهم أحياء، يمكنك إسماعهم، أما الذين أغلقوا عقولهم، فلا سمع لهم، وهم كالموتى لا يسمعون، والله يُسمع من يشاء. والكلام في إسماع الله من يشاء متعلق بالأحياء بيولوجيا، الذين يشاؤون السماع، والمثل مضروب لأحياء عقولهم جامدة، بأنهم كالموتى، وهو شيء معروف أن الميت لا يسمع.

وهكذا فتلقين الميت إن أراد المسلم أن يفعله، فهو تذكير له، وتذكير لسائر الأحياء ممن يحضرون الموت، وليس للميت نفسه، وإلا فنحن نكذب القرآن صراحة، ويا ليتهم يكذبون القرآن في انطباق المثل أو في فهمه، هم يكذبون المثل ذاته، والمثل صريح يقول بعدم سماع الميت لأي شيء.

ولحق هذه الخرافة، أن الناس تقف عند قبر الميت، لاسيما إن كان من الصالحين، لتدعو وتشكو، فأنكر عليهم السلفية فعلتهم، واتهمومهم بالشرك، وهو كان في الأصل نداء يذكر فيه اسم الميت كما ينتخى باسم الغائب ليستعيد الحاضر مأثرته، فقول الشيعة “يا حسين” وقول المتصوفة “يا فلان” من الصالحين، هو استعادة لمأثرته لتحضّهم على العمل، وليس في هذا شرك، والكلام بالتأكيد معلق بالنوايا.

اعتقادك بهذه الخرافة، يجعل القرآن كاذبا، وغير فصيح إذ يضرب مثلا هو في ذاته غير صحيح، ويجعل الله ساعيَ بريد، يوصل رسائلك للميت، ويجعل نداء أهل القبور والاستغاثة بهم، هم أنفسهم، لا بحظوة أسمائهم عند الله، عملا مبررا ومنطقيا! فما هذا التناقض العجيب!

12
“الأعمال بالنيات”
” يؤاخذ الإنسان بنيّته لا بعمله”

لن أقول إن هذه خرافة كاملة، ولكن الفهم العام لها مغلوط، ومناقض للقرآن صراحة، وبعيد عن العقل والواقع، وما يفهمه الناس من المروية كذب، لا يقتنع به سوى أحمق.

الأثر المروي من طريق واحدة رغم أنه كان في خطاب موجه لمشهد عظيم، حضره مجموعة من المهاجرين، يقول “إنما الأعمال بالنيات” ويكمل بيحصر الأمثلة بالعمل الصالح، ويفسر أنه لا يقبل ما دامت النية وراءه ليست بصلاحه “فمن كانت هجرته …. فهجرته إلى ما هاجر إليه”.

الآن يكفي لتكذيب الخبر حسب منهج المحدثين، أن الخبر ورد من طريق واحد مع أن الحديث حصل في مشهد جماعي، لكن تكذيبه ليس شرطا لدحض التصور الشائع عن علاقة العمل بالنية، فثمة أمران مهمان في هذا:

أولا، أنه لم يتحدث عن العمل الطالح، في الشرح، أي أنه قصد “إنما الأعمال الصالحات بالنية التي وراءها” فإن قمت بعمل صالح، وهو الصدقة، ونيتك من ورائه التباهي فقد أفسدته.

ثانيا، أن القرآن يقول صراحة: إن المسألة ليست بالنوايا من أمنيات مهما كانت ديانتك، فمن يعمل سوء يجز به (ليس بأمانيّكم ….) والآية معروفة.

فهذا يبطل الاعتقاد الشائع أن الإنسان يؤاخذ حسب نيته، فهو يجب عليه استبعاد الأعمال الطالحة والمضرة عقلا، حتى لو ظن أن من ورائها خيرا، فمن يقتل الناس ليدخل سواهم في الدين مجرم، لأنه قتل، ومن يدخل داعش وغيرها ولو كان جاهلا غيورا، لم يتحقق من قوامية خياره، وكان وراء انضمامه نية صالحة، مجرم لأنه قام بعمل سيء بحد ذاته، وهو فوق ذلك مؤاخذ بجهله.

