خرافات إسلاميّة 1

نسرد في هذه السلسلة مجموعة معتقدات خرافية، التصقت بالإسلام زورا، نحاول أن نفهم سبب وجودها، وننظر الأسباب التي تدعونا لرفضها، وهي ترد دون ترتيب محدد، واعذروا قسوة لغتي في تناولها، ولكنها محض حماقات يجب طردها من العقول لكي تعود عقولا.

هذا هو الجزء الأول من السلسلة، ويحتوي خمس خرافات

1

“الرزق على الله”
“يأتي المولود ويأتي رزقه معه”

كذب، لم يقله الله، ولا يقوله عاقل، وهو مبدأ فقهي من عصور بداية التخلف العربي، فالرزق الذي خلقه الله هو الموارد الموجودة، من ماء وشمس وتربة ونظام حيوي، وهذا للجميع، أما نصيبك منه، أي رزقك، فمقرون بعملك وسعيك، حلالا كان أم حراما، وبالظروف من حولك والتي هي خارج إرادتك لكنها ليست تحت إدارة الله مباشرة، بل هي تحت إرادة الجماعة البشرية التي تنتمي لها.

أما طلب الله إلى الأعراب، ألّا يقتلوا أبناءهم خشية أن يموتوا جوعا، فهو يحضهم على العمل، وعلى طلب حقوقهم، وما سيتحملونه في سبيل طلب الرزق أقل ألما من قتل الأبناء، وقد ورد مرة بمعنى أن الله يرزق أبناءهم في معيتهم، ومرة بمعنى أن الله يرزقهم في معية أبنائهم، فالأولى هي كدّ الآباء على قوت عيالهم، والثانية هي إعالة الأبناء للآباء إذا عجزوا.

وهكذا فالله خلق الرزق، لكنك أنت من يكسبه ضمن شرط وجودك في هذا العالم، فإن كنت بدويا سترعى أو تتاجر، وإن كنت فلاحا ستزرع، وإن كنت مضطهدا من قبل طغمة غنية، يجب عليك الوقوف ضدهم في سبيل تحصيل حقوقك.

هذا لا يعني أن الفقير فقير لأنه غبي أو ضعيف، بل هو الظرف الذي وجد فيه، الذي يقع عليه وعلى الجماعة واجب تغييره، ومفاهيم مثل الرزق والحظ وجدت وبقيت بسبب عجر العقل البشري عن الإحاطة بكل الظروف الموضوعية، بسبب تعقيد الواقع.

فإن كان حقا ما تقولون بكون الرزق على الله، فالمجاعات مصائب من فعل الله وحده، يخلق فيها أطفالا ليقتلهم جوعا، فهل يستقيم أن نصدق بهذه الصورة عن الله!

2

“الموت بيد الله وحده”
“ما أحد يموت ناقص عمر”

كذب، لم يقله الله، ولا يقوله عاقل، نعم موت الإنسان هو ضريبة لحياته، فحتى اليوم لم يقدر الإنسان أن يقهر الموت، ولم يعش أحد سرمدًا، ولا تبدو فكرة الخلود في الدنيا فكرة جميلة أصلا، وبهذا يبدو الموت مقدرا بالفعل على الناس، لكن وقته لا.

أنا وأنت نستطيع أن نقتل بعضنا، وقتلي لك هو فعل بيدي أنا، وليس بيد الله، وإلا فالله هو المذنب في قتل كل مظلوم، وحينها فلا يلام المنتحر، لأنه لم يكن له أن يعيش ساعة بعد أجله!

قدرتنا على قتل بعضنا، وأن القتل فعلنا وليس فعل الله، أمر محسوس مشاهد، لا ينقضه النص، فإن أشكل عليك فهم النص ورأيته ضد الواقع، فأمامك خيارات محدودة:

تكذيب النص، لأنه غير مطابق للواقع المشاهد المحسوس المدرك.
إعادة فهم النص بطريقة تتناسب والواقع، ولأن القرآن نص بلاغيّ، فهذا ممكن بسهولة.

أما عن كون حياتك ليست بيدك وحدك، فهذا صحيح، لأن أيا كان يستطيع أن يقتلك، ولهذا فأجلك مقرون بظروف وجودك، ولا نقول أنه بيد الله وحده فقط لأنه ليس بيدك، فثمة المجتمع الذي حولك، وشرط وجودك من الكوارث الطبيعية وغيرها، مما قد يقتلك وهو ليس أمر الله، وإنما نتيجة الظروف الموضوعية، التي لتعقيدها، وعدم قدرة العقل البدائي على إحصائها، وقصور العقل المعاصر عن حسابها جميعا، وجدت هذه الخرافة وبقيت.

