تعلمنا في مدارسنا على أيدي بعض المعلمين الأفاضل، وكانوا من البسطاء حقًّا، عن “مسيلمة الكذاب” عجائب كثيرة، وجاءت المسلسلات والأفلام المرئية لترسخ له صورة الأحمق الخبيث، الذي يسجع سجعا مضحكا فيقول: (يا ضفدعَ بنت ضفدعين، نقِّي ما تنقِّين، نصفُك في الماءِ ونصفُك في الطِّين، لا الماء تكدِّرين، ولا الشراب تمنعين) ويقول أيضا: (الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلٌ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا الْجَلِيلِ.) إلى ذلك من الكلام الأحمق الساذج الذي يضحك منه طلاب الابتدائية.
لكنْ في الحقيقة يتساءل الأطفال ما هو الخارق في أن يتفوق القرآن على مثل ذلك القول السخيف؟ ولرب بيت للمتنبي، أو سجع من أسجاع ورقة بن نوفل، يدير الرؤوس في بيانه وحسن سبكه، ودقة تصويره. فهل كان أساتذتنا جزاهم الله عنا كل خير، واعين لما زرعوه في عقولنا من الاستهانة بكلام الله، وقد فعلوا ذلك عن طيب نية، ولكن الدرب إلى الجحيم مرصوف بحسن النوايا كما يقولون.
إن القرآن نزل على قوم فصحاء، وخصوم لدّ، لا يتركون خطأ لا يتكلمون فيه لو وجدوا ، وإن لم يجدوا اختلقوا، وإظهار أن من اتبع “مسلمة الحنفي” _وهو اسم مسيلمة الكذاب_ على أنهم يتبعون أي شيء ويقرون أي قول، فهذا طعن في حجة محمد عليه الصلاة والسلام، فقد يخيل لفقير اللغة أن المسألة كانت مسألة غلبة فقط، وأن ضروب القول التي بزها القرآن كانت هينة، وأن الناس كانت تبحث عن نبي تتبعه وتقاتل عنه حتى ولو لم يقل سوى الحماقات.
أخيرا نورد لك بعض ما اتصل إلينا من قول مسلمة الحنفي، وهو قول رشيق حسن السبك، بلغ من الحسن أن اتبعه الناس : ((ألم ترى الى ربك كيف فعل بالحبلى , اخرج منها نسمة تسعى , بين صفاق وحشا, وان الى الله المنتهى)) وقال أيضا: ((والشمس وضحاها . في ضوئها ومجلاها . والليل اذا عداها. يطلبها ليغشاها. فادركها حتى اتاها واطفأ نورها ومحياها)).
لكن قوما يخشون السؤال الذي يعجزون عن إجابته، عن “كيف يفضل القرآن المعروف لدينا مثلَ هذا القول?” قاموا ينسبون لمسلمة أقوالا عجيبة، أفرأيتم إن كان الرجل كذابا، وهو كذلك، فمن أباح لكم الكذب عليه!
ما نقوله هنا هو انتصار للقرآن الكريم الذي إن أراد شخص بيان فضله قام فقارنه بالرثّ من القول، فرأينا من دعاة الفضائيات مخترع سورة التفاح، ورأينا القوم ينسبون لمسلمة الحنفي أو مسيلمة الكذاب نصوصا فارغة، فأي قرآن تتبعون إذا كان فضله الوحيد أنه أبلغ من هذه الأقوال الضحلة الحقيرة!
إذا أردتم بيان فضل القرآن على سائر الكلام من تحدى القرآن ومن لم يتحداه، فلتقارنوه بأمثال العرب الشرودة ، وبأبيات الشعر المنضودة ، أم أن الكسل والاستسهال، قد نال من الدعاة ما نال! فسبحان من إليه المآل.
ثم أليس مخزيا أن الدعاة الذين اقتنعوا بالدين وباتوا يدلون الناس عليه، هم في الحقيقة كذبوا على مسيلمة، حتى حقّ أن نقول فيهم: أكذب من مسيلمة!
………….
لمن أراد الاستزادة حول دعوى “الإعجاز القرآني” وبطلانها أورد رابط مقالة : هل ألقى القرآن قفّازه؟