الخرافة نشأت وبقيت بسبب البغي المتكرر، وعدم رغبة المسلمين في التحدث بمصير الناس، ولكن هذا يجب ألا يمنع التعلم من دروس الماضي، فالصحابي رضي الله عنه الذي قتل الصحابي رضي الله عنه، أجبرهم على الهرب من مواجهة أن واحدا منهم على الأقل مخطئ، وما دمنا لا نتعلم من خطئ غيرنا فهذا هو الحمق بعينه.

اعتناقك لهذه الخرافة يعني أن تبرر للمغتصب فعلته، صدقني، فإنه لا إنسان على الأرض يقوم بعمل إلا ويقصد منه خيرا ما، المشكلة في تحديد الخير، وفي تحديد العمل الموصل له، والأعمال بنتائجها وخواتيمها لا بالنيات والبدايات، أما الذي يفعل خيرا وهو ينوي شيئا غيره فهذا مما يقول الحديث غير الثابت، إنه غير مأجور.

ثم لماذا يحاسبنا الله على الأعمال إذا، فليتدارك صاحب النية السيئة وليلقه في الجحيم بنيته، فالإنسان وصل لتقنية المحاكاة، أم أننا متطورون أكثر من الله!

13
“رؤية الرسول في المنام حق”
“من رآني فقد رآني”

كذب لم يقله الرسول، ولا يصح أن يقوله، وأصل الاعتقاد بهذه الخرافة مروية من المريات تقول إن رسول الله قال: “من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل بي”، ثم زاد عليها الناس أن ما يخبرهم به حلمهم على لسان الرسول في المنام حق وصدق.

هذه الخرافة فتحت أبواب الكذب على مصراعيها، فجعل كل كذاب يريد تسويق فكرة ما، يقول رأيت الرسول في المنام وقال لي، ويضع ما يشاء، فانفتح باب خلق مرويات جديدة، من أكاذيب عن أحلام صاغتها أوهام الناس وأهواؤهم.

والمروية تحمل في طياتها اعتقادا خرافيّا يقول: إن الأحلام إما أن تكون وحيا من الله، أو توهيما من الشيطان. وهذا افتراء عجيب.

ثمة عيوب في المروية، وفي الصورة التي يتعامل بها الناس معها، فهل يعرفون صورة الرسول وهيئته حقّا؟ حتى يكون هذا هو الرسول! يعني لو عرضنا عليهم صورا لرجال يشتركون في الصفات المشهورة عن الرسول، وأريناها لهم، فلم يكن بينهم رجل طويل أشقر، ولا رجل صيني، بل كانوا كلهم مربوعين مشربين بحمرة… إلخ، فهل يستطيع أحد تحديد أي واحد من هؤلاء هو الرسول؟ لا!

ثم إن الإنسان منا يرى الله في حلمه، وهذا مما يعالج به الوعي مدركات العقل، فهل يتجرأ “الشيطان” على الله، ولا يتجرأ على محمد!

ثم إننا عالجنا من قبل فكرة أن الشيطان هو حالة وعرض يطرأ على الإنسان، وهو مغالاته وشططه وشطحه، فلماذا يظهره الحديث على أنه كائن منفصل يزورنا ليلا!

ثم إذا سلمنا جدلا بأن الشيطان من جنيّ، فكيف نراه بصورة فلان وفلان ما عدا الرسول، والقرآن يقول إننا لا نراه هو وقبيله!

لأجل كل هذا فالاعتقاد بهذه الخرافة، يفتح الباب للكذب الذي تكرر على الناس كثيرا، من رؤيا حامل مفتاح الكعبة (لاحظوا إكسابه صفة قدسية عجيبة!)، ويفتح الباب لكل من يتوهّم أمرا ويطلبه هواه أن يرى الرسول في الحلم يقول له افعل كذا ولا تفعل كذا، وهكذا نصبح كلنا أنبياء! وفوق هذا كله فهو اعتقاد يتصادم ضمنيا مع صريح القرآن ويكذبه. ولا ننسى البديهية الأساسية وهي أن الرسول كما تقول المروية كان يتحدث مع أشخاص يعرفونه! أما نحن فلا نعرفه. فكفى غباءً!