نجد القرآن يقول أن الذي يقتل نفسا فهو كمن قتل الناس جميعا، لأنه يقتله ويقتل ذريته التي كانت لتوجد لو لم يمت، فهل من يقول هذا يجعل الموت بيد الله وحده!

إذا قررت أن تقبل فكرة أن الموت بيد الله وحده، فعليك ألا تغضب ممن يقتل ابنك، بل يجب أن تشفق عليه، لأن ابنك كان سيموت بكل حال، طبقا لفكرتك، لكن الذي يعاني حينها فهو القاتل! أي غباء هذا!

3

“التصديق بالقضاء والقدر ركن من أركان الدين”
“كل شيء يحدث بسبب أن الله قرر حدوثه وأثبته في كتاب قبل خلق الكون”

كذب، لم يقله الله، ولا يقوله عاقل، نعم الإنسان لا يتحكم بكل ظروفه كفرد، ولا يختار مكان ميلاده، ولا قوميته ولا أهله، ولكن هذا لا يعني أنه مسيّر إطلاقا، ولا يعني أن التصديق بالقدر ركن من أركان الإيمان.

الآية التي يتكئ عليها من يقولون بكونه ركنا، عددت الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولم تذكر القدر، فهل نسيه الله أم نفد مداد كلماته! ناهيك عن أن الإيمان المطلوب هو أداء الأمن وليس التصديق، لكن عدد القرآن هذه “الأركان الخمسة” كسبب لأداء الأمن وما يقسم به العرب على عهدهم بأداء الأمن، فيكفي أن تؤمن بكتاب واحد لتكون مؤمنا، ولهذا عدّ الرسول اليهود مؤمنين في صحيفة المدينة.

أما حكاية القدر، فهي مشكلة فلسفية سببها فكرة علم الله الكامل، ونتيجة جدال الفرق الإسلامية في العصر العباسي، واتكأت على آيات من مثل “..كن فيكون..”، فهل ما يحدث بسببك وبسببي حدث بأمر “كن” أم حدث بوسيلة هي نحن! فهل الله محتاج لنا كوسائل؟

وكلمة قدر تأتي في القرآن بمعنى مقدار، أي قدّ الشيء من حجم ووزن وقدرة و و و … وليس بمعنى المصير المسبق الوضع من قبل الله، وليس من الفصاحة توظيفها بغير علمه.

أما علم الله الكامل، فهو حسب القرآن خارج وعينا، فإذا تحدّث الله معنا قال بلغتنا :ليعلم الله الذين…” وكأنه لا يعلم، لأننا في نطاقنا الزماني المكاني لا يعلم عندنا هذا، فالله يعلمه إذ يحدث، ولا يعلمه بقبل وبعد، لأن الله في الإسلام غير محدود في الزمان والمكان، ولذلك فهو _وله المثل الأعلى_ كمن ينظر للأحداث من خارج خط الزمن، فيعلمها جميعا حين حدوثها، ولا يجوز في حقه “قبل” و”بعد”.

مصيرك كإنسان بيدك، وقد صرح القرآن بهذا، فقال “وهديناه النجدين”، أي أنك مخيّر تماما في ما وقع تحت إرادتك، ولهذا فأنت مسؤول عنها، وعزو فعلك المشين لعلم الله هو افتراء عليه.

أما الكتاب الذي أثبت فيه الله ما شاء، أو يشاء، لأنه خارج الزمن، فهو ليس سيناريو بائس كتبه الله ونحن نمثله، وإنما مجاز لعلمه، فالله غير محتاج للتدوين الذي نعرفه، لكي يتذكر شيئا!

فإذا قبلت الاعتقاد بالقدر، كما هو شائع، واعتنقت هذه الخرافة ديانة، ففيم تلوم المجرم! وهو قد خلقه الله وهيأ له أن يكون مجرما، وعلم ذلك، فإما ألا يخلقه إن كان إلها خيّرا، وإما ألا يحاسبه بحسبانه أداة من أدواته جاء لينفذ قدرا كتبه هو!

الملفقون يقولون: إن الله يعرف مصيره لأنه يتوقعه بعلم كامل فيعرفه وهو لم يختره. وهذا حصر لله في الزمان! ويقولون: إنه قضى كل شيء. فهل يقضي ربكم الشرّ على الناس!

وهكذا نجد أن فكرة “القدر” والتسيير باطلة كلها، فالقرآن لم يقل بها، وهي تنسب الشر لله (بقولهم: خيره وشره)، وهي باطلة بالإحساس المجرد، مبنية على مغالطة الدور المنطقي*، لكن الناس لا يكتشفونها لأنه دور طويل، وليس مختصرا كأمثلة المغالطة المشهورة.

* ابحث عن معنى “الدور المنطقي” وهو اسم لمغالطة شهيرة، لكي تتمّ فهم القول.
** إذا أردت التوسع في موضوعة القدر فدونك رابط مقال: لام التعليل.

4

“الشيطان كائن وذات منفصلة”
“إبليس هو الشيطان”
“إبليس أصل الشر وسببه”

هذا كذب، لم يقله الله، ولا يقوله عاقل، فإن كان الشر يأتي من الشيطان، والشيطان هو إبليس، والله خلق إبليس، فالله هو مرجع الشر وأصله! تعالى الله عن ذلك!

الشيطان لغة هو وزن فيعال من الفعل “شطن” أي ابتعد، شطنت الدار أي ابتعدت، ورحلة شطون أي بعيدة، فالشيطان هو المغالاة، أي الشطَحان، بلغة أخرى. ولذلك قالت العرب عن شطحات الشاعر إنها شيطان شعره.

نجد القرآن يقدّم شياطين الإنس على شياطين الجنّ، فالشيطان حال تصيب المخلوق، وليس ذاتا منفصلة، أو كيانا، أي أنه، بلغة الفلاسفة والمتكلمة، عرض وليس جوهرا، والعرض من فعل الناس، وليس من فعل الله، كما تحزن وتسرّ وتأكل وتشبع بأمرك لا بأمر الله، ونقول تأدبا: بإذن الله.

والشرّ اسم تفضيل، كأن تقول الأفضل، يقول العرب: “هذا شرّ من هذا” أي أسوأ منه، والأسوأ هو الشرّ، وليس شيئا منفصلا بذاته، ومثله بالضبط “الخير”، أما الثنائية الحقيقية فهي العدل والظلم، والعدل: وضع الشيء موضعه. أما الظلم: فوضع الشيء في غير موضعه.

الله بخلقه الأشياء ومواضعها، وبمنح الإنسان إرادةً مطلقة، قد أتاح أن يعدل الإنسان أو أن يظلم، وهذا بأمر الإنسان، وهو معنى الاستخلاف، فإن شطن الإنسان وشطح وغالى فهو شيطان، يأني منه الظلم الذي هو شر، ولا علاقة لإبليس بالأمر، فإبليس يحاسب عن نفسه، وتحاسب أنت عن نفسك.

أما إذا قبلت الخرافة، فأنت تعزو الشر إلى ذات الله التي تعبدها، وبهذا فأنت تعبد كائنا شريرًا! فهل تقبل بهذا!

5

“الجن يتلبس الإنسان”
“فلان ركبه الجن”

كذب، لم يقله الله، ولا يقبله عقل، انتشرت قبل وجود آلة التصوير، وعادت بعد اختراع برامج تعديل الصور، ليس لها أساس في القرآن، إلا الفهم المريض، ذو الجهل المركب.

الآية التي يتكئون عليها هي ” يتخبطه الشيطان من المس”، وهي تُعنى بالمتعامل بالربا، الذي يبقى مهموما، لأن دينه يتفاقم دون قدرة منه على إيقافه، وتعني كما أسلفنا في الخرافة السابقة (الشيطان هو إبليس)، أنه يغالي ويشطح ويشطن، سواء كان دائنا أو مدينا.

الجنّ الذين قال القرآن بأن عالمهم لا يتداخل مع عالمنا، وأخرجهم من أي فعل ممكن لهم، حتى أن تصدق نبوءات الشعراء والكهنة بسببهم، وأنهم يروننا ولا نراهم، وأنه لا سلطان لهم علينا، كيف يقبل عاقل أن يكون هذا كله صحيحا، ويكون مش الجنّ حقا!

إذا قبلت هذه الخرافة، فلنعزو كل جريمة للجن، فلا نحاكم أحدا على ما يرتكب لأن فعله ليس بيده! خرافة مريحة لقبول توبة المذنب، لكنها لا تتفق مع عدل الله المفترض، أم أن الله ظالم!