14
“القرآن نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا”

وهذه من التلفيقات لتصديق آيتين يبدوا بينهما تعارض لغير المتقن للعربية، إذ أشكل عليهم قوله “إنا أنزلناه في ليلة القدر” وكيف يضمونه لقوله ” لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة….” فاخترع الملفقون مسألة نزوله للسماء الدنيا قبيل تنزيله منجما على فؤاد النبي.

وكأن السماء فيها مصحف، كان يذهب جبريل فيقرأ منه ثم يعود فيوحي لمحمد، فانظر لهذه الصورة السخيفة!

المسألة محلولة، ولكنها تضعهم أمام أن القرآن خطاب بلاغي يفهم من السياق وهم يريدونه “عضين”، حسب اللفظ القرآني، والعضون هي الأعضاء المتفرقة، التي يقوم كل منها بذاته في معناه، ولا يحتاج سياقا لغويا ولا واقعيا.

حلها أن بداية التنزيل كانت في ليلة اسمها ليلة القدر، وانتهى، أما لماذا لم يصرح بذلك اللفظ القرآني، فهو لا يشرح بالتفصيل، فيورد قصة موسى مثلا، أكثر من مرة، وفي كل مرة بصياغة مختلفة، فهل يكذب في أحدها؟ الفكرة أنه يريد أيصال فكرة مختلفة كل مرة، فيستعمل صياغة مختلفة! ولهذا فهو ككل قول، يفهم من سياقه.

وخطورة هذه الخرافة غير ظاهرة لعين الإنسان البسيط، فهي تكمن في الاعتقاد بأن القرآن قد تقرر ما فيه مسبقا على أحداث السيرة، مع أنه يتطرق لها، وبهذا فهي تكرس للجبرية والاعتقاد بالقدر المسبق الصياغة، وأننا نمثل نصا مسرحيا كتبه الله، وقد دحضنا هذه الخرافة من قبل.

الاعتقاد بهذه الخرافة، يضفي صورة مضحكة على أمر السماء كله، فهل أنزله للسماء الدنيا لكي لا يتعب جبريل وهو يأتي ويذهب! ما هذا الهراء!

15
“المعراج”
“صعد الرسول للسماء ودخل عند الله واقترب منه”
“نصح موسى الرسول بتخفيف الصلاة، وفاصل الرسول الله حتى وصلت خمس صلوات”

كذب، لو قاله الرسول لكذّبه حتى أبو بكر الصديق، وهي قصة خرافية، من قصص الأعاجم (وهم أقوام عربية لا يعربون الكلام)، استملحها الناس، فأضافوا لها بعض الأحداث، وألصقوها بشخوص مختلفة، وتستطيع سؤال عالم ميثولجيا عنها.

وقد حاكى أصلها الأديب الكبير أبو العلاء المعرّي، في كتاب الفصول والغايات، ودانتي أليغيري في الكوميديا الإلهية، والوهراني، وابن شهيد الأندلسي، ووردت بنسخ مختلفة، ولم تكن تُحمل محمل العقيدة، بل هي خرافة يتندر بها، وتطلب فيها الموعظة في قالب قصصي ممتع.

الواضح لمن يتقن العربية أنها لم تكتب قبل فساد اللسان العربي، فالمعراج اسم آلة، والأصل أن نقول الإعراج أو العروج، وهي لم تذكر في القرآن، وما ألصق من الآيات بها “ثم دنى فتدلى” فهي تتحدث عن رؤية محمد لجبريل، والسياق واضح، لمن يقرأ الآية وما حولها.

ثم إن القصة لتُعلي من شأن موسى، وتأتي على ذكر الله بسوء، إلها غير رحيم بعباده، وغير عالم بشئونهم، ينتظر خمسة ردّات لمحمد إليه، لكي يصل لتقرير الصلوات المطلوبة، التي كان الرسول يصليها أصلا، هو ومجموعة من الموحدين في وقته، وقيل: بل قبله!

ثمّ كيف يقولون الإسراء والمعراج، كمن يقول : الذهاب والسلّم! هذا ليس من الفصاحة في شيء، وكيف يقول القرآن عن الإسراء “من آيات ربه الكبرى” ثم يهمل ذكر هذه الحادثة ولو بكلمة! أليس العروج أكبر من السروة! أم أن ربكم لا يعرف القياس! أم خاف أن يكذّب فاقتصد بالقول! عار على عقولكم أن تصدقوا بخرافة كهذه!